الصَّبر على المُخالف
عند الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي
رحمه الله تعالى
كتبه
د. خالد بن ضحوي الظفيري
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ([آل عمران:102].
إنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد – صلى الله عليه وسلم -، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70 – 71].
أمَّا بعدُ:
فإنّ مما يشيعُهُ كثيرٌ مِن المُغرضِين من أصحاب الأهواء والفتن أنَّ الشَّيخَ ربيعًا رحمه الله لا يصبرُ على مَن يردُّ عليه، بل يُحذِّرُ منه مباشرةً، ويخرجُه من السَّلفيَّة – كما يزعمون -، وهذا محضُ افتراء، وتشويه لأهل السُّنَّة، فالشَّيخُ من أكثر الناس صبرًا على المُخالفين؛ ينصحُهم ويُكرِّرُ عليهم النَّصيحة لعلَّهم يرجعون ويتوبون وينتصحون، فإنْ أبَوا إلَّا الانحرافَ والابتداعَ؛ حين ذاك تنالهم سياط الحقِّ، عبر كتابات شيخنا القائمة على الدَّليل مِن الكتاب والسُّنَّة، مع بيان موضع الـمُخالفة ونقلها بنصِّها، ثُمَّ ردّها بالحقِّ والبُرهان السَّاطع([1]).
يقول الشَّيخ: «ينبغي أن نفتح مستشفيات، نفتح مستشفيات، والذي يمرض من السَّلفيِّين نُعالجه، ما نخسرُه، نفتح مستشفيات نعالج، العلماء قبلنا كانوا يعالجون الأمور، يعالجونها، يرحمون النَّاس، ويتلطَّفون بهم، فنحن نتلطَّف، ونرحم السَّلفيِّين، الحمدُ للهِ الَّذي هدى النَّاس للسَّلفيَّة؛ وإذا مَرِضَ لنا واحدٌ نعالجُه؛ قال أحدهم الشَّيخ ربيع قال: «إن لم تُدينوا فُلانًا أفعل وأفعل»؛ قلتُ: والله أنا لا أنفع نفسي، أنا لا أسقط أحدًا من السَّلفيَّة، وإنِّي لما أرى الإنسان يترنح يريد أن يسقط أنا أسكت، أنا أسكت؛ فإذا غلبني وسقط هو المسؤول، وأنا ما أُسقطُ أحدًا، والله الحداديَّة ما أسقطناهم خلِّيناهم يترنَّحون، وغيرُهم، وغيرهم حاربونا وحاربونا وبعدِين؛ فنحن ما نُطارد النَّاس، هم الذين يهربون، يبدؤوننا بالحرب ثمّ؛ أما نحن فنحاول أن نحافظ على بقائهم في الصَّفِّ السَّلفيّ إلَّا إذا غلبْنا على أمرنا، وسقطُوا فهذا هم المسؤولون فيه، ولهذا صبرنا على فُلان سنوات، وعلى فُلان سنوات، وعلى فُلان سنوات،؛ قلت: ما أحبُّ السَّلفيِّين يتبدَّدون ويَتفرَّقون؛ فإذا عجزنا أعذرنا إلى الله – سبحانه وتعالى »([2]).
وقد كتب شيخنا في ذلك مقالاً فيه الردّ على أتباع الحلبي حين زعموا أن الشيخ ربيعا من أسباب الفتن والتفرق، فدمغهم بمقال بعنوان: (بيان من هم أسباب الفتن وأسسها ورؤوسها ومثيروها).
ومما قال فيه: (يُفرق رؤوس هؤلاء ويمزقون في السلفيين من سنوات طوال لا يكلون ولا يفترون، ويثيرون الفتن خفية وظاهرة تلو الفتن في شتى البلدان، ولا يروى ظمؤهم من إثاراتها.
كل هذه البلايا التي يصبونها على السلفية والسلفيين مصحوبة بالأكاذيب والخيانات والغدر في عدد من المؤلفات وعدد من المنتديات).
وقال: (إن عمل هؤلاء القوم لخطير جداً، فهم يكتسبون الآثام العظيمة، ويفرقون السلفيين، ثم يقذفون بذلك الأبرياء الحريصين على جمع الكلمة بكل مستطاع، والداعين للأمة جميعاً إلى الاعتصام بالكتاب والسنة، والمحاربين للتحزب والتفرق اللذين ذمّ الله أهلهما، وبرأ منهما رسوله -صلى الله عليه وسلم-).
وبين في هذا المقال من هم دعاة التفريق حقا وصدقا، ووبين فيه صبره على دعاة التفريق والانحراف كعدنان عرعور والمغراوي وأبي الحسن والحلبي، وسيأتي نقله كلامه في آخر المقال.
