كلام الله لأهل الجنة
كلام الله لأهل الجنة
  | , 5599   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: كلام الله لأهل الجنة .
  • ألقاها : الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء - 28 محرم 1433.

خطبة بعنوان ( كلام الله لأهل الجنة ) الخطبة الأولى: إن الحمد لله نحمد ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد: فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد –صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أما بعد: عباد الله فإن من صفات الكمال والجلال والجمال التي وصف الله بها نفسه، ووصفه بها نبيه –صلى الله عليه وسلم- صفة الكلام على الوجه الذي يليق بجلاله وكماله، وسأذكر من كلام الله تعالى تكليمه لأهل الجنة، أو لبعضهم لنتذكر ولنستحضر شيءً من ذلك النعيم لعله يكون مشوقًا لدار السعادة والسرور، فننشط للعمل لها بصالح الأقوال والأعمال، فإن نعيم الجنة لا حصر له، ومن أجل نعيمهم أن يكلمهم ربهم وخالقهم ومولاهم ويكلمنا، فمن تكريم الله لأهل الجنة كلهم ما ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك وسعديك والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم، فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعطي أحدًا من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك، فيقولون: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك، فيقول: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدًا». وفي حديث آخر أن أهل الجنة بينما هم في نعيمهم وأنسهم ولذتهم وإذا بربهم يتفضل عليهم بنعيم لا أجل منه ولا أكبر منه، ففي صحيح مسلم عن صهيب عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله –تبارك وتعالى-: تريدون شيءً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار، قال: فيكشف الحجاب –أي عن وجهه الكريم- فما أعطوا شيءً أحب إليهم من النظر إلى ربهم –عز وجل-» هذا أعظم نعيم يعطيه الله أهل الجنة أن يكشف لهم الحجاب عن وجهه الكريم، فيرونه بأبصارهم، فيتلذذون برؤيته لذة لا مثل لها، هذا ربهم الذي آمنوا به ولم يروه، وعبدوه ولم يروه، وأحبوه ولم يرو، وخافوا منه ولم يروه، وذلك معنى قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾[القيامة23:22]، ومعنى قوله: ﴿عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ﴾[المطففين:23]، ومعنى الزيادة في قوله: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾[يونس:26]. ومن حديث الله لأهل الجنة وكلامه معهم ما ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، يقول الله: من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه فيخرجون قد امتحشوا وعادوا حممًا، فيلقون في نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، أو قال: في حمية السيل» قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «ألم تروا أنها تنبت صفراء متلوية». نعم يا عباد الله هذه رحمة ربكم، وهذه رأفته بأهل التوحيد من عباده، ينادي أهل الجنة فيأمرهم أن يخرجوا إخوانهم الموحدين من نار جهنم، وهم الذين لقوا الله بالتوحيد، لكن ارتكبوا في الدنيا من الجرائم والآثام والقبائح ما استحقوا به الوعيد والعذاب الشديد، فيأذن الله لأهل الجنة الذين سبقوا إليها بالشفاعة لهم ولإخوانهم، وإخراجهم من النار، ولو شاء الله لأخرجهم بلا شفاعة، لكن كي يدخل السرور على قلوبهم، ويظهر فضلهم إذ شفعوا في إخوانهم فيخرجونهم من النار بعدما صاروا فحما محترقين قد أكلت النار كل شيء، قد أكلت النار كل شيء إلا مواضع السجود منهم، فإذا أخرجوهم ألقاهم الله في نهر الحياة فينبتون نباتًا جديدًا، فإذا تم نباتهم أدخلهم الله الجنة، ونعمهم فيها النعيم المقيم. ومن كلام الله تعالى مع أفراد من أهل الحنة ما ورد في الصحيحين واللفظ لمسلم عن ابن مسعود –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: «آخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشي مرة، ويكبوا مرة وتسفعه النار مرة، فإذا ما جاوزها التفت إليها فقال: تبارك الذي نجاني منك، لقد أعطاني الله شيءً ما أعطاه أحدًا من الأولين