الإيمان بأسماء الله وصفاته وأثر ذلك على العبد
الإيمان بأسماء الله وصفاته وأثر ذلك على العبد
  | , 3777   |   طباعة الصفحة


  • خطبة جمعة : الإيمان بأسماء الله وصفاته وأثر ذلك على العبد.
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  •  المكان: خطبة جمعة في يوم 22 ربيع الثاني - عام 1438هـ في مسجد السعيدي بالجهراء، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.

   
  • الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد.. فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد.. عباد الله، اتقوا الله -عزَّ وجلَّ- فإن من اتقى الله وقاه إلى خير أمور دينه ودنياه. ثم اعلموا -رعاكم الله- أن من مقامات الدين العظيمة، ومنازله العالية الرفيعة معرفةَ الرب العظيم، والخالق الجليل بمعرفة أسمائه الحسنى، وصفاته العلى، وما تعرَّف به إلى عباده في كتابه، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ بل إنّ هذا -عباد الله- أساسٌ من أسس الدين العظيمة، وأصلٌ من أصول الإيمان المتينة، وقوام الاعتقاد وأصلُه وأساسُه معرفة الله -جلَّ وعلا- بمعرفة أسمائه وصفاته. ما أعظمَه من مقام! وما أجلَّها من منزلة! وما أعلاها من رتبة حينما يعرف المخلوق خالقه وربه، وسيده وموجده ومولاه! فيتعرف على عظمته وجلاله وجماله وكبريائه، ويتعرف على أسمائه الحسنى وصفاته العلى على ضوء ما جاء في كتاب الله، وفي سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-. عباد الله، إنَّ في كتاب الله -عزَّ وجلَّ- آياتٌ متكاثرة، ونصوصٌ متضافرة فيها الدعوة إلى معرفة الله، ومعرفة أسمائه الحسنى، وصفاته العُلى، وبيان ما يترتب على هذه المعرفة من الآثار الحميدة، والنهايات الرشيدة، والمآلات الطيبة، يقول -عزَّ وجلَّ-: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف:180]، ويقول -جلَّ وعلا-: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الإسراء:110]. عباد الله، بل جاء في القرآن الكريم آياتٌ صريحة، ونصوصٌ واضحة فيها الدعوة إلى تعلُّم الأسماء والصفات لله -عزَّ وجلَّ- ومعرفتها، ومعرفة الله -تبارك وتعالى- بها، يقول -سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في قرابة الثلاثين آية فيها الدعوة إلى العلم بأسماء الله وصفاته، كقوله -عزَّ وجلَّ-: ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة:209]، وقوله -تبارك وتعالى-: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة:98]، وقوله -تبارك وتعالى-: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [البقرة:267] والآيات في هذا المعنى كثيرة. عباد الله، إن معرفة الله -عزَّ وجلَّ-، ومعرفةَ أسمائه الحسنى، وصفاته العظيمة بابٌ شريفٌ من العلم؛ له الأثر البالغُ على مَن اعتنى به وفهِمَه، يقول -صلى الله عليه وسلم-، كما في الصّحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-: «إنَّ لله تسعةً وتسعين اسمًا، مائةً إلا واحدة، مَن أحصاها دخل الجنة». تأمَّلْ -رعاك الله- هذا الأثر العظيم، والنهاية الطيبة لمن أحصى تسعةً وتسعين اسمًا من أسماء الله -عزَّ وجلَّ- الكثيرة التي لا نهاية لها فإن مآله -بإذن الله- إلى دخول الجنة. وليس المراد -عباد الله- بإحصاء أسماء الله في هذا الحديث حفظ ألفاظها فقط بل المطلوب في الإحصاء العلم بمعاني أسماء الله مع حفظها وفهمها، والقيام بما تقتضيه؛ فهي ثلاث مراتب:
  • المرتبة الأولى: حفظها.
  • والثانية: فهم معانيها.
  • والثالثة: القيام بالعبوديات المختصة بها.