ومن أمثلة صبر شيخنا على المخالف:
أوَّلًا: صبرُه على عبد الرَّحمن عبد الخالق سنين طويلةً؛ لعلَّه يرجعُ ويتوبُ، مع مناصحات متكرِّرة، وجلسات عدَّة لعلَّه ولعلَّه، حتى طغى واستكبر، وركب الباطل، فوقع على أمِّ رأسه، يقول شيخنا رعاه الله: «فقد كانت بيني وبين عبد الرَّحمن بن عبد الخالق زمالةٌ ومحبَّة ومودَّة، قائمة مِن قِبَلي على الحبِّ في الله – عز وجل -؛ لِـمَا كنت أعتقده فيه من الخير، ولـمَا أبرزَه مِن رسائل تخدم الدَّعوةَ السَّلفيَّة، وتَسيرُ على المنهج السَّلفيِّ في الجُملة.
وما كنت أعنى كثيرًا بقراءة رسائله، وليس عندي من أشرطته فيما مضى شيء يذكرُ.
ثُمَّ منذ سنوات صدرتْ لجمعية إحياء التراث مَجلةُ «الفرقان»، فاطَّلعْتُ على بعض أعدادها، فرأيتها تسير في طريق سياسي طغى على الدَّعوة، من مقالات سياسيَّة وصُوَر ومقابلات مع النِّساء، وإلغاء بسم الله الرحمن الرحيم منها، فكتبتُ له نصيحتَين خلال سنتَين أو ثلاث سنين متوالية، ثم إنَّ هذا الاتِّجاه السِّياسيَّ دفعني إلى قراءة كتابه: «الشُّورى»، فرأيتُ فيه أخطاء حمَّلها القُرآن والسُّنَّة وسيرة الرَّسول – صلى الله عليه وسلم – والخلفاء الرَّاشدين.
فجمعتُ هذه الأخطاء وجمعتُ الأدلَّة للرَّدِّ عليها؛ نصيحةً له وللمسلمين، ثُمَّ أحجمتُ عن ذلك، وفضَّلتُ أن يكون ذلك في نصيحةٍ أخويَّةٍ فيما بيني وبينه.
وكان كلَّما زار المدينة وحصل بيني وبينه لقاء لا آلو جُهدًا في النَّصيحة له فيما آخذه عليه.
فرأيتُه في لقائين أو ثلاثة على خلاف ما كنت أعتقد فيه؛ رأيته يدافع عن جماعة التَّبليغ والإخوان المسلمين بالباطل، وهذا المنحى الجديد لا يتمشَّى مع المنهج السَّلفيِّ، ولا مع مواقف علماء المنهج السَّلفيِّ وأئمَّته.
فأَريتُه في مرَّة من المرَّات، بطاقات جمعتُها للرَّدّ على كتابه: «الشُّورى»([3]) في الإسلام فأبدى شيئًا من التَّفهُّم.
وقلتُ له: إنَّني أستأني بك؛ ظنًّا منِّي أنَّك سترجع إلى الحقِّ، وأتشاغل عنك بالرَّدِّ على الغزالي وأبي غدة وأمثالهما، فأظنُّ أنَّ ذلك أعجبَه.
ثمَّ أريته كلامًا لشيخ الإسلام ابن تيمية ذكر فيه أنَّ التَّحذير من أهل البدع واجبٌ باتِّفاق المسلمين، فلمَّا وقف عليه قال: صحيح؛ إنَّ التَّحذير من أهل البدع واجب، فأعطاني كلامه هذا أملًا في التزام منهج السَّلف في هذا الباب، وقلتُ له في بيت أخيه في القبلتين بالمدينة: إنَّني أُحذِّرُ مِن كتابك هذا -أعني مشروعيَّة العمل الجماعي- فقال: لماذا؟ فقلتُ: لأنه على خلاف منهج السَّلف.
واستمررتُ متوقِّفًا عن الرَّدِّ عليه سنوات حرصًا على جمع الكلمة، ومراعاةً للإخوة في الكويت من المنتمين إلى المنهج السَّلفي، وخاصَّة من أعرفهم من طلبة الجامعة الإسلاميَّة.
وكنت أتصوَّر أنَّ هذه المواقف الأخويَّة أنفع وأجدى من كتابة الرُّدود، مع أنَّ بعض الشباب السَّلفي كان يرى أنَّه يتعيَّنُ الرَّدُّ على عبد الرَّحمن، فأُبدي لهم وجهة نظري في إحجامي عن الرَّدِّ عليه، فمنهم من يقتنع، ومنهم من لا يقتنع، إلى عام 1415هـ حينما وجَّه أحد شباب الكويت سؤالًا إلى بعض المشايخ من هيئة كبار العلماء عن بعض زلَّات عبد الرَّحمن عبد الخالق، وصدرتْ منهم إجابات قويَّة رادعة لعبد الرَّحمن، ثُمَّ ما تلا ذلك من رُدود الفعل من عبد الرَّحمن، وبعض تلاميذه من هجوم ظالم، وطعن قبيح، وتوسيع دائرة الخلاف، والبُعد عن المنهج السَّلفي الواضح، من مثل كتاب الشَّايجي: «خطوط عريضة لأصول أدعياء السَّلفيَّة الجديدة» الَّذي وضع فيه ثلاثين أصلًا يطعنُ بها في السَّلفيِّين ظلمًا وبغيًا، ثمَّ مغالاة عبد الرحمن في شخصه وإبراز جُهوده والتَّفاخر بها، ومغالاة كبار تلاميذه فيه، وفي جهوده التي تُوهم النَّاس أنَّ هذه الجهود ما كانت إلَّا سلفيَّة وللسَّلفيَّة، ثُمَّ التَّهوين من الأخطاء والاستخفاف بها.