والآخرين، فترفع له شجرة، فيقول: أي رب، أدنني من هذه الشجرة لأستظل بظلها وأشرب من مائها، فيقول الله –عز وجل-: يا ابن آدم لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها، فيقول: لا يا رب ويعاهده ألا يسأله غيرها، وربه يعذره، لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى، فيقول: أي رب، أدنني من هذه لأشرب من مائها وأستظل بظلها لا أسألك غيرها، فيقول: يا ابن آدم ألم تعاهدني ألا تسألني غيرها، فيقول: لعلي إن أدنيتك منها تسألني غيرها فيعاهده ألا يسأله غيرها وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها فيستظل بظلها ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين فيقول: أي ربي أدنني من هذه لأستظل بظلها، وأشرب من مائها لا أسألك غيرها، فيقول: يا ابن آدم ألم تعاهدني ألا تسألني غيرها، قال: بلى يا رب هذه لا أسألك غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها، فإذا أدناه منها فيسمع أصوات أهل الجنة، فيسمع أصوات أهل الجنة فيقول: أي ربي أدخلنيها فيقول: يا ابن آدم ما يسريني منك –أي ما الذي يقطع ويمنع سؤالك-  أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها، قال: يا رب أتستهزئ مني وأنت رب العالمين، فضحك ابن مسعود، فقال: ألا تسألوني مما أضحك؟ فقالوا: مما تضحك؟ قال: هكذا ضحك رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: مما تضحك يا رسول الله؟ قال: من ضحك رب العالمين حين قال: أتستهزئ مني وأنت رب العالمين، فيقول: إني لا أستهزئ منك ولكني على ما أشاء قادر، فهذا آخر أهل الجنة دخولًا لها يدخلها بعد أن يستقر أهل الجنة فيها ومع ذلك يعطيه الله مثل الدنيا» وفي رواية «مثل الدنيا عشر مرات، وصدق الله إذا قال عن الجنة: عرضها السماوات والأرض» وإذا كان أقل أهل الجنة له مثل الدنيا منذ خلقها الله إلى أن يفنيها عشر مرات فما ظنكم بنعيم أعلى أهل الجنة درجة، وما ظنكم بأهل الفردوس الأعلى، وما ظنكم بنعيم الصديقين والشهداء والصالحين، أسأل الله لنا ولكم من فضله، بارك الله لي ولكم بالقرآن، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد: عباد الله ومن الحديث بين الله وبين واحد من أهل الجنة حديثه سبحانه مع رجل كان يحب الزراعة في الدنيا فيشتاق إليها في الجنة، فيستأذن ربه في الزراعة فماذا يكون خبره؟ عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يتحدث عنده رجل من أهل البادية أن رجلًا استأذن ربه في الزرع، فقال: «ألست فيما شئت؟ يقول: بلى ولكن أحب ذلك، فيؤذن له فيبذر، فيبادر الطرف نباته واستحصاده وتكويره أمثال الجبار، فيقول الرب سبحانه: دونك يا ابن آدم فإنه لا يشبعك شيء، فقال الأعرابي: إنك لن تجده إلا قرشي أو أنصاري فإنهم أصحاب زرع، فأما نحن فلسنا بأصحاب زرع فضحك رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه» أخرجه البخاري؛ أي أن الله يقول له بعدما يستأذنه في الزراعة: ألست تنال كل ما تشتهي فقال: بلى ولكن أحب الزرع، فيؤذن له فما إن يضع البذور في التربة حتى ينبت النبات، وينضج ويحصد ويكرُّ ويُكوم أكوامًا كالجبال كل ذلك في طرفة عين؛ لأنها دار الراحة والهناء والسعادة. ومن تكليم الله لبعض أهل الجنة ما ثبت عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: «يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيرًا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسًا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا ربي ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط» رواه مسلم. فأي نعيم هذا في الجنة الذي ينسى به صاحبه كل بلاء وكربة وكل مرض وخوف كان تجرع مرارته في الدنيا، أيامًا طويلة بصبغة واحدة وغمسة واحدة في الجنة. فيا عباد الله تزودوا لآخرتكم بالإيمان الصادق والعمل الصالح، ولزوم السنة ومجانبة الفتن والبدعة وجددوا التوبة والندامة والاستغفار. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وأنصرنا على القوم الكافرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم أرحنا، اللهم أرحنا، اللهم أرحنا، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.