الصحابي عبدالله بن مسعود
الصحابي عبدالله بن مسعود
  | , 1870   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: وقفة تأمل / الصحابي عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه.
  • القاها: الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • لقاء: في إذاعة القرآن الكريم بدولة الكويت في ذي الحجة عام 1436هـ.

 
  • بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد:
  •  ولنا في هذه الوقفة: وقفة تأمل مع حياة صحابيّ جليل وهو ابن مسعود رضي الله تعالى عنه فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خير هذه الأمة وأزكاها قلوبا وأعمقها علما وأحسنها اتباعاً واقتداءً بنبيّها عليه الصلاة والسلام وإن ميزان الاستقامة الصحيحة هو استقامتهم و عقيدتهم وهديهم فمن أحسن اتّباعهم كان من المهتدين ومن تنكّبَ عن طريقهم كان من الضالّين يقول الله سبحانه وتعالى: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا) [سورة لابقرة 137]. ويقول الله عز وجل: (وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلْأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَٰجِرِينَ وَٱلْأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَٰنٍۢ رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ) [سورة التوبة 100]، وإذا ذُكر علماء الصحابة وفقهاؤهم كان عبد الله بن مسعود في مقدمتهم فإنه من السابقين الأوّلين ومن العلماء الراسخين ومن المجاهدين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيفه ونفسه ومن المجاهدين بفقهه وعلمه.
  • مرّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وهو غلام صغير يرعى غنما لأحد كفّار قريش فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلّم: "هل من لبن؟ قال: نعم ولكنّي مؤتمن، فقال هل من شاة لم ينزُ عليها الفحل؟ قال: فأتيته بشاة فمسح ضرعها ودعا فنزل لبن فحلب في إناء فشرب وسقى أبا بكر ثم قال للضرع: اقلُص، فقَلُص فأتاه بعد ذلك فطلبه أن يعلّمه من هذا القول الذي جاء به فمسح رأسه وقال: يرحمك الله إنك غُلَيِّم مُعَلَّم" وصدق نبينا صلى الله عليه وسلم فكان ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أحد كبار علماء هذه الأمة، وكان من ألصق الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أكثرهم دخولا عليه في داره حتى كان الغريب يقدُم المدينة فلا يظنه إلا من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، شارك في غزوات النبي عليه الصلاة والسلام على نحول جسده وقِصر قامته وكان معه يوم بدر فمرّ بأبي جهل جريحا فحزّ رقبته وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبشّره بقتله ففرح بذلك فرحا عظيما، ومرّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو في المسجد يقرأ القرآن بصوته العذب وتلاوته المتقنة فأخذ يستمع إليه واقفا هو وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما فلما فرغ من قراءته ركع وسجد ثم أخذ يدعو ويستغفر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سل تُعطه ثم قال : من سرّه أن يقرأ القرآن رطبا كما أُنزل فليقرأه قراءة بن أم عبدٍ أي بن مسعود رضي الله تعالى عنه، فلما طلع الصبح انطلق عمر يبشّره فوجد أبابكر قد سبقه بالبشارة فقال عمر رضي الله تعالى عنه: والله ما سابقت أبابكر إلى خيرٍ قط إلاّ سبقني إليه" رضي الله عنهم أجمعين.
  • وكانت طريقته وطريقة الصحابة في تعلّم القرآن هي أحسن الطرق وأعظمها نفعا وأبعد ما تكون عن أسباب الفتن والانحراف الفكري فكانوا إذا حفظوا عشر آيات لم يحفظوا العشر التي تليها حتى يتعلّموا ما فيها من العلم والعمل فجمع الله لهم بين حفظ آياته وفقه معانيه بخلاف من يحفظ القرآن على جهل فربما غلط في فهمه فضلّ وأضلّ كما حصل لمن بعدهم. ولما ولّي عمر الخلافة أرسلهُ إلى أهل الكوفة معلّما ومُفقِهاً ومفتيا وأخبرهم بأنه آثرهم به على نفسه وإلا فكان يرغب أن يستبقيه عنده في المدينة ليكون عونا لعمر بعمله ورأيه ومشورته وقد نفع الله به أهل الكوفة فكم علّم من جاهل وذكّر من غافل وأطفأ من بدعة وجدّ واجتهد فيما أوكل إليه حتى خرّج للأمة كوكبة من كبار علماء التابعين وعبّادهم وصالحيهم، كان بن مسعود رضي الله تعالى عنه من أقوم الناس بشأن التوحيد واتباع السنة والزجر عن البدعة دخل على زوجته وفي عنقها خيط فسألها عنه فقالت: خيط رُقي لي فيه فأخذه فقطعه وقال: إن آل عبد الله لأغنياء عن الشرك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الرُقى والتمائم والتِّولة شرك" ثم أرشدها أن تقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أذهب البأس واشفي أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما". وسمع الناس مناديا ينادي بعدما ناموا: من صلى في الجامع الأعظم دخل الجنة فقام الناس رجالا ونساء إلى المسجد الكبير يصلون فقيل لابن مسعود أدرك الناس وقصّوا عليه ما جرى فخرج إليهم يناديهم ويشير بثوبه أخرجوا لا تُعذَّبوا فإنما هي نفخة من الشيطان لأنه لم ينزل بعد نبيكم كتاب ولا ينزل بعده فخرجوا" هذا من نهيه عن البدع والإحداث في دين الله ما لم يشرعه الله سبحانه وتعالى.