والطَّعن الشَّديد لا لمن أظهر بعض أخطائه؛ بل وسَّعوا دائرة الطَّعن وبالغوا في الحطِّ والتَّشويهِ لأُناس لا ناقةَ لهم ولا جملَ في إظهار ما ظهر مِن أخطائِه، إلى غير ذلك مِن الـمُغالطاتِ السِّياسيَّة، في إظهار الـمُبطل محقًّا وعظيمًا؛ والمحقّ أنَّه ظالمٌ كاذبٌ، إلى آخر الطُّعون والمغالطات الَّتي لا تصدُر ممَّن يخشى الله ويراقبه، فدفعني ذلك إلى شيءٍ مِن الجِدِّ في قراءة بعض كتب عبد الرَّحمن، والاستماع إلى بعض أشرطته.
فرأيتُ وسمعتُ ما تشيب له النَّواصي مِن تجنِّيه على السَّلفيِّين، وتَشويه السَّلفيَّة نفسِها، ودفاع عن أهل الباطل، فحصلتْ لي قناعةٌ بأنَّه لا بُدَّ مِن مُؤاخذةِ الظَّالم بظُلمه، وإيقافه عند حدِّه، وأنَّ السُّكوت عن ذلك فيه ضررٌ مؤكَّد على الشَّباب السَّلفي، وتغرير بهم، وضرر على الدَّعوة السَّلفيَّة نفسها.
فقمت بتسجيل ما وقفتُ عليه من أخطاء عبد الرحمن، ومناقشته فيه بأسلوب دون ما يستحقُّه، بعد أن أعذرنا إلى الله، ثمَّ إليه، وإلى كلِّ مَن يعطف عليه أو يتعاطف معه»([4]).
وأما النصيحتان التي أشار إليهما الشيخ ربيع في بداية كلامه فلدي منها صورة بخط الشيخ – حفظه الله -.
الأولى: نصيحة لعبد الرَّحمن عبد الخالق حول مجلَّة الفرقان التَّابعة لإحياء التُّراث الإسلامي، وتحذيره من نشر الصُّوَر والتَّساهل فيها، ودعوته لتقوى الله والثَّبات على السُّنَّة والحقِّ، وقد كتبها الشَّيخ في تاريخ 18/7/1409هـ، وتتكوَّن من (5) ورقات.
وسأنقل للقارئ بعض العبارات النَّفيسَة الواردة في هذه النَّصيحة:
1- (أخي الحبيب ليس لي من أمنية في هذه الحياة إلَّا أنْ أرى كلمةَ الله هي العُليا، وحزب الله وجنده هم الفائزون، وأنْ أرى الباطل ذليلًا حقيرًا مهينًا يلفظ آخر أنفاسه، وأهله هم الأقلّون الأذّلون في كلِّ زمان ومكان).
2- (أخي أخي! أوصيك أوصيك ونفسي بتقوى الله حقَّ تقاته، والنُّصح النُّصح للإسلام، وبالنُّصح لله ولكتابه ورسوله ولعامَّة الـمُسلمين، والتَّفاني في سبيل ذلك، والصَّدع بالحقِّ، يرافقه الحكمة والحجَّة والبُرهان من كتاب الله وسنّة رسوله، وعلى منهج السَّلف الصَّالح الَّذين آمنوا بكتاب الله وسنّة رسوله، وفهموهما حقّ الفهم، وطبّقوهما حقّ التَّطبيق في شتَّى المجالات، وذادوا عن حياضهما على امتداد التَّاريخ، أفضل ذياد وأقواه، ووقَفوا بالمرصاد لـمَن يُحاولُ أنْ يشوِّه جمالَ الإسلام مِن قَريب أو بعيد، لا تأخذُهم في اللهِ لومةَ لائم.
وأوصي نفسي وإيَّاك بالاستقامة على الحقِّ والثَّبات ولو زالت الجبال الشُمُّ، وليكن الثَّبات على الحقِّ، ونصرُه والدِّفاعُ عنه غايتنا جميعًا.
ولتكن تربية الشَّباب على هذه الأسس التي ألمحتُ إليها، وأنتم أعرف بكلِّ ذلك، ولكنّها الذِّكرى، ولتعرف ما عند أخيك.
وأرجو أن يكون غرس هذه الأمور، وهذه الروح هو الهدف، وهو الشغل الشاغل إلى نهاية الحياة حتى نلقى الله ربَّنا).
ثمَّ أنكر الشَّيخُ التَّصوير، ووضعه في مجلَّة (الفرقان) التي تصدرها جمعيَّة إحياء التُّراث، وشدّد في الإنكار عليهم في ذلك، وأبدى فيه وأعاد.
