- خطبة بعنوان: التحذير من البدع وأهلها.
- ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى.
- المكان: خطبة في يوم 9 محرم 1445هـ. في المسجد السلفي.
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
فإن الاعتصام بالكتاب والسنة والتمسك بهما أعظم أصول الإسلام ودعائمه العظام الذي من تركه ضل السبيل وأدى ذلك به إلى الهلاك، قال تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون). وكذلك حث الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الاعتصام ونهى عن التفرق فقال في حديث أبي هريرة: (إن الله يرضى لكم ثلاثاً: يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم) [رواه مسلم]، وقد أخبر صلوات الله وسلامه عليه أن الاختلاف والتفرق في الأمة حاصل مع ذمه له، فأوصاهم وصية نافعة جامعة، بأن يتمسك العبد بسنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسنة خلفائه الراشدين، وأن يحذر من المحدثات في الدين والابتداع فيه، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في حديث العرباض بن سارية: (قد تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) رواه أصحاب السنن.
لما كانت البدع من أعظم أسباب تفرق الأمة وتشتتها جاءت النصوص الكثيرة في التحذير منها ومن أهلها، واتفق السلف الصالح على التحذير منها، وقرروا هجر أهلها ومنابذتهم وبغضهم واجتنابهم، بل نقلوا الإجماع على ذلك. "فالفرقة ملازمة للبدعة، كما أن الاجتماع ملازم للسنة"، لذلك جاء التأكيد على النهي عنها في هذا الحديث وفي أحاديث أخرى كثيرة فعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ، فقيل ما هي يا رسول الله قال: ما كنت عليه أنا اليوم وأصحابي) وفي لفظ "الجماعة".
فالمبتدعة والابتداع داء خطير في الأمة سبب لها كثيراً من الفتن والبلاء وكان مصدراً لتفريقها وتشتيتها حتى كانت ثلاثاً وسبعين فرقة منها واحدة ناجية فقط ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (سيكون في آخر أمتي ناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم ) رواه مسلم، أي احذروا أهل البدع ، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث عائشة : (فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم) متفق عليه، ولهذا اهتم السلف بهذا الأصل العظيم وهو هجر أهل البدع أعظم اهتمام وأولوه بالغ العناية، فسيرتهم مليئة بهجر أهل البدع وإخزائهم وإذلالهم على ضوء الضوابط الشرعية في ذلك، فهذا ابن عمر حين سئل عن القدرية قال: (فإذا لقيت أولئك فاخبرهم أني برئ منهم وأنهم براء مني) ، ويقول ابن عباس : (لا تجالسوا أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلوب) وقال أبو قلابة: (لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم ما تعرفون) ويقول الإمام أحمد: (أهل البدع ما ينبغي لأحد أن يجالسهم ولا يخالطهم ولا يأنس بهم) وسار السلف على ذلك والآثار عنهم كثيرة في التحذير من البدع والتحذير من أهلها على حد سواء، ولم يقتصروا على التحذير من البدع وتركوا أهلها فإن البدع لا تسير وحدها، فإذا قمع أهلها مات ما يحملون من بدع، لذلك كان من الضلال قول من يقول حذر من البدعة واترك المبتدع وهذا خطأ مخالف لمنهج السلف فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حذر من ذي الخويصرة بعينه ، وأشار إليه فقال "يخرج من ضئضئ هذا أقوام ... " أي الخوارج، وقال ابن تيمية: "فلا بد من التحذير من تلك البدع وإني اقتضي ذلك ذكرهم وتعيينهم" ، وتحذير الأمة من أهل البدع بأعيانهم كثيرة جداً، حملهم عليه النصيحة لله ولرسوله وللأمة كافة، وليس ذلك من الغيبة المحرمة بل هو أمر واجب وشرعي لذلك يقول الإمام أحمد: (لا غيبة لأصحاب البدع)، ويقول الإمام ابن أبي زمنين: (ولم يزل أهل السنة يعيبون أهل الأهواء المضلة وينهون عن مجالستهم ويخوفون فتنتهم ويخبرون بخلاقهم ، ولا يرون ذلك غيبة لهم ولا طعناً عليهم).
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
عباد الله:
إنّ التحذير من أهل البدع من الجهاد في سبيل الله يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه ، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل ، فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين).
ومن منهج أهل السنة عند التحذير من أهل البدع أن لا يذكروا محاسنهم بل يقتصرون في النقد على ذكر ما لديهم من مساوئ لذلك يقول أحد الأئمة (من عقوبة المبتدع ألا تذكر محاسنه) فإذا ذكر أحد محاسنه في باب النقد والتحذير فهو داع له كما قال ذلك العلماء.
إن خطر البدع وأهلها عظيم على الإسلام والمسلمين وسبب كبير لتفريق الأمة.
ولا زال أهل البدع موجودين وفرقهم كثيرة ومعلومة للعارفين ومن قصرها على الفرق القديمة فهو من الجاهلين بل هي تتعدد وتتغير أسماؤها وأشكالها فينبغي عباد الله الحذر والتحذير منهم ، فهم خطر على شبابنا وأبنائنا وما حوادث التفجير ومذهب التكفير عنا ببعيد ففي كل فترة يصيبون معقلاً من معاقل الإسلام فيقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان بل يخدمونهم بأفعالهم, اللهم ثبتنا على السنة حتى نلقاك.