  • وبلغه أن جماعة تحلّقوا حِلقا في المسجد على كل حلقةٍ رجل يقول: سبحّوا مئة، كبّروا مئة فخرج إليهم وزجرهم وبيّن لهم أنهم بين أحد أمرين إما أنهم أعمق علما من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وإما أنهم أتوا ببدعة وضلالة وأغلظ عليهم.
  • لأن النتائج للابتداع في دين الله عز وجل تكون وخيمة أليمة فعامة أولئك المبتدعة في طريقة الذكر هم الذين ابتدعوا بعد ذلك فتنة تكفير الصحابة وقتالهم في زمن عليّ رضي الله تعالى عنه وهكذا البدع يجرّ بعضها بعضا أسأل الله لنا ولكم السلامة والمعافاة.
  • حفظت لنا كتب السنة جملة طيبة من غرر كلام ابن مسعود وتوجيهاته ونصائحه والتي كانت تخرج عن علم راسخ وفهم ثاقب وقلب مشفق وإليكم أيها المستمعون والمستمعات نماذج منها: سئل أبو موسى عن رجل ضرب بسيفه في سبيل الله حتى قُتل أهو في الجنة؟ فقال: أبو موسى: نعم، فأنكر عليه ابن مسعود إطلاق الجواب على سنة ضرب أم على بدعة ـ يعني إن كان جهاده موافقا للسنة فهو في سبيل الله وإن كان القتال على بدعة كما يفعله الخوارج في العصور الماضية وفي عصرنا هذا فهذا ليس في سبيل الله والمقتول فيه إلى النار والعياذ بالله.
وكان يقول رحمه الله تعالى كلمته المشهورة "اتبعوا آثارنا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم" وصدق رضي الله تعالى عنه فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا على الصراط المستقيم والمنهج القويم فمن اتبعهم استقام ومن ابتدع شيئا في الدين لم يفعلوه ضلّ وانحرف.
  • وكان يقول رضي الله تعالى عنه:" عليكم بالعلم قبل أن يُقبض وقبضه ذهاب أهله عليكم بالعلم فإن أحدكم لا يدري متى يفتقر إليه أو يُفتقر إلى ما عنده وستجدون أقواما يزعمون أنهم يدعون إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم عليكم بالعلم وإياكم والتبدّع والتنطّع والتعمّق وعليكم بالعتيق" فبيّن رضي الله تعالى عنه أن العلامة الفارقة بين الحق والباطل هو موافقة الأمر للعلم الموروث في الكتاب والسنة وطريقة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن وزن الأمور بهذا الميزان أصاب الحق واهتدى بإذن الله.
  • ومن غرر وصاياه رضي الله تعالى عنه أنه كان يقول:" إنها ستكون أمور مشتبهة فعليكم بالتؤدة فإن يكن الرجل تابعا بالخير خير من أن يكون رأسا في الشر" إننا أحوج ما نكون إلى هذه الوصية في هذه الزمن زمن الفتن التي تطيش لها الأحلام وتحار فيها العقول إنها الوصية بالتؤدة والأناة والتروّي لأن الاستعجال كله في الشرع وفي غيره من أسباب الفتن ومن أسباب الضلال فاتبعوا عباد الله كتاب ربكم وسنة نبيكم على فهم وعمل سلفكم الصالح من الصحابة والتابعين لهم. اللهم اجعلنا من المتبعين ولا تجعلنا من المبتدعين.