والثانية: تتعلَّق بالمُلاحظات على مجلَّة (الفُرقان)، وعلى بعض كتبه وتوجيه له وإرشاد، وقد حرّرها في 10/4/1410هـ، وتتكوَّن من (5) ورقات.
ومن عباراته في هذه النصيحة أيضًا:
3- (أخي الحبيب من أبرز صفات المؤمن أن يُحبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه، وإنَّني أحبُّ لنفسي ولكم ولجميع إخواني المسلمين أن نتقلَّب في ظلال محبَّة الله ورضوانه، بعيدِين كلَّ البُعد عن مواطن سخطه وأسبابه.
وإنَّني أشعر أنّ من حقِّ بعضنا على بعض التَّناصح، والتَّواصي بالحقِّ، والتَّواصي بالصَّبر، والتَّعاون الدَّائم ما عشنا على البرِّ والتَّقوى.
أسألُ الله أن يوفِّقنا جميعًا للقيام بذلك على أكمل الوجوه التي تُرضي ربَّنا، أقولُ هذا بجدٍّ منِّي وصدقٍ وإخلاصٍ.
وأنتظر من أخي دوام النُّصح والإرشاد إلى مواطن زللي وخطئي، وإنَّ ذلك لأحبّ إلى نفسي، ويعلم الله أنَّني أفرح بذلك من صِغار طلَّابي فضلًا عن إخواني الذين أعترف لهم بالفضل والعلم والذَّكاء والنُّبل.
كما إنَّني أدرك في أعماق نفسي أنَّ لإخواني ومشايخي واجبًا كبيرًا؛ أن ألفتَ نظرهم إلى ما يبدو لي أنَّهم قد وقعوا فيه مِن الغَفلةِ والخطأِ، الذي لم يسلمْ منه أحدٌ من البشر، وكما أحبّ لنفسي أن أوفّق من الله دائمًا للرُّجوع عن زلَّاتي وأخطائي عندما أنتَّبه أو يُنبِّهني غيري؛ أحبّ مثل ذلك لأحبَّائي وإخواني في الله).
ثمَّ وجَّه نصيحته لعبد الرَّحمن عبد الخالق حول مجلَّة (الفرقان)، وكيف أنّها غلبتْ عليها الصَّبغة السِّياسيَّة، وإبراز الموضوعات السِّياسيَّة في أماكن استراتيجيَّة من المجلَّة، وعدم إبراز العقيدة والعلم والسُّنَّة والحديث والتَّفسير وغيرها من العلوم النَّافعة.
وأنكر عليهم مقابلة المجلَّة لبعض النِّساء، وأعاد عليهم النَّصيحة في ترْك التَّصوير.
والملاحظُ على النَّصيحتَين شدَّة الحرص من شيخنا على توجيه النُّصح والإرشاد لعبد الرحمن عبد الخالق، ومحبّة الخير له ولجميع السَّلفيين، وهو الأمر الذي سار عليه شيخنا، نسأل الله له الثبات، وهو نفسه الأمر الذي انحرف فيه عبد الرحمن عبد الخالق عن الحقِّ والسُّنَّة، ولم يستجب لهذه النَّصائح الأولى من شيخنا له، فاستمرَّ على الخطأ وزاد، حتَّى ضلَّ وأضلَّ غيرَه وكثيرًا من الشَّباب.
ثانيًا: صبره على سلمان العُودة:
ومن صبره رعاه الله أنَّه أرسل ردَّه على سلمان العودة إليه قبل أن ينشره بسنة تقريبًا، فلمَّا رآه مصرًّا على انحرافه، وطعنه في أهل الحديث نشر ردَّه، يقول شيخنا: «ثمَّ مع الأسف الشديد جاءنا ما لا نتوقع من جهة كان يُرجى منها النَّصر وشدّ الأزر والوقوف في وجه أهل الباطل والبدع، وصدّ هجماتهم على أهل الحديث والتَّوحيد والسُّنَّة، جاء ما يشدّ أزر أهل البدع والضّلال، في كتب سلمان العودة «صفة الغرباء» و«من أخلاق الدَّاعية»، فرأيت لزامًا علي أن أقوم بواجب عظيم؛ هو الذَّبُّ عن أهل الحديث، وبيان أنَّهم هم الطَّائفة المنصورة النَّاجية، وأيَّدتُ ذلك بكلام أئمَّة عظام، يزيد عددهم على الأربعين، وأرسلتُ ما كتبته إلى سلمان العودة؛ لعلَّه يرجع عمَّا وقع فيه من زلَّة، فلم يتحقَّق هذا الأمل.
ثمَّ صدر له كتاب «من وسائل دفع الغربة»، فجاء فيه بما هو أدهى وأشدّ.
ثمَّ ظهر له كتاب سماه «العزلة والخلطة»، أشار في مقدّمته إلى ردّي عليه، وزعم أنَّه لم ينلْ من أهل الحديث…»([5]).
