النصف من شعبان وحقيقة حب الوطن
النصف من شعبان وحقيقة حب الوطن
  | 1548   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: النصف من شعبان وحقيقة حب الوطن.
  • ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة في يوم 13 شعبان 1445هـ في مسجد السعيدي بالجهرا.

 
  • الخطبة الأولى:
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ).
  • عِبَادَ اللهِ:
ها قد اقترب النصف من شعبان وأزفت أيام رمضان، فهل أعددنا العدة للصالحات وهيأنا الأنفس لفعل الخيرات، هل صمت من شعبان شيئا فعملت بسنة نبيك أم فاتك الصيام فإليه بادر، وليكن لك من الخير فيه نصيب، فهذا الشهر عباد الله كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام فيه؛ فكان يصوم من شعبان ما لا يصوم من غيره من الشهور، ففي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ)، وهو شهر ترفع فيه الأعمال فاحرص على زيادتها وإحسانها، فعن أُسَامَة بْن زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ: ((ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ)) [رواه أحمد والنسائي وحسنه الألباني].
  • عباد الله:
ومن لم يصم فإنه يكره له التقدم قبل رمضان بالتطوع بالصيام بيوم أو يومين لمن ليس له عادة، أما من كان له عادة كصيام الاثنين والخميس أو القضاء والكفارة وصادف ذلك آخر شعبان فإنه يجوز له صيامه، لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صوما، فليصمه"، ولهذا نهى عن صيام يوم الشك وهو آخر يوم من شعبان، قال عمار رضي الله عنه: " من صام اليوم الذي يشك فيه الناس فقد عصى أبا القاسم " [رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني].
  • عباد الله:
ومن كان عليه قضاء من رمضان الماضي فيجب عليه المبادرة إلى صيامه قبل دخول رمضان، فعلى الأب والزوج أن يذكر زوجته وأولاده بقضاء ما فاتهم، فإن كثيرا من الناس يتساهلون ويتناسون حتى يدخل عليهم رمضان فيترتب على هذا التسويف والتساهل الإثم والكفارة. عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ : سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ : كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ . [رواه البخاري ومسلم]. قال الحافظ ابن حجر: (ويؤخذ من حرصها على ذلك في شعبان أنه لا يجوز تأخير القضاء حتى يدخل رمضان آخر). فأقبلوا عباد الله على الله بقلوبكم وأعمالكم، فالدنيا طريق الآخرة، إن أحسنت فيها أفلحت، وإن أسأت فيها خبت وخسرت.
  • عباد الله.
ما من موسم من مواسم الطاعات وإلا وتجد من أهل البدع والأهواء ما ينحرفون به عن السنة وطريق الصحابة، ومن ذلك ما يحدثونه من البدع في يوم وليلة النصف من شعبان، كبدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان، وتخصيص يومها بالصيام، وليس على ذلك دليل يجوز الاعتماد عليه، وقد ورد في فضلها أحاديث ضعيفة وبعضها موضوع لا يجوز الاعتماد عليها. أما ما ورد في فضل الصلاة فيها، فكله موضوع، كما نبه على ذلك كثير من أهل العلم، وروى ابن وضاح عن زيد بن أسلم، قال: ما أدركنا أحداً من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى النصف من شعبان، ولا يلتفتون إلى حديث مكحول، ولا يرون لها فضلاً على ما سواها). وقيل لابن أبي مليكة: إن زيادا النميري يقول: (إن أجر ليلة النصف من شعبان كأجر ليلة القدر، فقال: لو سمعته وبيدي عصا لضربته) وكان زياد قاصاً. قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: (ومما تقدم من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم، يتضح لطالب الحق أن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة أو غيرها، وتخصيص يومها بالصيام بدعة منكرة عند أكثر أهل العلم، وليس له أصل في الشرع المطهر، بل هو مما حدث في الإسلام بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم، ويكفي طالب الحق في هذا الباب وغيره قول الله عز وجل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3] وما جاء في معناها من الآيات، وقول النبي : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد وما جاء في معناه من الأحاديث). وكذلك من البدع ما يفعله بعض المسلمين في حملة رسائل عبر برامج التواصل الألكترونية، وذلك قُبيل منتصف شهر شعبان، شعارها: المسامحة « سامحني وأسامحك» أو « سامحتك فسامحني»، فاحذروا عباد الله من البدع والمحدثات واجعلوا عبادتكم لربك على علم وهدى وبصيرة قائمة على الدليل من كتاب الله وسنة رسول الله ، فما لم يكن عندهم دينا فلا يكون أبدا اليوم دينا، فلو كان خيرا لسبقونا إليه.
