- خطبة مكتوبة: سنن الصيام وآدابه.
- للشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى.
- نسأل الله أن ينفع بها الجميع.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ] يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون[..
لقد منّ الله علينا بإدراك هذا الشهر المبارك، فعلينا استحضار قدْرَ نعْمة الله علينا بالصيام، حيثُ وفَّقَنا له، ويَسَّره علينا، فإنَّ كثيراً من الناسِ حُرمُوا الصيامَ إمَّا بموتِهِم قبل بلوغِهِ، أو بعجْزهم عنه، أو بضلالهم وإعْرَاضِهِم عن القيام به، فَلْيَحْمدِ الصائمُ ربَّه على نعمةِ الصيامِ التي هي سببٌ لمغفرةِ الذنوب، وتَكْفير السيئاتِ، ورفْعةِ الدرجاتِ، في دارِ النعيم بجوارِ الربِّ الكريم، فأدوا حق هذه النعمة بشكرها بالقول والعمل، وأداء واجبات الصيام وآدابه وسننه، فهي أيام معدودة تمر سريعا بين فائز وخاسر، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيدِ اللهِ t: أَنَّ رَجُلَينِ مِنْ بَلِىٍّ قَدِمَا عَلَى رَسُوْلُ اللهِ
ﷺ وَكَانَ إِسْلاَمُهُمَا جَمِيعاً، فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَاداً مِنَ الآخَرِ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشهِد ثُمَّ مَكَثَ الآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ، قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأيتُ فِي الْمَنَامِ: بَينَا أَنَا عِندَ بَابِ الْجَنَّةِ إِذْا أَنَا بِهِمَا فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الْجَنَّةِ فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الآخِر مِنْهُمَا، ثُمَّ خَرَجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيِّ فَقَالَ: ارْجِع فَإِنَّكَ لَمْ يَأَنِ لَكَ بَعْدُ، فَأَصْبَحَ طَلحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ، فَعَجِبُوا لِذَلِكَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُوْلُ اللهِ
ﷺ وَحَدَّثوهُ الْحَدِيثَ فَقَالَ :«مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ؟». فَقَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ! هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَينِ اجْتِهَاداً، ثُمَّ استُشْهِدَ وَدَخَلَ هَذَا الآخِرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ؟ فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ
ﷺ :«أَلَيسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً؟». قَالُوا: بَلَى ، قَالَ: «وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَ وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِن سَجْدةٍ فِي السَّنَةِ؟». قَالُوا : بَلَى ، قَالَ رَسُوْلُ اللهِ
ﷺ:«فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ الَّسمَاءِ َوالأَرْضِ». [رواه ابن ماجة وصحح الألباني].
من أعظم الآداب التي يجب على الصائم المحافظة عليها: أداءُ الصلاة التي هي آكدُ أركانِ الإِسلامِ بعد الشهادَتَين، فتجبُ مراعاتُها بالمحافظةِ عليها والقيامِ بأرْكانِها وواجباتِها وشروطِها، فيؤديها في وقْتِها مع الجماعةِ في المساجِدِ، وإضاعةُ الصلاة مُنافٍ للتَّقْوى وموجبٌ للعقوبةِ. قال الله تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ الصَّلَـوةَ وَاتَّبَعُواْ الشَّهَوَتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً)، ومِنَ الصائمين مَنْ يتهاونُ بصلاة الجماعةِ مع وُجوبها عليه، وهذا معرض نفسه للعقوبة في الدنيا والآخرة، وهذا حال أهل النفاق في تضييع الصلاة، وعدم الحرص عليها.
وعلى الصائم أن يجتِنبَ جميعَ ما حَرَّمَ الله ورسولُه مِنَ الأقوال والأفَعالِ، فيجتنبَ الكذبَ، والغِيْبَةَ، والنَّمِيْمَةَ والْغِشَّ في جميع المعاملاتِ، ومنه الغش في الاختبارات أو الاجابة على الاختبارات عن طريق الآباء والأمهات، ويجتنبُ سماع الغناء والمَعازِفَ، وللأسف انقاد كثير من المسلمين لما أعده أهل الفجور من مسلسلات وأفلام، فتراهم في هذا الشهر لا يفارقون التلفاز ويقضون أوقاتهم كلها أمامه، فهم بجانب تحصيلهم للسيئات، يفوتهم كثير من الحسنات والأعمال الفاضلات. فاحذورا أيها المسلَمونَ نواقضَ الصومِ ونواقِصَهُ، وصُونُوه عن قول الزُّورِ والعملِ به. ولا يكن حظنا من صيامنا الجوع والعطش فقط، ولا يكن يومُ صومِ أحدكم ويومُ فِطْرِه سواءً.