ثالثًا: صبرُه على سفر الحوالي:
كتب الشَّيخُ ردًّا على سفر الحوالي في كتابه «ظاهرة الإرجاء»، وأرسل له الرَّدَّ قبل نشره لعلَّه يؤوب ويتوب، ولكنَّه أصرَّ ولم يلتفت لنُصح الشَّيخ، يقول شيخُنا: «فقد اطَّلعتُ على كتاب: «ظاهرة الإرجاء» للشَّيخ/سفر بن عبد الرحمن الحوالي، فرأيته يعيب بعض علماء الـمُسلمين بالتَّناقُض، ويصفهم بالإرجاء العمليِّ، ويصف المرجئة بالتَّناقض، ورأيته فيما ظهر لي يصوِّب سهام النَّقد إلى علماء السُّنَّة، ويصفهم بالتقصير في بيان الحقِّ، بل بأشدّ من ذلك، فلقد قال بعد تعجبه من حال المرجئة: «فيحقُّ لنا أن نعجب – أيضًا- لأقوام ينتسبون إلى العلم ولا يقرُّون الإرجاء نظريًا، ولكنَّهم يجادلون عن أناس وقفُوا أنفسهم على حرب الله ورسوله، ومعاداة الدِّين وأهله، وطمس معالم الحقِّ والهُدى، ومحاربة أحكام الشَّريعة، وموالاة أعداءِ الله، وجعلوا ذلك شغلهم الشَّاغل، وعملَهم الدَّائب … »، إلى آخر هذا الكلام الَّذي سيقف عليه القارئ قريبًا.
ورأيتُه يشيد بمن يصفهم بشباب الصَّحوة كثيرًا، وذلك يدفع كثيرًا منهم إلى الغرور، والتَّطاوُل على أهل العلم والحقِّ.
ورأيتُه ينال من علماء السُّنَّة، ويرفع من شأن سيِّد قطب، فيضعه فوق منزلته بكثير، ولا ينزل عليه الأحكام الشَّرعيَّة الَّتي ينـزلها على أشكاله.
فرأيتُ أن أرفع بعض هذا الضَّيم عن العلماء، وأناقش بعض المآخذ عليه؛ لأنَّ المآخذ عليه كثيرةٌ تحتاج إلى فراغ ووقت طويل.
لعلَّه يرجع إلى الصَّواب، وهذه غاية كبيرة من غاياتنا، وأمنية عظيمة من أمانينا؛ أنْ يرجع المخطئون عن خطئهم، ويثوبوا إلى رشدهم، ونسأل الله لهم ذلك، وأرجو الله أنْ لا يكون لنا غاية سوى ذلك، والله يعلم السِّرَّ وأخفَى، وإليه المرجع قريبًا والمآب، وهو الَّذي عليه الحساب، وبيده وحده الرَّحمة والعقاب.
وليعلم القارئ الكريم أنني أرسلت هذه المناقشة إلى الشَّيخ سفر؛ إكرامًا لـه، وسِترًا عليه، لعلَّه يُراجعُ ويُصلح ما وَهِيَ منه، ويسدُّ ما فيه من خلل، حتَّى يكون كتابًا نافعًا لطلَّاب العلم، بعيدًا عمَّا يضرُّهم، ولكنَّه مع الأسف لم يتجاوب معنا رغم انتظار طويل، وكان الأجدر به أن يفرح بهذه النَّصيحة، ويعتبرها هديَّة ثمينة أخذًا بتلك الحكمة: «رحم الله مَن أهدى إليَّ عُيوبي»، فأُلجئْتُ إلى نشر هذا الرَّدِّ بيانًا للحقِّ، ونصرًا للمظلومين، ووضعًا للأمور في نصابها»([6])..
وكذلك الشَّيخ لـمّا ردّ عليه في كتابه «صدق النظر في أقوال وتأويلات الشَّيخ سفر»، أرسله إليه قبل نشره بسنوات كثيرةٍ.
رابعًا: صبرُه على أبي الحسن المصري المأربي:
أمّا أبو الحسن المأربي فقد صبر عليه شيخُنا طويلًا، وكان يحترمه ويقدره ويتلطَّف به، وينصحه برفق ولين، وشاهدت ذلك وعِشتُه، ولكن العقارب هكذا إذا تمكَّنت لدغتْ، قال شيخنا: «نعم، واللهِ لقد خالفتَ منهج السَّلف في مسائل عقديَّة ومنهجيَّة، وناقشتُك بكلِّ لطف واحترام، وأعطيتك من التقدير ما لا تستحقُّ منه شيئًا، وصبرتُ عليك صبرًا طويلًا سنوات، رغم أني أعرف أنَّك تحاربُني بمكر، ثمَّ أعلنتَ حربك الشَّرسة، ومع ذلك وجَّهتُ لك تنبيهًا ونصيحةً بيني وبينك، فأبيتَ إلَّا إعلان الفتنة والحرب المليئة بالطَّعن والتَّشويه وتهييج أهل الحجاز ونجد بطريقةٍ غير شريفةٍ، مع عنادٍ شنيع، واستعلاءٍ فظيع»([7]).
