خطورة السيئات الجارية
خطورة السيئات الجارية
  | 499   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: خطورة السيئات الجارية.
  • للشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى
  •  في مسجد السعيدي بالجهراء - 18 ربيع الثاني 1447هـ

 
  • الخطبة الأولى
  إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
  • أما بعد: عباد الله:
يجب على العبد أن يعمل لما فيه صلاح دنيا وآخرته، فما خلقنا الله إلا لطاعته وحسن توحيده وإخلاص عبادته، فالعبد مأمور بفعل الحسنات في الدنيا وبذل أسباب استمرار الأجور عليه بعد موته، وكلنا يعلم بالحسنات الجارية، ولكن يغفل العباد عن خطورة السيئات الجاريات بعد الممات، فيموت العبد وتستمر صحيفة سيئاته وتزيد ذنوبه وهو في قبره، كل ذلك لكونه سببا في تلك الذنوب أو تركها منتشرة ولم يتب منها، وهذه هي خطورة السيئات الجارية. فالله تعالى يكتب على العباد جميع أعمالهم من خير وشر، وكل ما كانوا سبب فيه أو في الدعوة إلى ونشره، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)، قال المفسرون: أي نكتب أعمالهم التي باشروها بأنفسهم، وآثارهم التي آثروها من بعدهم، فنجزيهم على ذلك أيضًا، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر. و قال مجاهد: ({ نكتب ما قدموا } قال: ما قدموا من خير { وآثارهم } قال: ما أورثوا من الضلالة). سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { ونكتب ما قدموا وآثارهم } قال: ما سنوا من سنة، فعملوا بها من بعد موتهم. وهذا كما جاء في السنة صريحا في حديث جرير رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلاَ يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَىْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلاَ يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَىْءٌ ». [رواه مسلم]. ومن أمثلة ذلك ما جاء في أن كل قتل حصل فعلى ابن آدم نصيب من الذنب، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا ، لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ » [متفق عليه].
  • عباد الله:
وقد بين الله تعالى خطورة هذه السيئات الجاريات بعد الممات فقال: { لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } قال ابن كثير: (أي: إنما قدرنا عليهم أن يقولوا ذلك فيتحملوا أوزارهم ومن أوزار الذين يتبعونهم ويوافقونهم، أي: يصير عليهم خطيئة ضلالهم في أنفسهم، وخطيئة إغوائهم لغيرهم واقتداء أولئك بهم)، قال مجاهد: (يحملون أثقالهم: ذنوبهم وذنوب من أطاعهم، ولا يخفف عمن أطاعهم من العذاب شيئًا)، كما جاء عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا » [رواه مسلم]. وقد جاء النص على خطورة السيئات الجارية لمن يضل الناس ويدعوهم إلى الانحراف والبدع ومخالفة الكتاب والسنة. وما أكثر هذا الصنف في الأمة من القديم والحديث، دعاة على أبواب جهنم، كانوا سببا في ضلال الناس وانحرافهم، من خلال كتاباتهم الضالة وكتبهم المنحرفة ومحاضراتهم وخطبهم التي يلبسون فيها على الناس دينهم، كا جاء وصفهم في حديث حذيفة عن مسلم: (دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا. قَالَ « نَعَمْ قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا ». يفتون بالهوى ويتكلمون بالجهل وينشرون البدع والضلال، فقوم جعلوا دينهم السياسة والطعن على الولاة والخروج على الأئمة وتكفير الشعوب وولاتها، وقوم أقاموا دينهم على جهل وخرافات وصوفية وخزعبلات وغيرها من أنواع الضلالات، فعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ». [متفق عليه]. الناس رؤوسا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا. متفق عليه. ولأجل هذا كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- يخاف على أمته من دعاة الفتن، فعن عمر بن الخطاب ري الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان) [رواه أحمد وصححه الألباني]. وأخبر -صلى الله عليه وسلم- أن دعاة الفتن والتماس العلم منهم من أشراط الساعة، فعن أبي أمية الجمحي، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن من أشراط الساعة ثلاثًا: إحداهن أن يلتمس العلم عند الأصاغر". قيل لابن المبارك: من الأصاغر؟ قال: الذين يقولون برأيهم. أو أهل البدع والأهواء. فأخذ العلم والفتوى عن أهل الضلال والجهل سبب عظيم للولوج في الفتن والهلاك. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: (لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم، فإذا أخذوه من أصاغرهم وشرارهم هلكوا). فاحذروا عباد الله: كل من يفتي في أمور الدين وهو ليس من أهل العلم المعروفين بالسنة واتباعها، والمشهود لهم بالخير والعلم، بل عليكم بأهل العلم الكبار خذوا بفتاويهم واجتهدوا في سؤالهم.  أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
  • الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. أَمَّا بَعْدُ:  فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
  • عباد الله:
ومن أخطر السيئات الجارية ما ابتلينا به في عصرنا من نشر الفساد والمعاصي عبر برامج التواصل والهواتف والانترنت وبشتى أنواعها الفساد من قذف للأبرياء ونشر للصور المحرمة والمقاطع الفاضحة أو نشر للشائعات التي فيها تقويض أمننا والطعن في ولاة أمورنا أو نشر الأغاني والمقاطع التي تحتوي على الموسيقى فاعلم أن الذنوب والسيئات عليك جاريات حتى بعد موتك وذهابك إلى قبرك فاحرص أشد الحرص أن لا تكون بابا للشر وداعية للفتن وطاعنا في الأعراض وناشرا للفساد، بل كل داعية للخير وناشرا للمعروف أو أقل أحوالك الزم الصمت ومن صمت نجا خصوصا عند الفتن التي لا يتبين فيها الحق لأكثر الناس. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :«إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيِهِ» [رواه ابن ماجة وحسنه الألباني].