إن من أعظم ما ينبغي الحرص عليه في هذا الشهر وغيره من الأوقات: الحرص على أداء الصدقة الواجبة وهي الزكاة، والصدقة المستحبة على الفقراء والمساكين وغيرهم من أهل الحاجة، بل إن العبد حال الاحتضار يتمنى أن يؤخِّرَه الله ليزداد من التَّصدق والصالحات، قال تعالى: ]
وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[، قال ابن كثير: (كل مُفَرِّط يندم عند الاحتضار، ويسأل طول المدة ولو شيئا يسيرًا، يستعتب ويستدرك ما فاته، وهيهات! كان ما كان، وأتى ما هو آت، وكل بحسب تفريطه).
وعلى العبد أن يهتم بشأن زكاته وأحكامها، ويسأل عنها، ويستفتي أهل العلم عما يجهل، وعليه كذلك أن يجتهد في صرفها في مصارفها، فكثيرون لا يعلمون أن تذهب زكاتهم، ولا على من وزعت، ولا كيف تصرف فيها من أخذها، أنت المحاسب عند الله، وأنت المسؤول، فاعرف لمن تعطيها، واسأل عن مصارفها، ومن خير الصدقات ما جمع بين صدقة أو زكاة وصلة رحم كقريب فقير أو مسكين أو مدين.
عباد الله: نحن في دار مَمَرٍّ ولسنا في دار مَقَرٍّ، كلنا نسير إلى آجالنا، وعن قريب سنصل، وكلما مضى يوم مضى شيء من عمرنا، فاغتنموا أيامكم تسعدوا في آخرتكم.
اللهم اجعلنا من المقبولين، ولا تجعلنا من الخاسرين المردودين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أرسله ربه رحمة للعالمين.
فأوصيكم – عباد الله - ونفسي بتقوى الله تعالى؛ فإن تقوى الله خير الزاد ليوم المعاد.
من سنن الصيام المستحبة: السُّحُورُ فقد أمَرَ النبيُّ
ﷺ به فقال: «تَسحَّروا فإن في السحورِ بركةً»، [متفق عليه]. وأثْنَى
ﷺ على سَحُورِ التَّمرِ فقال: «نِعْمَ سَحُورُ المؤمنِ التمرُ»، [رواه أبو داود]. والسُّنَّةُ تأخيرُ السُّحورِ وتعجيلُ الفُطور، والسنَّة أنْ يفطِرَ على رُطَبٍ، فإن عُدِم فتمْر، فإنْ عُدِم فَمَاء، لقول أنسٍ t: «كان النبيُّ
ﷺ يُفطِرُ قبلَ أن يُصَلِّيَ على رُطباتٍ، فإنْ لَمْ تكنْ رطبات فَتَمَرَات، فإن لم تكن تمرات حَسَا حَسَواتٍ من ماءٍ»، [رواه أحمد وأبو داود والترمذي]. وإذا أفطر قال: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله)، وعلى الصائم الحرص على أداء صلاة التراويح كل ليلة، (فمن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)، وعليه الاجتهاد في قراءة القرآن والإكثار من ختمه، والذكرِ والدعاءِ والصلاةِ والصدقة. ففي الصحيحين من حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: كان رسولُ الله
ﷺ أجْوَد الناسِ، وكان أجوَدَ ما يكونُ في رمضانَ حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن. فَلَرَسُولَ الله
ﷺ حينَ يَلقاهُ جبريلُ أجْوَدُ بالْخيرِ من الريحِ المُرسلةِ.
اللهم وفقنا لمرضاتك، وأعنا على شكرك وحسن عبادتك ....