ومعنى ذلك -عباد الله- أنه ما من اسمٍ من أسماء الله -جلَّ وعلا- إلا وله عبوديةٌ مختصةٌ به، وهي مِن موجبات العلم بذلك الاسم بل إن لكثيرٍ من الأسماء عبودياتٌ كثيرة. فما أعظم -عباد الله- أن يُقبل العبد على معرفة الله ومعرفة أسمائه وصفاته الواردة في كتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-!. ومثال ذلك: يقول الله -جلَّ وعلا-: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:11]. في هذه الآية الكريمة أخبر -جلَّ وعلا- عن نفسه بأنه سميعٌ بصير فإذا عرفت -أيها المؤمن- أن الله -جلَّ وعلا- من أسمائه الحسنى (السميع) فعليك أن تعرف الصفة العظيمة التي دلَّ عليها هذا الاسم العظيم، ألا وهي أن الله -عزَّ وجلَّ- سميعٌ لجميع الأصوات لا يخفى عليه -تبارك وتعالى- منها صوتٌ. بل إن العباد لو وقفوا من زمن آدم إلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها لو وقفوا جميعُهم في صعيدٍ واحدٍ، وسألوا الله -عزَّ وجلَّ- في لحظةٍ واحدة، وكلٌّ منهم يذكر مسألةً خاصةً به، وبلغاتٍ مختلفة، ولهجاتٍ متباينة، لسمع -عزَّ وجلَّ- أصوات الجميع دون أن يختلط عليه صوتٌ بصوت، ولا حاجةٌ بحاجة، ولا لغةٌ بلغة. وانظر ذلك في قوله -سبحانه وتعالى- في الحديث القدسي المخرَّج في صحيح مسلمٍ حيث يقول تعالى: «يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني فأعطيت كل واحدٍ منكم مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيئًا». جاءت المرأة المجادِلة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيته لتشتكي إلى الله، وكانت تجادل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكانت عائشة -رضي الله تعالى عنها- في البيت فتقول عائشة: (كنت أسمع بعض كلامها، ويغيب عني بعضه، وما إن انتهت المجادلة من مجادلتها إلا وينزل قول الله -عزَّ وجلَّ-: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [الطلاق:1]، تقول عائشة -رضي الله عنها-: سبحان الذي وسع سمعُه الأصوات). فإذا آمَنْتَ -أيها المؤمن- بأن الله -عزَّ وجلَّ- يسمع صوتك، يسمع كلامك فكيف يليق بك أن تُسْمِعَ ربك -تبارك وتعالى- من الكلام ما لا يليق، ومن الأقوال ما هو باطل؟ كيف لا تنشغل بذكر الله، وتلاوة آياته، وتسبيحه وحمده، والثناء عليه -تبارك وتعالى-؟ فلا يسمع منك -جلَّ وعلا- إلا القول السديد والكلام النافع. وإذا آمنت -أيها المؤمن- بأن الله من أسمائه الحسنى (البصير) فآمِنْ بالصفة التي دلَّ عليها هذا الاسم وهو أن الله -عزَّ وجلَّ- بصيرٌ بجميع المبْصَرَات يرى كل شيءٍ -سبحانه وتعالى- يرى جميع المخلوقات، وجميع الكائنات من فوق سبع سماوات، يرى -جلَّ وعلا- من فوق سبع سماواتٍ دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء بل إنه -عزَّ وجلَّ- يرى ويبصر ما دون ذلك فلا يغيب عن بصره شيء فما أعظم بصرَ الله -جلَّ وعلا-!. عباد الله، إذا علمتم أن الله بصيرٌ بكم ألا تستحي يا عبد الله من الله أن يراك، وأنت تعيش في نعمة الله وأُعطيّاته ومنته، وفي ملكه -سبحانه وتعالى- ثم تبارزه بالذنوب والمعاصي، والخطايا والآثام؟! ألست تعلم أن الله بصيرٌ بك يراك ويطلع عليك، ولا تخفى عليه منك خافية؟ وهكذا -عباد الله- بقية أسماء الله الحسنى وصفاته العلى كلما زاد العبد علمًا بها كلما زاد تقوى بها وخشية ﴿إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ﴾ [فاطر:28]. يقول ابن عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما-: "أي: العلماء بأن الله على كل شيء قدير". فإذا أنت أتقنت هذا الباب، وعلمت أسماء الله -عزَّ وجلَّ- وصفاته أثّر ذلك في حياتك وفي عبادتك، وفي طاعة ربك تأثيرًا عظيمًا. اللهم إنَّا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن ترزقنا العلم النافع، والعمل الصالح. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفره إنه هو الغفور الرحيم.
  • الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد.. عباد الله، اتقوا الله تعالى. جاء في الصّحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بَعَثَ رجلًا في سريةٍ فكان يصلي بهم فيختم قراءته بــ ـ(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)، يفعَلُ ذلك في كل ركعةٍ من كل صلاة، فأشكل ذلك على من معه من الصحابة، فلما رجعوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- سألوه فقال -عليه الصلاة والسلام-: «اسألوه لأي شيءٍ كان يفعل ذلك»، فذهبوا إليه وسألوه، فقال -رضي الله تعالى عنه-: "لأن فيها صفةَ الرحمن، وأنا أُحب الرحمن".   فعادوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبروه فقال -عليه الصلاة والسلام-: «أخبروه أنّ حبَّك إياها أدخلك الجنة»، وفي روايةٍ قال: «أخبروه أن الله -عزَّ وجلَّ- أحبك»، أو كما قال -عليه الصلاة والسلام-. تأمَّل عبد الله حبُّ أسماء الله وصفاته العلى يدخل العبد الجنة؛ لأن هذا الحب يحرك في القلوب الإقبال على الله -عزَّ وجلَّ-، والقيامَ بعبوديته وتحقيقَ طاعته، والبعد عن نواهيه -جلَّ وعلا-. اللهم إنا نسألك حبَّك، وحب من يحبك، وحب كل عملٍ يقربنا إلى حبك يا ذا الجلال والإكرام. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.