خطورة الإحداث في الدين والتحذير من المحدثات في شهر رجب
خطورة الإحداث في الدين والتحذير من المحدثات في شهر رجب
  | 4004   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: خطورة الإحداث في الدين والتحذير من المحدثات في شهر رجب
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 2 رجب 1435هـ ونقلت مباشرا على إذاعة موقع ميراث الأنبياء
 
  • الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد.. فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالة في النار أما بعد.. عباد الله، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن البدع والمحدثات في الدين أصل كل بلاءٍ وفتنة، وأن الشيطان يحرص كل الحرص على صد الناس عن الدين الصحيح فإن رأى منهم عدم رغبةً في الدين شجعهم على ذلك، وزين لهم المعاصي والشهوات، وفتح لهم أبواب الشبهات. وإن رأى منهم محبةً للدين أدخل عليهم من البدع والزيادات ما يفسده عليهم فتنبهوا لذلك، واعلموا أن الشريعة جاءت كاملة لا تحتمل الزيادة والنقصان؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة:3] فلا مكان للبدعة في دين الله، يقول الإمام مالكٌ -رحمه الله تعالى-: "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- خان الرسالة؛ لأن الله يقول: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة:3] فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا". إن المبتدع معاندٌ لله، مشاقٌ له؛ لأن الله حدد الطرق الموصلة إلى الخير وحصرها. وهذا المبتدع يريد أن يزيد عليها أو ينقص منها فجعل نفسه شريكًا لله في تشريعه وكفى بذلك ضلالًا وإثمًا مبينًا، والله أمر بإتباع ما شرعه، فأبى المبتدع ذلك واتبع هواه بغير هدىً من الله. عباد الله، لما كثرت وسائل النقل المعلوماتية، وتساهلت وانتشرت أصبح الناس ينقلون لغيرهم ما يصل إليهم من غير تأكدٍ من المعلومة، وصحة الخبر والحديث والعبادة مع اجتهاد أهل البدع في نشر بدعهم، واستغلال مثل هذه الغفلة من المسلمين فوجب التنبيه على تلك البدع في أوقاتها حتى يكون المسلم على بصيرةٍ من دينه، ومن هذه البدع ما يفعل في شهر رجبٍ الذي نحن في أوله من العادات الجاهلية، والأمور البدعية التي يزعم مرتكبوها أن لشهر رجبٍ خاصيةٍ على غيره، وليس الأمر كذلك، فإن شهر رجب أحد الأشهر الحرم، ولم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في فضل رجبٍ حديث بل عامة الأحاديث المأثورة فيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كلها كذبٌ ولا تصح، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "وقد أحدث الناس في هذا الشهر عبادات لم يشرعها الله ولا رسوله. من ذلك تعظيم أول خميسٍ منه، وليلة أول جمعةٍ منه، فإن تعظم هذا اليوم وتلك الليلة من رجبٍ إنما حدث في الإسلام بعد المائة الرابعة، والحديث المروي في ذلك كذبٌ باتفاق العلماء، ولا يجوز تعظيم هذا اليوم؛ لأنه مثل غيره من الأيام". ويقول الحافظ ابن رجب –رحمه الله تعالى-: "فأما الصلاة فلم يصح في شهر رجبٍ صلاةٌ مخصوصةٌ تختص به، والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول ليلة جمعةٍ من شهر رجب كذبٌ وباطلٌ لا تصح، وهذه الصلاة بدعةٌ عند جمهور العلماء". قال: "وأما الصيام فلم يصح في فضل صوم رجبٍ بخصوصه شيءٌ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أصحابه". وروي عن عمر -رضي الله عنه- أنه كان يضرب أيد الرجال في صوم رجبٍ حتى يضعوها في الطعام، ويقول: "ما رجب؟ إن رجبًا كان يعظمه أهل الجاهلية فلما كان الإسلام ترك"، وفي روايةٍ: "كره أن يكون صيامه سُنة". وأما العمرة فلم يثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه اعتمر في رجب، فلا فضل للعمرة في رجب على العمرة في غيره من الشهور كما يظنه بعض الناس. ومن البدع المنكرة التي تفعل في هذا الشهر بدعة الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج في الليلة السابعة والعشرين منه، يحتفلون في تلك الليلة، ويخصصونها بأنواع من العبادات ما أنزل الله –عزَّ وجلَّ- بها من سلطان فيخصون تلك الليلة بأذكارٍ وأدعيةٍ وصلاةٍ. وتخصيص تلك الليلة خطأٌ من عدة وجوه: أولًا: أن الإسراء لم يقم دليلٌ على تعيين ليلته التي وقع فيها، ولا على الشهر الذي وقع فيه فالعلماء مختلفون في زمانه فتخصيص ليلةٍ من الليالي في رجب أو غيره للإسراء تخصيصٌ لا دليل عليه. وثانيًا: لو ثبت تعيين الليلة التي وقع فيها الإسراء لم يجز لنا أن نخصص تلك الليلة بشيءٍ لم يشرعه الله ولا رسوله –صلى الله عليه وسلم- فإنه لم يرد أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- احتفل في تلك الليلة ولا خصَّها بشيءٍ من العبادات، ولم يفعل ذلك خلفاؤه الراشدون من بعده ولا صحابته الكرام، ولا التابعون لهم بإحسان فلا يجوز لأحدٍ بعدهم أن يحدث في الإسلام شيئًا لم يفعلوه. وثالثًا: أنه يفعل في تلك الليلة وفي ذلك الاحتفال أمورٌ منكرة. يقول صاحب كتاب "الإبداع في مضار الابتداع": "وقد تفنن الناس بما يأتونه في هذه الليلة من المنكرات، وأحدثوا فيها من أنواع البدع ضروبًا كثيرة كالاجتماع في المساجد، وإيقاد الشموع والمصابيح فيها، وعلى المنارات مع الإسراف في ذلك إلى أن قال: وما أحسن سير السلف الصالح فإنهم كانوا شديدي المداومة على ما كان عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يخرجون عن الثابت قيد شعرة، ويعتقدون الخروج عنه ضلالة لاسيما عصر الصحابة، ومن بعدهم أهل القرون الثلاثة المشهود لهم بالخير -رضي الله عنهم- أجمعين" انتهى كلامه. ومن العجيب أن بعضًا من هؤلاء الذين يحتفلون بهذه الليلة أو بمناسبة الإسراء والمعراج أو كثيرًا منهم لا يهتمون بما شرعه الله فيه من الصلوات الخمس فبعضهم لا يصلي أبدًا، وبعضهم لا يحضر صلاة الجماعة في المساجد وإنما ينشط في البدع ويكسل عن السنن والواجبات، ولا يحافظ على الجُمع والجماعات. عباد الله، إن البدع مع أنها حدثٌ في الدين، وتغييرٌ للملَّة، فهي آثارٌ وأغلال تضاع فيها أوقات، وتنفق فيها أموال، وتتعب فيها أجسام، وتبعد من الجنة وتقرب من النار، وتوجب سخط الله ومقته، ولكن أهل الغي والضلال لا يفقهون، وفي طغيانهم يعمهون، لا يزيدهم عملهم عن الله إلا بعدًا، ولا اجتهادهم وتعبهم إلا مقتًا وردًا. يقول –عزَّ وجلَّ-: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ﴾ [الغاشية:2-7]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.  
  • الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد.. عباد الله، لقد حذر السلف الصالح من الابتداع في الدين غاية التحذير؛ لعلمهم بخطورة هذا الأمر، وأنَّ البدعة والمبتدعة من أسباب هلاك الناس؛ لأن البدعة تجر إلى أختها فيصبح المسلم يتقلب بين الأهواء والبدع والضلالات، والمذاهب المنحرفة، والأحزاب البدعية. بل قد يصل به الأمر إلى تكفير المسلمين وقتالهم كما قال الله –عزَّ وجلَّ-: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف:5]. واسمع معي إلى هذا الأثر العظيم الذي يبين فيه الصحابة –رضوان الله تعالى عنهم- خطورة البدع، وما تجر إليه. روى الدارمي وغيره بإسنادٍ صححه الشيخ الألباني –رحمه الله- قال: حدثنا الحكم بن المبارك، عن عمرو بن يحيى قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه قال: "كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعودٍ -رضي الله تعالى عنه- قبل صلاة الفجر فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد. فجاءنا ‏أبو موسى الأشعري –رضي الله تعالى عنه- ‏‏فقال: "أخرج إليكم ‏‏أبو عبد الرحمن‏؛ (يعني ابن مسعود) ‏بعدُ؟" قلنا: لا. فجلس معنا حتى خرج. فلما خرج قمنا إليه جميعًا، فقال له ‏أبو موسى:‏ يا أبا عبد الرحمن، إني رأيت في المسجد آنفًا أمرًا أنكرته ولم أرى والحمد لله إلا خيرًا. قال: فما هو؟ فقال: إن عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قومًا حِلقًا جلوسًا ينتظرون الصلاة في كل حلقةٍ رجلٌ وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مئة فيكبرون مئة، ويقول: هللوا مئة فيهللون مئة، ويقول: سبحوا مئة فيسبحون مئة. قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئًا انتظار رأيك وانتظار أمرك. قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم. ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقةً من تلك الحلق، فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا ‏‏أبا عبد الرحمن، ‏حصى نعدُّ به التكبير والتهليل والتسبيح. قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامنٌ أن لا يضيع من حسناتكم شيء. ويحكم يا أمة ‏محمدٍ ‏ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم ‏-‏صلى الله عليه وسلم- ‏‏متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل وآنيته لم تكسر. والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملةٍ هي أهدى من ملةٍ ‏محمد -صلى الله عليه وسلم- أو مفتتحو باب ضلالة. قالوا: والله يا ‏أبا عبد الرحمن، ما أردنا إلا الخير. قال: وكم من مريدٍ للخير لن يصيبه. إن رسول الله -‏‏صلى الله عليه وسلم- ‏حدثنا: «‏أن قومًا يقرءون القرآن لا يجاوز ‏تراقيهم». ‏وأيم الله ما أدري لعلَّ أكثرهم منكم ثم تولى عنهم. فقال ‏عمرو بن سلمة –رحمه الله تعالى-:‏ ‏رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم ‏النهروان مع ‏الخوارج". فمن فوائد هذا الأثر: - أن هؤلاء تساهلوا في بدعةٍ في نظرهم أنها خيرًا، وفعلٌ حسن وما علموا أنه تجرهم إلى أن أصبحوا يقاتلون الصحابة، ويكفرونهم في معركة النهروان مع الخوارج. - وفيه أن على المسلم أن لا ينشر كل ما يراه في نظره حسنة دون الرجوع إلى أهل العلم وسؤالهم حتى تظهر له السنة من البدعة. - وفيه أن الابتداع فيه إدعاء نقص الدين، وأن صغار البدع تجر إلى كبارها. ألا ترى إن أصحاب تلك الحلقات صاروا بعدوا من الخوارج الذين قتلهم الخليفة الراشد علي بن أبي طالبٍ -رضي الله تعالى عنه- فهل من معتبر؟ - وفيه أن كل بدعةٍ ضلالة فليس في الدين بدعةٌ حسنة وسيئة بل كلها سيئةٌ وضلالة. - وفيه أن العبرة ليست بكثرة العبادة، وإنما بكونها على سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- بعيدةً عن البدعة، وقد أشار إلى هذا ابن مسعودٍ -رضي الله تعالى عنه- بقوله أيضًا: "اقتصادٌ في سنة خيرٌ من اجتهادٍ في بدعة". اللهم إنَّا نسألك الثبات على الهدى، اللهم إنَّا نسألك الثبات على السنة. اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.