- خطبة بعنوان: وصايا زمن الفتن.
- ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى
- المكان: خطبة في يوم 24 ذو الحجة 1446هـ في مسجد السعيدي بالجهرا.
إن الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
إننا نعيش في زمن تكثر فيه الفتن، وتتعاظم فيه الاضطرابات، ونشاهد من حولنا الحروب والمآسي والانقسامات. ونحن نعيش في نعمة من الأمن والأمان والاستقرار في الأوطان، وهذه النعم توجب على العباد شكر الله عليها بالقول والفعل والاعتقاد، فبالشكر تتم النعم،
قال تعالى: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ﴿٣﴾ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ﴾،
والنبي ﷺ قال: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِندَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» (رواه الترمذي)، وإن كفرنا بها سلبت منا ثم لا تعود إلينا ﴿وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد﴾.
ومن أعظم أسباب المحافظة على نعمة الأمن والاستقرار: تقوى الله العزيز الجبار، ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾، فالإيمان والتقوى سبب في نزول البركات، ومن أعظم البركة: الأمن والاستقرار والرخاء، قال النبي ﷺ: (احفظ الله يحفظك) [رواه الترمذي وصححه الألباني] أي: احفظ أوامره ونواهيه بالتقوى، يحفظك الله في نفسك ودينك وأهلك وأمنك ووطنك. ومن خالف أمر الله وفعل ما يغضبه كان ذلك من أسباب الهلاك والدمار وذهاب الأمن والديار، ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾، فكفران النعمة بالذنوب والمعاصي سبب في ذهاب الأمن والرزق، واستبداله بالخوف والجوع، وقال تعالى: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.
ومن أعظم الوصايا زمن الفتن: الإكثار من الدعاء والالتجاء إلى رب الأرض والسماء وسؤاله العافية، وأن يديم عليك النعم، وأن عيذك من الفتن ما ظهر منا وما بطن، واسمع وَصِيَّة النَّبِيِّ ﷺ لِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ رضي الله عنه فَقَدْ قَالَ لَهُ: (يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّ رَسُولِ اللهِ، سَلِ اللهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ]، وكان ﷺ ينهى الناس عن تمني لقاء الشر ويُذكّر بسؤال العافية، قال صلى الله عليه وسلم: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ ».[رواه مسلم]، فسؤال الله العافية هو من أفضل الدعوات وأزكى ما يسأله العبد من ربّه، فعن أبي هريرة قال رسول الله ﷺ: (ما من دعوة يدعو بها العبد أفضل من: اللهم إني أسألك المعافاة في الدنيا والآخرة). [رواه ابن ماجة وصححه الألباني]. ومن دعاء النبي ﷺ: «اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك» (رواه مسلم)، والسعيد عباد الله من جنب الفتن وابتعد عنها وتبرأ منها، جعلنا الله وإياكم من السعداء، عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ: ايْمُ اللَّهِ، لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنِ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنُ، وَلَمَنْ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ فَوَاهًا).
ومن أعظم الوصايا زمن الفتن أن تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، فلا تكن خارجيا مفتونا ولا داعية إلى نزع اليد من الطاعة ومخالفة ولاة أمرك، وَلَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِمْ، وَعَلَى طَاعَتِهِمْ فِي المَعْرُوفِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ المَصْلَحَةِ العَامَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ؛ فَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: »نَعَمْ«. قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ«، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
ومن أعظم الوصايا أن لا تكون مذياعا للإشاعات وناقلا لما لم يثبت من الأخبار، فتكون سببا في نشر الخوف والفوضى، فَلْنَكُنْ عَلَى قَدْرِ المَسْؤُولِيَّةِ، وَلْنَحْفَظْ أَنْفُسَنَا عَمَّا لَا يَلِيقُ وَلَا عِلْمَ لَنَا بِهِ؛ وَلْنَقِفْ سَدًّا مَنِيعًا أَمَامَ الإِشَاعَاتِ وَالأَرَاجِيفِ، وَلَا نُلْقِ بَأَسْمَاعِنَا وَقُلُوبِنَا إِلَى كُلِّ افْتِرَاءٍ وَزَيْفٍ ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا).
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
ومن أهم أسباب السلامة من الفتن ومن أعظم الوصايا وقت اشتداد المحن هو الارتباط بعلماء أهل السنة الراسخين، والأئمة الربانيين من شابت لحاهم في العلم والسنة، وعرفوا بسلامة المنهج والدين وأرشدوا الناس إلى الحق وحذروا من الباطل كالإمام ابن باز والألباني وابن عثيمين وغيرهم، فمنهم ومن إخوانهم نأخذ العلم والفتيا، واحذر كل الحذر من الأئمة المضلين ممن يتصدرون المواقع والقنوات وهم من أبعد الناس عن العلم وحقيقته، ففي كل حرب تظهر يرفعون أعناقهم بدعوة الشباب إلى الجهاد المزعوم ولو بدون إذن ولاة الأمر ولو مع المشركين الكافرين، أفتوا بالجهل والهوى، وأرشدوا الناس بما يخدم أحزابهم وأفكارهم التكفيرية، لا نرى منهم إلا الفتن والضياع ولا يثمرون إلا الشوك والبلاء، وللأسف انخدع بهم كثير من الناس وجَرَوْا خلفهم بدون تفكير ولا نكير، وقد عظمت الفتنة في هذا الزمان بهذا الصنف من الدعاة، الذين يخدعون الشباب ويرسلونهم إلى بلاد الفتن والدمار دون إذن ولي الأمر ولا إذن الوالدين، ليلقوا فيها حتفهم وهلاكهم باسم الشهادة، وهم وأبناؤهم في قصورهم جالسون، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا، يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا » [متفق عليه]، فالزم أيها المسلم غرس العلماء وإياك والدعاة الجهلاء، ولايغرنك من يصف العلماء بأوصاف السوء بأنهم لا يفقهون الواقع أو يصفهم بأنهم علماء السلطان، فغرضه إبعادك عنهم ليملؤوا عقلك وفكرك بضلالهم، ويستغلوك لخدمة أحزابهم ووصولهم إلى مبتغاهم وكرسيهم.