  •  الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.
  • أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ –عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
  • عباد الله:
إنه مما ينبغي عند الحديث عن الوطن والحنين إليه أن نحذر من أُناسٍ وفئةٍ مِن الذين يدعون حبّ الوطن، ويدندنون دائما حول الوطنية وحبّ الوطن وضرورة الانتماء إليه، وهم أضرّ الناس على الوطن وأهله، يريدون لنا الفساد والوقوع في شباك الفاحشة والرذيلة. فحب الوطن ليس بمسيرات مليئة بالفساد وإيذاء المسلمين والمسلمات والتهور بالسيارات والدراجات، وحب الوطن ليس بالغناء الماجن واستدعاء الهابطات والفساق للغناء ونشر مزامير الشياطين وإشاعة المعاصي والفجور. وحب الوطن ليس بالإسراف بالمال وأذية المسلمين برميه عليهم، وحب الوطن ليس بنشر لواء الوطنية العمياء التي لا تهتم بالولاء والبراء للدين الإسلامي والمسلمين أهل السنة، حب الوطن ليس بالخروج على ولاة الأمر وتأليب الناس عليهم والمظاهرات والتجمعات في الساحات وملئ قلوب الناس بالشحناء والبغضاء على ولاة الأمر. إنّ الحبّ الحقيقي للوطن لا يمتّ إلى هذه المظاهر بصِلة، بل يتبرّأ منها أشدّ البراء وآكده، فحب الوطن والعمل لأجله ليس مختصا بيوم أو يومين بل كل أيامنا كذلك إنّ حب الوطن الحقيقي هو بنشر التوحيد فيه والعقيدة الصحيحة ونبذ الشرك وأهله، وغرس العلم والتعليم والتوجه بالمجتمع إلى الصلاح والرشاد وحرب الرذيلة والفساد في جميع النواحي الدينية والاجتماعية والاقتصادية، حب الوطن الحقيقي هو السعي في تطبيق الشرع الحكيم في الحدود والمعاملات والأخلاق والمبادئ، ومنع الربا ومحلات الفجور والخنا. فاعملوا عباد الله على إنقاذ مجتمعكم وبلدكم بتطبيق شرع الله في نفسك أولاً ثم في تعاملاتك مع الآخرين فبهذا تنقذ وطنك من شر الذنوب والمعاصي. عن ابن عمر قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (كيف أنتم إذا وقعت فيكم خمس وأعوذ بالله أن تكون فيكم أو تدركوهن ما ظهرت الفاحشة في قوم قط يعمل بها فيهم علانية إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم وما منع قوم الزكاة إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا وما بخس قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان ولا حكم أمراؤهم بغير ما أنزل الله إلا سلط عليهم عدوهم فاستنقذوا بعض  ما في أيديهم وما عطلوا كتاب الله وسنة نبيه إلا جعل الله بأسهم بينهم) رواه البيهقي.
  • عباد الله:
إن ما مرّ ببلدنا وبلاد غيرنا من المسلمين إنما هو بسبب الذنوب والمعاصي، ثم ما حصل من التحرير وعودتنا إلى أوطاننا إنما هو نعمة الله تعالى علينا، فما حصل لنا إنما هو عبرة للمعتبرين وعظة للذاكرين، حيث وجب علينا البعد عن أسباب وقوعه فنترك الذنوب والمعاصي، ونعمل بطاعة الله تعالى، وننسب النعم التي حصلت لنا لله رب العالمين، وتتعلق قلوبنا به وحده لا شريك له. فالفضل كله لله أن سخّر لنا أسباب عودتنا إلى أوطاننا واستقرارنا فيها. ونسأله تعالى أن يحفظنا ويحفظ أوطاننا ويحفظ علينا أمننا.