نعمة الأمن والإستقرار
نعمة الأمن والإستقرار
  | , 7359   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: نعمة الأمن والإستقرار.
  • ألقاها : الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء - 25 شوال 1432.

العنوان: نعمة الأمن والإستقرار. (الخطبة الأولى) إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله, وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار, أما بعد: عباد الله؛ ففي خضم الفتن التي عصفت في بعض البلاد ولازالت، وأورثت أهلها الفرقة والاختلاف والتنازع وسفك الدماء، تكون الأمة أحوج ما تكون إلى الرجوع إلى كتاب ربها، وسنة نبيها -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ومنهاج سلفها الصالح، إذ في الكتاب والسنة العصمة من كل فتنة، والسلامة من كل هلكة. فنحن –بحمد الله- نعيش بنعمة الأمن والاستقرار والاجتماع، في الوقت الذي حرمت منه هذه النعمة بعض البلاد، فصار بأسهم بينهم نزاعًا وشقاقًا وفرقةً واختلافًا ونهبًا وقتلاً وإجرامًا. إننا نعيش في نعمة عظيمة تستوجب علينا ان نحافظ عليها؛ لأننا إن كفرنا بها سلبت منا، ثم لا تعود إلينا. ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾[إبراهيم:7]. ومن أهم أسباب هذا الأمن والاجتماع، هو وفاؤنا لولي أمرنا بالسمع والطاعة له في المعروف، والبعد عن كل ما يسبب الفتنة، وشنق العصا ومفارقة الجماعات، وهذا واجبٌ دينيٌ أكيد أمر الله به في كتابه فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾[النساء:59]. وأمر به النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مئات الأحاديث، ومنها ما جاء في حديث عبادة قال -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: «بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا ، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا ، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ»، وأثرة أي: وإن استأثروا بالحقوق واخذوا الأموال فإنه لا يجوز الخروج عليهم. فمتى استقامت الرعية لولي أمرها بالسمع والطاعة؛ نعمت بنعمة الأمن والاستقرار، ومتى ما تسللت إليها دعوات الفتنة؛ دب إليها الضعف واشتعل فيها الفتن، فتهدمت بنيانها، وتصدعت أركانها، وتقطعت أوصالها، وذهبت سعادتها. عباد الله..تأملوا ما أنتم فيه من نعمة الأمن والاستقرار، وتأملوا حال البلاد التي سُلبت من هذه النعمة، كيف يعيش أهلها؟!. تأملوا ماذا استفادت من تمردها وخروجها؟ لقد كانوا يشتكون ظلمًا وأثرة ونقصًا في أمور دينهم ودنياهم، ولكنهم الآن يتمنون العودة إلى استقرار الأوضاع واجتماع الكلمات، وقد نص عددٌ من أئمة الإسلام -قديمًا وحديثًا- إن فتنة الخروج على الحكام، لا تخلف إلا حسرة وندامة، أفلا يتعظ ويعتبر دعاة الفرقة والفتنة؟ أفلا يتعظون بالدمار والخراب؟!. عباد الله.. إن من أعظم أسباب الأمن والاستقرار هو معرفة الطريقة الشرعية في مناصحة الحاكم، وذلك أن الحاكم هو من أفراد البشر، وآحادهم يخطئ ويظلم، ويهضم ويذل، والشرع لا يقر خطأ الحاكم، بل هو محاسبٌ أمام الله عن ظلمه ومعصيته كغيره من المكلفين، كذلك الشرع الحنيف لا يقول للناس: دعوا ولي أمركم، فلا تأمروه بمعروف، ولا تنهوه عن منكر، بل الشرع ينصح بمناصحته، ويؤكد عليها؛ لأن صلاح الراعي صلاحٌ للرعية، وفساد الراعي فسادٌ للرعية، ولكنه يأمر بأن تكون نصيحته بطريقةٍ لا تسبب فتنة وفسادًا واختلافًا، ولا تسبب إسقاط هيبته ومنزلته، ولا تسبب ضعفه وفت عضده، ألا وهي الطريقة السرية كما قال انصح الناس نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «من كانت عنده نصيحة لذي سلطان فليأخذ بيده، بأن يخل به فلا يكلمه بها علانية، فإن قبلها قبلها، وإن ردها لقد أدى الذي عليه». أما المناصحة ومحاولة الإصلاح، بالمظاهرات والمسيرات والاعتصامات والإضرابات، فليست من الدين في شيء، وليست من النصيحة في شيء. فعلى المسلمين أن يحذروا هذه المناهج لما يترتب عليها من الإثم، ولما يترتب عليها من المواجهة وسفك الدماء وتدمير الممتلكات، ولما يترتب عليها من تهيئة الجو لقوى الشر والفساد الخارجية لمحاولة التدخل والتأثير وفرض التغيير، فنندم بعد ذلك على ما فرطنا، وعلى ما فتحنا من أبواب الشر والفتن، لا نصغي بآذاننا إلى دعاة الفتن والابتداع الذين يجتهدون في نشر الفوضى والنزاع لمآرب سياسية وأغراض دنيوية ويزعمون أنهم للمنكر ناهون وللمعروف آمرون، يقول النحاس -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: فإذا كان المنكر من السلطان فليس لأحد منعه بالقهر باليد، ولا أن يشهر عليه سلاحًا، أو يجمع عليه أعوانا؛ لأن ذلك تحريكٌ للفتن، وتهييجٌ للشر، وإذهاب من هيبة السلطان من قلوب الرعية، ربما أدى إلى تهييجهم للخروج عليه، وتخريب البلاد، وغير ذلك مما لا يخفى. فأين هؤلاء من حديث أبي هريرة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن رسول الله  -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية». وعن ابن عباس -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قال: قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «من كره من أميره شيئًا فليصبر عليه فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبرًا فمات عليه، إلا مات ميتة جاهلية» وعن أبي عبيد -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ثَلاثَةٌ لا تَسْأَلْ عَنْهُمْ –ومنهم- رَجُلٌ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ وَعَصَى إِمَامَهُ وَمَاتَ عَاصِيًا». وعن ابن عمر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قال: قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «من نزع يدًا من طاعة لم يكن له يوم القيامة حجة». وعن أنس -رضي الله عنه- قال: نهانا كبراءنا –من أصحاب محمد "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"- قالوا: لا تسبوا أمراءكم، ولا تغشوهم، ولا تغضبوهم، واتقوا الله، واصبروا؛ فإن الأمر قريب. من هذا يتبين -عباد الله- أن الخروج على طاعة ولي الأمر، والاحتجاج عليه معصية لله، ومشاقة لله ولرسوله، ومخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة يقول أحد الأئمة: إذا رأيت الرجل يدعو على السلطان، فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا سمعت الرجل يدعوا للسلطان بالصلاح، فاعلم أنه صاحب سُنة -إن شاء الله-. فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنكم محسودون في هذه البلاد في نعمة الأمن والإيمان، واحذروا -رحمكم الله- من دعوات المغرضين، ومن شعارات الحزبين. أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم. ( الخطبة الثانية ) الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه ثم أما بعد: عباد الله.. لما كان للاستقرار والأمن، هذه الأهمية البالغة في صلاح أحوال الناس، واستقامة دينهم ودنياهم، جاءت الشريعة الربانية تدعو إلى كل ما يؤدي إلى الاستقرار وتُرغب فيه، وكان هذا أصلًا متينا دل عليه القرآن والسنة في تشريعات متنوعة، فمن تشريعات الإسلام لإدامة الاستقرار الأمر لاجتماع الكلمة، والنهي عن الاختلاف والفرقة؛ لأن الاختلاف ربما أدى إلى الفتنة والقتال فيزول الاستقرار. ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾[آل عمران:103]. ومن تشريعات الإسلام مجانبة الفتن وأهلها، والحذر من مسالبها كما قال النبي  -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : » إن السعيد لمن جنب الفت ، ولمن ابتلي فصبر» إن من تشريعات الإسلام لإدامة الاستقرار الأمر بلزوم الجماعة، والنهي عن شق عصا الطاعة فإن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما أخبر عن زمن استحكام الفتن، وكثرة الدعاة إلى جهنم، سأله حذيفة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عما يفعل إن أدركه ذلك فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» وأمر -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالصبر على الظلم والأثرة، ومدافعة المنكرات بالنصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إنكم سترون بعدي أثرة، وأمور تنكرونها قالوا: فما تأمرونا يا رسول الله؟ قال: أدوا إليهم حقهم واسألوا الله الذي لكم». عباد الله.. إنه حفاظًا على الاستقرار الذي ننعم في هذه البلاد، وشكرًا لله على هذه النعمة،  يجب علينا التواصي بتغليب المصلحة العامة للبلاد على المصالح الشخصية، وحث الجميع على بذل مزيد من العمل والجهد، وعدم الانصياع إلى الدعوات التي قد تكون سببًا في النيل من استقرارنا، أو من النعم التي ننعم بها. ولا شك أن في ذلك تجنيب البلاد فتنًا عصفت بكثير من البلاد، التي استسلمت لمثل تلك الظواهر، التي أُخذت من الغرب الكافر، وفيها أيضًا تفويت الفرصة على المغرضين أو الحاقدين الذين يبثون سموم الفرقة والخلاف بين فئات المجتمع ليشتتوا جهودنا، ويكسروا شوكتنا، ويفرقوا صفوفنا. إن الاجتماع على قلب رجل واحد في الأزمات، والوقوف خلف العلماء والمصلحين الكبار، ضرورة شرعية، لاسيما عندما تتدفق الريبة، وعدم الاطمئنان إلى بعض القلوب. وعلى الجميع الاتصال الوثيق بالله - تَعَالَى- ؛ للعصمة من الفتن، والاستعانة به - تَعَالَى-، والاستماع لصوت الشرع، والوقوف على الغيورين على البلد في خندق واحد؛ لصد أي محاولة لزعزعة امن البلاد واستقرارها. حما الله -تَعَالَى- بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، وأدام علينا وعلى المسلمين الأمن والاستقرار، والعزة والازدهار, انه سميع مجيب. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم أحفظ إخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم عليك بعدوك وعدوهم يا رب العالمين، اللهم اجعل لهم فرجًا مما هم فيه، اللهم إنا نسألك الأمن والأمان في الأوطان. ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين وصلى الله وسلم على نبينا محمد.