خطورة الذنوب والمعاصي
خطورة الذنوب والمعاصي
  | 2812   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: خطورة الذنوب والمعاصي.
  • ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة في يوم 5 ربيع الثاني 1445هـ في مسجد السعيدي بالجهرا.

 
  • الخطبة الأولى
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،  ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( [آل عمران:102].
  • أَمَّا بَعْدُ:
عباد الله اتقوا الله تعالى واعلموا أن الذنوب والمعاصي تضر في الحال وفي المآل، وإن ضررها في القلوب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها، وما في الدنيا والآخرة شرٌ وداءٌ إلا وسببه الذنوب والمعاصي، فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم، والبهجة والسرور إلى دار الآلام، والأحزان، والمصائب؟! وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء، وطرده، ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه؟!، وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى على الماء رؤوس الجبال؟!، وما الذي سلط الريح على قوم عادٍ حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخلٍ خاوية، ودمرت ما مرت عليه حتى صاروا عبرةً للأمم إلى يوم القيامة؟!، وما الذي أرسل على قوم ثمودٍ الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم، وماتوا عن آخرهم؟!، وما الذي رفع قرى قوم لوطٍ حتى سمعت الملائكة نِباح كلابهم ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها فأهلكهم جميعًا، وأرسل عليهم حجارةً من سجيل؟!، وما الذي أرسل على قوم شعيبٍ سحابة العذاب كالظلل لما صارت فوق رؤوسهم أمطرت عليهم نارًا تلظى؟!، وما الذي بعث على بني إسرائيل قومًا أولي بأسِ شديد فجاسوا خلال الديار، وقتلوا الرجال، وأحرقوا الديار، ونهبوا الأموال ثم بعثهم عليهم مرةً أخرى فأهلكوا ما قدروا عليه، وتبروا ما علوا تتبيرا؟!، وما الذي سلط عليهم أنواع العقوبات مرةً بالقتل والسبي، وخراب البلاد، ومرةً بـجور الملوك، ومرةً بمسخهم قردةً وخنازير، وآخر ذلك أقسم الرب -تبارك وتعالى- ليبعثن عليهم من يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة؟!، وما الذي أهلك أقوامًا كثيرة جاءت أخبار هلاكهم في القرآن الكريم، وفي سنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- ما ذلك عباد الله إلا بسبب كفرهم، وعصيانهم، وعنادهم، وتكبرهم عن طاعة الله وطاعة رسله الكرام، وترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فاعتبروا يا أولي الأبصار. يقول عز وجل: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَاَ﴾. المعاصي ما حلت في ديارٍ إلا أهلكتها، ولا في قلوبٍ إلا أعمتها، ولا في أجسادٍ إلا عذبتها، ولا في أمةٍ إلا أذلتها، فهي سببٌ لهوان العبد على الله، ﴿وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ﴾. المعاصي تُزيل النعم، وتُحل النقم، فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنبٍ، ولا حلت به نقمةٌ ومصيبة إلا بذنبٍ، ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ﴾، واللهُ لا يُغير نعمةً أنعم بها على أحدٍ حتى يكون هو الذي يُغيِّر ما بنفسه، فيُغير طاعة الله بمعصيته، وشكرَه بكفره، وأسبابَ رضاه بأسباب سخطه، فإذا غَيَّر غُيّر عليه جزاءً وِفاقًا ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾. ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾. المعاصي تُورث الضيق في الحياة، والقلق في المعيشة، والاضطراب في الأذهان، كثيرٌ من الناس يشتكي ضيق الصدر أو يشتكي الوسواس أو الأمراض النفسية ثم يطلب القُراء والرُّقاة، فإذا سألته عن عبادته وجدته لا يعرف المسجد، ولا المحافظة على الصلوات، ولا الدعاء، ولا الالتجاء إلى الله عز وجل. إن أمراضك، وضيقتك إنما هي بسبب بُعدك عن الله -عز وجل-، إنما هي بسبب الذنوب والمعاصي فتُب إلى الله -عز وجل- منها تجد الراحة والطمأنينة ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾. صاحب المعاصي عباد الله ذليلٌ حقيرٌ محروم. قال ابن عباسٍ -رضي الله عنهما-: ''إن للسيئة سوادًا في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبغضةً في قلوب الخلق إذا تساهل واستمر ولم يرجع انتكس، وارتكس ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾. بالذنوب والمعاصي يُمنع المطر، ويُحرم الناس من الغيث، وتزداد الأسعار، وتقل المُؤن، وتكثر القلاقل، وتعم الفتن، وتنتشر الأمراض الفتّاكة. عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يا معشر المهاجرين خصالٌ خمس إذا ابتُليتم بهن، وأعوذ بالله أن تُدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قومٍ قط حتى يُعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين، وشدة المُؤنة، وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد الله، وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوًا من غيرهم فأَخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله -عز وجل-، ويتخيَّروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم» رواه ابن ماجه وصححه الألباني. المعاصي عباد الله من الأسباب الكبيرة لسقوط الدول، وذهاب الأمن، وتسلط العدو، ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾. وأقبح من ذلك عباد الله المجاهرة بالمعاصي، وإعلانها، والاستهتار بها، وبعقوبتها، فهذا طغيانٌ عظيم، وهم متوعدون بعدم المغفرة من الله -عز وجل-. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « كلُّ أُمَّتِي مُعَافَاةٌ إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الإِجْهَارِ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ، ثُمَّ يُصْبِحُ قَدْ سَتَرَهُ رَبُّهُ، فَيَقُولُ: يَا فُلاَنُ! قَدْ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ فَيَبِيتُ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ» متفقٌ عليه. فاحذروا عباد الله الذنوب والمعاصي، وراجعوا ربكم، وتوبوا إليه فهو الذي يغفر الذنوب جميعا ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر:53]. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
  • الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
  • أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
  • عِبَادَ اللهِ:
إن ما نرى مما يحصل بالمسلمين إنما سببه هو الابتعاد عن الله، وعن دينه، وعن التمسك بسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن من ترك الدين يُسلط الله عليه ذُلًا لا ينزعه عنه حتى يرجع إلى دينه. إن النصر الحقيقي لا يكون إلا بنصر الله، ونصرُ الله: هو طاعته، واتباع أوامره، واجتناب نواهيه، وما يُغضبه ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾. كيف يريد المسلمون النصر وهم بعيدون عن ربهم؟ كيف يريدون النصر وهم في المعاصي والآثام غارقون؟ كيف يريدون العزة وهم يطلبونها من غير الله ومن غير الطريقة التي أمرهم بها ربهم؟ كيف يريدون العزة ويقلدون الكفار من اليهود والنصارى ويحبونهم ويتشبهون بهم، فالعزة والتمكين عباد الله لا تكون إلا بالتمسك بالدين ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾. والعزة لا تكون إلا لمن أطاع الله ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾.