الحذر من خطر الخوارج شر الخلق والخليقة
- خطبة بعنوان: الحذر من خطر الخوارج شر الخلق والخليقة.
- ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى.
- المكان: خطبة في يوم 21 رجب 1445هـ في مسجد السعيدي بالجهرا.
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( [آل عمران:102].
- أَمَّا بَعْدُ: فيا عباد الله:
كم حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم وكم حذرنا صحابته رضي الله عنهم وكم حذرنا سلف الأمة وعلماؤها من فرقة خطيرة ضالة، نشأت في العصور القديمة ولا زالت تخرج حتى يخرج أتباعهم مع الدجال يدافعون عنه ضد الإسلام وأهله، هم -عباد الله- الخوارج بأسمائهم المتعددة يغيرون جلودهم ولكن أقوالهم وأفكارهم واحدة، وصفهم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بجملة من الصفات هي فيهم متحققة وعلى أفكارهم منطبقة، قال صلى الله عليه وسلم:
«يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » [رواه البخاري ومسلم من حديث علي رضي الله عنه]، جمعوا في غالبهم بين سفاهة العقول وصغر الأسنان، يخدعون الناس بزخرف القول وادعاء الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويدعون أنهم يريدون الإصلاح وحكم الله، وهم من أبعاد الناس عن الكتاب والسنة، وليسوا من أهل الجهاد الصحيح المعتبر شرعا وجعلوا المنكر معروفا والمعروف منكرا باستحلال الدماء وقتل الأبرياء وتسليط الأعداء على دول الإسلام، لم يرضوا عن حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وولايته، ولم ينقادوا لصحابته بل قاتلوهم، وخرجوا على عثمان رضي الله عنه وقتلوه، وقتلوا عليا رضي الله عنه غدرا وخيانة بعد أن قتلهم شر قتله، ولا زالوا يسلطون سيوفهم وتكفيرهم على عموم السلمين، فلما لم يرضوا عن السلف الصالحين الأولين فكيف يرضون عنا وعن ولاة أمورنا!!، اسمع ما فعل رأسهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان يقسم الغنائم يوم حنين، أَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، نَاتِئُ الْجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اتَّقِ اللَّهَ. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: «فَمَنْ يُطِيعُ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُهُ فَيَأْمَنِّي عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وَلاَ تَأْمَنُونِي». فَسَأَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ قَتْلَهُ - أُرَاهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ - فَمَنَعَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ » [متفق عليه].كما وردت فيهم عباد الله كثير من الأحاديث، كما قال الإمام أحمد: (صح الحديث في الخوارج من عشرة أوجه). وذكر ابن كثير أكثر من ثلاثين حديثا وردت فيهم. وذلك لشدة خطورة مذهبهم وتنبيها للمسلمين من ضررهم وسوء منقلبهم، قال الإمام أحمد: (الخوارج قوم سوء لا أعلم في الأرض شراً منهم). وقال الإمام محمد بن الحسين الآجري: (لم يختلف العلماء قديماً وحديثاً أن الخوارج قوم سوء، عصاة لله –عز وجل- ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وإن صلّوا وصاموا، واجتهدوا في العبادة، فليس ذلك بنافع لهم، وإن أظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس ذلك بنافع لهم؛ لأنهم قوم يتأولون القرآن على ما يهوون، ويموّهون على المسلمين... والخوارج هم الشراة الأنجاس الأرجاس، ومن كان على مذهبهم من سائر الخوارج، يتوارثون هذا المذهب قديماً وحديثاً، ويخرجون على الأئمة والأمراء ويستحلون قتل المسلمين). أهـ.
ها نحن نسمع بين الحين والآخر عن التنظيمات التكفيرين والأحزاب الداعشية القاعدية والأفكار القطبية السرورية التي تسلط تكفيرها وسيوفها وبلاءها على ديار الإسلام بالتفجير فيها وقتل الأبرياء وتكفير المسلمين صغيرهم وكبيرهم، لا يرون مسلما إلا هم، كفروا الولاة وألحقوا بهم الرعية كلهم، بل أفتى بعضهم بقتل الأطفال في بطون أمهاتهم لأن الكافر لا يلد إلا كافرا، أفكار ممسوخة بتكفير المسلمين، ونظرة سوداوية لمجتمعاتهم حتى وصفوها بالجاهلية الجهلاء، بل أصبحوا يتقربون إلى الله بدماء المسلمين ممن يسمونهم بالمرتدين ويرون أن المسلم كلما كان أقرب لك رحما كان أجر قتله أعظم، لذا سمعنا من قتل والديه وقتل أخوته وابن عمه مما لا يخفى على من يتابع حالهم ويعرف أخبارهم.
