عيسى عليه السلام ودعوته إلى التوحيد الخالص.
عيسى عليه السلام ودعوته إلى التوحيد الخالص.
  | 2379   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: عيسى عليه السلام ودعوته إلى التوحيد الخالص.
  • ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة في يوم 2 جمادي الثاني 1445هـ في مسجد السعيدي بالجهرا.

 
  • الخطبة الأولى
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ تَعَالَى، وخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ، وشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
  • عباد الله:
لقد تميز دين الإسلام عن الأديان الجائرة والملل الكافرة، وسطيته في دعوته للإيمان بالرسل، بلا إفراط ولا تفريط، فينزلهم المنزلة التي أنزلهم الله، فلا يغلون فيهم فيعطونهم صفات الله تعالى، أو يشركونهم مع الله تعالى في ربوبيته وألوهيته، ولا يكفرون بهم وينكرون رسالة أحد منهم. فهذا عيسى ابن مريم عليه السلام عقيدة الإسلام فيه واضحة جلية، بين إفراط اليهود وغلو النصارى، فلعيسى عليه السلام في الإسلام مكانة عليّة ومنزلة رفيعة وهو من أولي العزم من الرسل، إن هذا النبي الكريم له منـزلة عظيمة قام بـها الإسلام وقررها أفضل تقرير وأكمله وأنصفه في كثير من آيات القرآن البينة الكريمة ، وذلك الذي قرره الإسلام لا يقبل العقل السليم الصريح سواه ، ويرفض ما عداه مما قررته اليهودية من قذف له ولأمه ، وما قررته النصرانية من غلو فيه وتأليه له تارة باعتباره ابن الله وتارة بقولهم هو الله أو ثالث ثلاثة، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. لقد قص الله علينا أحسن القصص وأروعه عن عيسى عليه السلام وأمه من بداية أمرهما وتابع ذلك في مراحل حياتـهما في غاية البيان مع غاية الإكرام، وذكر الله قصته وأمه في أكثر من سورة، بل أنزل الله تعالى سورة كاملة باسم أمه مريم عليها السلام، وبيّن الله تعالى أنه لم يُقتل ولم يُصلب بل رفعه الله إليه، وسينزل في آخر الزمان، فآمن بذلك المؤمنون من أتباع محمد ، وقدروا عيسى وأمه حق التقدير، واحتفوا بـهما غاية الاحتفاء. بل جعل الإسلام الشهادة بذلك من أسباب دخول الجنة، فَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : «مَنْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ أَمَتِهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ- أَدْخَلَهُ اللَّهُ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ» [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاللَّفْظُ لَهُ].
  • عباد الله:
إنّ الناظر في دعوة عيسى عليه السلام يجد التوحيد يملؤها، والأمر بإفراد الله تعالى وعبادته وحده من أعظم مبادئها، وهو رسالة الرسل جميعاً بمن فيهم عيسى عليه السلام، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) (الأنبياء:25)، لقد بلَّغ عيسى رسالته على أحسن الوجوه ، وكان في طليعة العابدين الخاشعين لله رب العالمين من أمته، صادعًا بالحق من مهده وفي كهولته، إلى أن رفعه الله إليه، وإلى أن ينزل آخر الزمان ودعوته كلها في التوحيد، ونفي الشريك والولد عن الله تعالى، فقال في مهده:  (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)) مريم. ولما ينزل في آخر الزمان، يقتل المسيح الدجال الذي ادّعى الربوبية من دون الله، ثم يحكم بالشرع ويدعو إلى التوحيد، ويحارب مظاهر الشرك، فعن أبي هُريْرَةَ t قال: قال رسول اللّهِ : (والَّذِي نفْسِي بيده ليُوشِكَنَّ أنْ ينْزِلَ فِيكمْ بن مرْيَمَ حكَمًا مقْسِطًا فيَكْسِرَ الصّلِيبَ ويَقْتُلَ الْخنْزِيرَ ويَضَعَ الْجِزْيةَ ويَفِيضَ الْمالُ حتى لا يقْبَلَهُ أحَدٌ). [متفق عليه] وأمر عليه السلام بني إسرائيل بعبادة الله وحده، وحذرهم من خطورة الشرك، فقال تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ) المائدة/72 وكان هذا النبي الكريم عيسى عليه السلام يبيّن لقومه أنّ النجاة باتباع الصراط المستقيم وهو تقوى الله تعالى وطاعته وتوحيده، قال تعالى: (ومصدقاً لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون ، إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم [ [آل عمران:]. ويسأل الله تعالى عيسى عليه السلام عن حقيقة دعوته لقومه، فجاءت الإجابة الصادقة داعية إلى توحيد الله، متبرئًا من الشرك به أو بأمّه، منزهاً نفسه ودعوته عن عبادة غير الله تعالى، قال المولى عز وجل: ( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوب ِ(116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) )
  • عباد الله:
هذه هي حقيقة ومنـزلة نبي الله ورسوله عيسى عليه السلام في الإسلام ولدى أمة الإسلام، وذلك هو الحق وما سواه هو الإفك والضلال الذي يشهد ببطلانه الشرائع والعقول والفطر. قال تعالى: (ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ). أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
  • الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.
  • أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ –عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
  • معاشر الموحدين:
هكذا كانت دعوات الأنبياء جميعاً، صادعة بتوحيد الله تعالى في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، منزهة لله جل جلاله عن كل ما وصفه به المشركون، قال تعالى: (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، ومن أعظم الفرى وأكبر الظلم وأشد الكفر نسبة الولد لله تعالى وتقدّس وتنزه، إذ ذلك غاية السب والتنقص لجلاله وعظمته وربوبيته ، فلا يكون غيره إلا مخلوقا له خاضعاً لجلاله وعظمته مكلفا بعبادته ، والله سبحانه مقدس منـزه عن اتخاذ الولد ؛ ولهذا قال وقوله الحق لمن نسب إليه الولد : (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)). وإن الذين يؤلهون عيسى عليه السلام، أو الذين يدَّعون بنوته لله تبارك وتعالى حاشاه عز وجل، أو يقولون إن الله ثالث ثلاثة، كالنصارى أولئك هم الكفار الضلال الفجار الذين يجب نحن - أمة التوحيد - أن نبرأ منهم، ومن قولهم.