حقوق العمال
حقوق العمال
  | 4637   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: حقوق العمال
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 7 ربيع الثاني 1435هـ

 

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعين ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد.. فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد: عباد الله فإن الله تعالى فاوت بين الناس في ما أعطاهم من الأموال والأرزاق والعقول والفهوم، وغير ذلك من القوى الظاهرة والباطنة لحكمةٍ بالغة أبان عنها سبحانه في قوله: ﴿ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾[الزخرف:32]، أي: ليسخر بعضهم بعضًا في الأعمال والحرف والصنائع، فلا يتساوى الناس في الغنى، ولم يحتج بعضهم إلى بعض لتعطلت كثيرٌ من مصالحهم ومنافعهم. وقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على العمل والكسب من عمل اليد، فقال -صلى الله عليه وسلم-: « مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ » رواه البخاري،  وإنما ضرب -صلى الله عليه وسلم- المثل بداود لأنه كان مع النبوة خليفة في الأرض شديد الملك، ومع ذلك فضل أن يأكل من عمل يده، فكان يصنع الدروع فيبيعها ويأكل من ثمنها. وثبت في صحيح مسلم أن زكريا كان نجارًا، وكان الأنبياء يرعون الأغنام فالكسب من عمل اليد عملٌ شريف ما دام العمل مباحًا، والسابق إليها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم أشرف الخلق وسادات بني آدم، ولما كان الناس لا غنى لهم عن العمال والأجراء كان لابد على من استأجر أجيرًا يعمل عنده سائقًا أو خادمًا أو مهنيًا، أو بناءًا، أو غير ذلك أن يعلم الحق الذي لهذا العامل، وأن يحرص على وفائه إياه كما يحرص صاحب العمل على أن يستوفي حقه من أجيره كاملًا.  فمن تلك الحقوق عباد الله: أن يستعمله فيما استأجره فيه، وأتفق معه عليه، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾[المائدة:1]، وكثيرٌ من الكفلاء يستقدمون العمال لمهنةٍ معينة فإذا وصلوا استعملوهم في غيرها قسرًا وقهرًا واستغلالًا لضعفهم وحاجاتهم. ومنها: توفيتهم أجرتهم كاملة، متى أدى الذي عليه فلا يجوز منعهم حقوقهم، بل ولا يجوز تأخيرها عنهم، وفي الحديث: « أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قبل أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ » رواه ابن ماجه وحسنه الألباني. ومن الكفلاء من يستقدم العمال، ثم يطلقهم يعملون ويشتغلون، ويأخذ منهم مبلغًا مقدرًا كل شهرٍ، أو كل عامٍ، أو يأخذ منهم مبلغًا كبيرًا لأجل دخولهم البلاد، وإعطائهم الإقامة، ثم يتركهم بعد ذلك، وهذا لا يجيزه الشرع، ولا يقره النظام، بل هو سبب في شرٍ عظيم وفساد مستطير. ومنها: إكرامهم في طعامهم ولباسهم ومسكنهم، وعدم تكليفهم عملًا فوق طاقتهم، قال أبو ذرٍ:"سَابَبْتُ رَجُلًا، فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ»، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ إِخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ»" متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « للمملوكِ طعامُهُ وكُسْوَتُهُ ولَا يُكَلَّفُ مِنَ العمَلِ ما لا يُطيق » رواه مسلم. وفي حكم المملوك خدم البيوت والأجراء، بل يبلغ الأمر في الإسلام إلى الحث على دعوة الخادم ليأكل معك، عن أبي هريرة رضي الله عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه فليجلسه فإن لم يقبل فليناوله منه »" رواه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني. ومن الحقوق التي له عليك: أن تحسن في تعليمه ما يجهله من أمر دينه، فإن العمل مظنة الانشغال عن التفقه في الدين، ولاسيما من جاء من باديةٍ، أو بلاد بعيدةٍ عن العلم ونور الوحي، فعلمه التوحيد والطهارة والصلاة، وغير ذلك من الشرائع التي يحتاجها إن كنت تحسن لغته فكلمه، أو عن طريق الكتب والأشرطة المعتمدة التي تتكلم بلغته، وإن كان العامل كافرًا فرغبه في الإسلام بخلقك أولًا، ثم بدعوته وشرح محاسن الإسلام له لعل الله أن يهديه على يديك، فيكون لك مثل أجره « لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ من حُمْرُ النَّعَمِ» بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن أتبع هداه أما بعد، عباد الله فمن من أعظم القضايا التي يلزم الحذر منها مع العمال والأجراء هي: ظلمهم والجور عليهم، نظرًا لضعفهم وغربتهم وحاجتهم، فإن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة. عن أبي مسعودٍ رضي الله عنه قال: "كنت أضرب غلامًا لي، فسمعت من خلفي صوتًا «اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، أَنَّ اللهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ» فالتفت فإذا هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قلت: يا رسول الله فهو حرٌ لوجه الله" فقال: «أوما لم تفعل لمستك النار» أو قال: «للفحتك النار» رواه مسلم. وإذا كنت تظن هذا العام ضعيفًا، فما ظنك بمن يكون خصمك عنه يوم القيامة وهو الله تعالى، ففي الحديث القدسي يقول الله -عز وجل-: « ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوفِهِ أَجْرَهُ » رواه البخاري. عباد الله هنيئا لمن أتقى الله وعدل، مع من ولي أمره، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يبشرهم فيقول: « إنَّ المُقْسِطِينَ عند الله على مَنَابِرَ من نُورٍ عن يَمينِ الرَّحْمنِ - وكلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وأَهْلِيهمْ وَمَا وَلُوا» رواه مسلم. عباد الله إنه متى ما قصر العامل أو الأجير فلصاحب العمل أن يطلب حقه ولكن بلا حيف ولا ظلم ومجاوزة حدٍ، ومتى اختلفوا ولم يصطلحوا فعليهم التحاكم إلى شرع الله، فإنه العدل الذي لا ظلم فيه، وعلى العامل أن يتقي الله، وأن يؤدي الذي عليه، وأن يراقب الله قبل أن يراقب صاحب العمل، فإنك أيها العامل إن كنت تقدر على خداعه وغشه فإنك لا تقدر على أن تخادع الله ولا أن تغشه، فإنه سبحانه يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور. اللهم إنا نسألك الثبات على الدين، اللهم إنا نسألك العدل، ونعوذ بك من الجور والظلم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وصلى الله وسلم على نبينا محمد.