وكذلك صبره الطَّويل على عدنان عرعور، وعلي الحلبيّ، والمغراوي، ونصائحه المتكرّرة لهم، ولطفه بهم، وقد وضَّح ذلك شيخُنا توضيحًا جليًّا في مقاله: «بيان من هم أسباب الفتن وأسسها ورؤوسها ومثيروها» بحلقتيه الأولى والثَّانية.
والحديث عن صبر الشَّيخ ورحمته بالمُخالف، ودعوته له ليتوب ويرجع إلى الحقِّ والصَّواب، يطولُ ذِكرُه، ويصعب حصرُه، ومن قرأ ردودَ الشَّيخ ومقالاته يعلم أنَّ الشَّيخ قصده هو النصح والخير بالمخالف، ومحبَّته لرجوعه إلى الحقِّ.
قال الشَّيخ في «التَّنكيل» في الرَّدِّ على أبي الحسن([8]): «وهنا كلمةٌ من المُناسب أنْ أجهر بها، فأقول: يعلم الله منِّي أنَّني أحبُّ أنْ تعلوَ كلمتُه، ويظهر دينه على سائر الأديان.
ويعلم الله أنَّني أحرص أشدَّ الحرص على أن تجتمع كلمةُ الـمُسلمين على الحقِّ، وأنْ ينبذُوا كلَّ أسباب الفُرقة الَّتي فرَّقتهُم وجعلتهُم شيعًا، كلُّ حزب بما لديهم فرحون، سواء من ذلك كانت تلك الأسباب عقديَّة أو منهجيَّة بل حتَّى ولو كانت في الفروع.
ويعلم اللهُ أنَّني أحرص بصفة أخصَّ أنْ تجتمع كلمة السَّلفيِّين، والمنتمَين إلى المنهج السَّلفيِّ، وأسعى بكلِّ ما أستطيع للتَّأليف بينهم، ويعلم هذه المساعي كثير من الناس، ومن يعنيهم هذا الأمر، كالشَّيخ صالح الفوزان والشَّيخ صالح بن عبد العزيز آل الشَّيخ، وكم سعيتُ في تجنُّب وتجنيب الفُرقة والاختلاف وأسعى لذلك بكلِّ ما أستطيع:
1- سواء فتنة عبد الرَّحمن عبد الخالق، الَّذي ناصحته سنوات طويلة مكاتبةً ومشافهةً، فأبى إلَّا الفتنة والفُرقة.
2- أم محمود الحدَّاد ومن معه، فأبَوا إلَّا الفتنة والفُرقة.
3- أم عدنان عرعور، حاولت تجنُّب فتنته، وسعى غيري في دفع فتنته، فأبى إلَّا إعلان الفتنة والفُرقة.
4- أم المغراوي ومن معه، فأبوا إلَّا إعلان الفتنة والفُرقة.
5- أم أبو الحسن المصري المأربي، الذي بدأ بالحرب والفتن، من سنين وأنا أناصحه مشافهةً وكتابةً، وكم سعيتُ في إطفاء فتنته، فتأتيني الكتابات عن انحرافاته فأرفض قَبولها، وتأتيني الأسئلة عنه، وهو يتحرَّك بفتنته فأصرفهم وأنصحهم بعدم الكلام فيه، وتأتيني الأسئلة عن زلَّاته فأنصح السَّائلين بالعدول عنها، وبكفِّ ألسنتهم عن القيل والقال، لعلَّه يتذكَّر أو يخشى، ويكفّ فتنته وأذاه عن الدَّعوة السَّلفيَّة في اليمن وغيرها، ولكنَّه قد بيَّتَ الفتنةَ والثَّورةَ على المنهج السَّلفيِّ وعلمائه وطلَّابه؛ فلذا لا يسمع نصيحة ناصح، بل يبطش بكلّ من نصحه أو قال فيه كلمةَ حقٍّ».
وقد بين شيخنا رحمه الله تأريخ فتنة عرعور والمغراوي وأبي الحسن المأربي وعلي الحلبي في مقال جميل، من يقرأه وهو من أهل الإنصاف والعدل يعلم يقينا أن الشيخ ربيعا كان يسعى للصلح والاجتماع، وكان ينصح لهم مرارا وتكرارًا علّهم يتوبون ويرجعون، ولكن الإنصاف عزيز، وأهل الحق والسنة قليل.
يقول شيخنا رحمه الله في مقاله (بيان من هم أسباب الفتن وأسسها ورؤوسها ومثيروها):
- إن الحلبي وعصابته هم المثيرون للفتن على اختلاف أنواعها، فيجب عند من يحترم العدل ويميز بين المحق والمبطل أن تنسب هذه الفتن إلى مثيريها ومزخرفيها والدعاة إليها.
2- ليس الأمر كما زعموا أن الفتنة منذ عقد ونصف.
وإنما بدأت من عام (1413هـ) أي منذ عشرين سنة.