فكر بهذه الخطورة يجب علينا التصدي له وبيان خطورته وتحذير أبنائنا وبناتنا من سلوك طريقهم والولوج في فكرهم، ولا تقل إنهم بعيدون عنا ولا يمكن لأبنائنا التأثر بهم، فهم يتسللون كالثعالب الخبيثة ويدخلون على أولادك ويغرسون الكراهية والتكفير في فكره وعقله عبر المواقع ووسائل التواصل بل حتى عبر الألعاب الإلكترونية، فتفاجؤ بعد ذلك بابنك جنديا من جنودهم في ساحات الفتن وبلدان الهلاك يقتل المسلمين ويفجر بنفسه وينتحر ويقنعونه أن ذلك شهادة وطريقا إلى الجنة ومهرا للحور العين، وحقيقة الأمر هو طريق من طرق الضلال والانحراف، دعاة على أبواب جهنم من أطاعهم قذفوه فيها.
ومن أهم أسباب وقاية أولادنا وشبابنا ومجتمعنا من خطورة هذا الفكر هو ربطهم بعلماء أهل السنة الراسخين، والأئمة الربانيين من شابت لحاهم في العلم والسنة، وعرفوا بسلامة المنهج والدين وأرشدوا الناس إلى الحق وحذروا من الباطل كالإمام ابن باز والألباني وابن عثيمين وغيرهم، فمنهم ومن إخوانهم نأخذ العلم والفتيا، واحذر كل الحذر من الأئمة المضلين ممن يتصدرون الإعلام والقنوات وهم من أبعد الناس عن العلم وحقيقته، أفتوا بالجهل والهوى، وأرشدوا الناس بما يخدم أحزابهم وأفكارهم التكفيرية، أظهروا خروجهم ومظاهراتهم بصورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح، وهم من أبعد الناس عنه، لا نرى منهم إلا الفتن والضياع ولا يثمرون إلا الشوك والبلاء، وللأسف انخدع بهم كثير من الناس وجَرَوْا خلفهم بدون تفكير ولا نكير، وقد عظمت الفتنة في هذا الزمان بهذا الصنف من الدعاة، الذين يخدعون الشباب ويرسلونهم إلى بلاد الفتن والدمار، ليلقوا فيها حتفهم وهلاكهم باسم الشهادة، وهم وأبناؤهم في قصورهم جالسون، بربك متى سمعت عن منظر من منظريهم ممن يدعو إلى الذهاب إلى تلك البلدان -دون إذن ولي الأمر ولا إذن الوالدين وخالف علماء السنة- أنه قاتل بنفسه أو فجر نفسه أو استشهد إنما ذلك للصغار الجهلاء المخدوعين الذين لا يميز بين الحق والباطل. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا، يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا » [متفق عليه]، فالزم أيها المسلم غرس العلماء وإياك والدعاة الجهلاء، ولايغرنك من يصف العلماء بأوصاف السوء بأنهم لا يفقهون الواقع أو يصفهم بأنهم علماء السلطان، فغرضه إبعادك عنهم ليملؤوا عقلك وفكرك بضلالهم، ويستغلوك لخدمة أحزابهم ووصولهم إلى مبتغاهم وكرسيهم. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
يجب على المسلم أن يعلم أن من أعظم أسباب الانحراف الانغماس في قراءة الكتب الفكرية التكفيرية التي تضج بها المكتبة، وتنضح بالتكفير لولاة الأمر وللمجتمعات المسلمة، من كتب أهل البدع والأهواء، وعليك بإدمان النظر بالكتاب والسنة وكتب أئمة السنة وعلماء الأمة، فبها السلامة وفيها الغنية عن غيرها من كتب الانحراف، قال ابن قدامة رحمه الله: «ومن السنة هجران أهل البدع ومباينتهم وترك الجدال والخصومات في الدين، وترك النظر في كتب المبتدعة، والإصغاء إلى كلامهم، وكل محدثة في الدين بدعة».
واعلموا أن أكثر ما يبغضه الخوارج ويكرهونه هو نشر أحاديث السمع والطاعة لولاة الأمر بالمعروف، فيحاربونها ويدعون إلى هجرها مع أنها شرع الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ووصايا رسوله صلى الله عليه وسلم، « اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِي كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ » [رواه البخاري]، ولما كانت هذه النصوص لا تخدم مذهبهم الدنيوي من الوصول إلى الكراسي والحكم حاربونها وهجروها وطعنوا فيمن يرويها أو يدرسها، فمن رأيته يتهم من يدعو إلى السمع والطاعة بالمعروف والبيعة لولاة الأمر فيتهمه بالذل والخنوع وأنه عبد للسلطان فاعلم أنه خارجي المذهب من أتباع ذي الخويصرة فاحذره غاية الحذر، ونحذر عامة الناس من سلوك منهجهم والسير على طريقهم، فهم لا يريدون لنا ولا لديارنا الأمن والأمان وخير دليل ما تراه من البلدان التي تسلطوا فيها فلا أمن ولا أمان ذهبت الأوطان والأعراض وقل الدين والإيمان، فلا تكن معينا لهم من حيث لا تشعر في ضياع بلادك وأهلك وأبنائك.