وأول من بدأ بها عدنان عرعور.
ففي هذا الوقت كنتُ قد انتهيتُ من تأليف كتابي “أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره”.
والذي تضمن إنكار سخريات سيد قطب برسول الله موسى الكليم – عليه السلام-، والتي وصلت إلى حوالي عشر سخريات.
وتضمن الدفاع عن الصحابة الكرام الذين أطال سيد قطب النفَس في الطعون الظالمة فيهم، ولا سيما الخليفة الراشد عثمان -رضي الله عنه- الذي ادعى سيد قطب أنه تحطمت روح الإسلام في عهده، وتحطمت أسس الإسلام في عهده.
وأثنى على تلاميذ ابن سبأ الذين ثاروا على عثمان -رضي الله عنه- ثم قتلوه.
أثنى عليهم بأنهم أقرب إلى روح الإسلام منه، ثم أسقط خلافة عثمان –رضي الله عنه-.
ومن عقائد سيد قطب التي ناقشتها في “الأضواء” تعطيله لصفات الله، وقوله بوحدة الوجود والحلول، وقوله بخلق القرآن وأزلية الروح، إلى ضلالات أخرى، وكل هذه البوائق لم تهز عقيدة عدنان السلفية لأنها دعاوى مزيفة.
ولما انتشر هذا الكتاب وأقبل الناس عليه أثار ذلك حفيظة عدنان وغيرته على سيده، فذهب يركض إلى الشام ليحصل على ما يقاوم به هذا الكتاب، فسأل الشيخ الألباني عن فقرة مجملة من كلام سيد قطب، فصوبها الشيخ الألباني، ولم يعرض عدنان على العلامة الألباني شيئاً من تلك الدواهي والطوام الكثيرة لسيد قطب التي تضمنها الكتاب، بل سجل كلام الشيخ الألباني وشرع في نشره، ونشره الإخوان المسلمون والقطبيون بكثافة لقصد تشويه الكتاب وكاتبه ولصد الناس عن معرفة ما تضمنه الكتاب من بيان الحق، وبيان ضلالات سيد قطب.
والقصة طويلة جداً مع عدنان ووعوده بالاعتذار عما اقترفه، وإخلاف هذه الوعود خلال سنتين.
ثم عقب تلك الوعود بتأليف كتاب أو كتب يمجد فيها منهج سيد قطب وأصوله التي لا يعرفها السلفيون ويمجد كتبه.
ثم عقب ذلك ببث الفتن في دول أوربا؛ تلك الفتن التي تمزق السلفيين، وتحول كثيراً منهم إلى خصوم فجرة للسلفيين ومنهجهم، واستمرت فتنة عدنان إلى اليوم، يسانده علي حسن الحلبي وبعض الحاقدين على المنهج السلفي ([9]) ([5]).
فما وسعني إلا الرد عليه وبيان ظلمه وبغيه وبيان فساد أصوله ومنهجه.
فمن هو صاحب الفتن وأساسها، أهو عدنان ومن شايعه أم ربيع كما يفتري الحلبي وشركاؤه في هذا المقال؟؟
ثانياً- فتنة المغراوي، وهو من أصدقاء عدنان والحلبي والمأربي إلى اليوم كما أعلم.
كان يساند عدنان، ويشاركه في بعض الدورات في أوربا، ويغض طرفه عن أشرطته المليئة بالباطل والتأصيل الفاسد التي تنشر في المغرب وفيها الحملات على ربيع، وكنت أنصحه عن مصاحبة عدنان ومسايرته بعد أن انكشف حاله، فيأبى إلا الاستمرار في هذه المسايرة، مما أقض مضاجع السلفيين في المغرب، ولا سيما من انتشار أشرطة عدنان في بلدهم.
وحصلت فتنة بينه وبين السلفيين، فكنت أجتهد في إطفاء هذه الفتنة والتأليف بينه وبين خصومه، وكانوا في غاية القلق من أصوله ومنهجه التكفيري، فلما رأوه سادراً وغارقاً في هذا المنهج، قاموا ببيان ذلك المنهج الخطير من كتبه وأشرطته وعرضوها على العلماء في المملكة، فأدانوه ونصحوه بالرجوع عن هذا الباطل([10])، فلم يقبل نصائحهم، ولم يرجع عن باطله.
وكان يتحين الفرصة لإشعال معركة ضدي، فلم أكتب فيه شيئاً.
ثم وعدني وهو بالكويت عن طريق الهاتف بأنه سيتراجع عن أخطائه، ففرحت بهذا الوعد وبشرت خصومه بذلك، ففرحوا، فطلبت منهم التواضع للمغراوي والسعي في إعادة الأمور إلى مجاريها.
ثم بعد هذا عقد معي جلسة حول تراجعه قال فيها: لن أتراجع حتى أعود إلى بلدي، فأنظر في كتبي وأشرطتي، أما هنا فلا، فقلت: لك ذلك.
فذهب من عندي بعد الجلسة وأنا متفائل بعودته إلى الصواب.
فعقد في تلك الليلة نفسها جلسة مع طلاب المغرب الذين يدرسون في دار الحديث بمكة المكرمة، وكانوا يدرسون عندي مع طلاب العلم السلفيين.
فألزمهم بهجران ربيع ودروسه، فامتثلوا أمره لجهلهم وعصبيتهم وشرعوا في نشر الفتن والأكاذيب في مكة والمدينة ومسجديهما، فكنت آمر تلاميذي بالكف عن مواجهة هؤلاء الجهلة آملاً في أن يعود المغراوي إلى رشده، فما كان منه بعد هذا إلا أن أصدر شريطاً يصر فيه على باطله، ويطعن في العلماء الذين انتقدوا كلامه ونصحوه بالرجوع، فكانت بداية هذه الفتنة ونهايتها من المغراوي.
وألّف كتاباً يطعن فيه في ربيع والسلفيين، ويذكر فيه أخطاء الأنبياء والعلماء، ولم يذكر أخطاءه، ولم يتراجع عنها إلى اليوم.
ويقف إلى جانبه علي الحلبي الذي يدّعي أنه يحارب التكفير، وهذا من العجائب، والله يعلم ما يدور في الكواليس كما يقال.
وجدير بالذكر أنه مع كل ما صدر من المغراوي لم أصدر فيه كتاباً ولا شريطاً إلى يومي هذا.
وأذكر أنه بعد إكثار الأسئلة عليَّ من المغرب عن المغراوي، تلك الأسئلة التي كنت أنصح السائلين بالكف عنها حسماً للفتنة وانتظاراً لفيئة المغراوي.
ثم بعد شدة الأمر قلت : عنده أخطاء وعليه أن يرجع عنها.
فأقامت هذه الكلمة على المغراوي والمتعصبين له الدنيا ولم تقعدها.
فالحق مر على كثير من الناس، إلا من يوفقهم الله.
وبعد هذا، من هو أساس الفتن، أهو ربيع أو غيره أيها العقلاء؟؟
ثالثاً- فتنة أبي الحسن.
من أول يوم التقيت فيه بأبي الحسن الذي يدّعي السلفية سمعته في أول جلسة معه يدافع عن سيد قطب والإخوان المسلمين وجماعة التبليغ، فأزعج دفاعه هذا الحاضرين في تلك الجلسة، وبعد أن ذهب استشارني الحاضرون في هجره وكَشْفِ أمره، فرفضت ذلك، وقلت لهم نصبر عليه لعل الله أن يهديه ويوفقه للحق والاستقامة أو نحو هذا الكلام، ثم صار يكاتبني ويطريني ويزورني فأناصحه باللطف فيما أعرفه من انحرافه، وما ألمس منه رجوعاً إلى الحق.
إلى أن ألّف كتابه المسمى بِـ “السراج الوهاج”، ثم عرضه على بعض العلماء، ومنهم فيما أذكر العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- والمفتي الحالي للملكة -وفقه الله-، فانتقدا عليه بعض المسائل.
وأرسل لي نسخة من هذا الكتاب، فرأيت فيه انحرافاً عن منهج السلف ومكراً مغلفاً عرفت منه أنه متضجر من نقدي لأهل البدع ومن الأصول السلفية التي أنطلق منها، وعرفت منه تضجره من الشيخ مقبل –رحمه الله-.
فناقشته بغاية من اللطف في أكثر من خمسين مسألة عقدية ومنهجية وغيرهما، ولم أقل له أنت تقصد كذا وكذا، وتقصد فلاناً وفلاناً، وأرسلت له هذه المناقشات سراً مؤملاً فيه أن يتراجع عن أخطائه، فما رجع إلا عن القليل منها، وأصر على الباقي، فصبرت عليه أملاً أن يثوب هذا الرجل إلى رشده.
وكانت تأتيني الشكاوي من طلاب العلم باليمن من فتنته وغطرسته وتعاليه، فأصبرهم حرصاً على أن يفيء هذا الرجل ويثوب إلى رشده.
ثم بعد موت العلماء ومنهم الشيخ مقبل –رحم الله الجميع- هاج هذا الرجل بفتنة هوجاء قائمة على الاستكبار والاستعلاء، يرمي العلماء وطلاب العلم السلفيين باليمن بأنهم أراذل وأقزام وقواطي صلصة وغثاء، وخلال حملاته عليهم يرميهم بالأصاغر، والأصاغر دائماً تحت الأقدام.
ويعطي الصحابة نصيباً من هذا الطعن.
فأعطاني بعض السلفيين عدداً من الأشرطة التي فيها بعض حملاته الشعواء وتأصيلاته الكثيرة المناهضة لأصول السلف، فناقشته بلطف، وأرسلت هذه المناقشة سراً بيني وبينه، لعله يثوب إلى رشده، فرفض التراجع عن أي باطل من أباطيله، بل زاد عناداً، فأرسلت له نصيحة أخرى، فأعلنها حرباً عليَّ، واستمر يهدر ويرغي ويزبد بالفجور وتقليب الحقائق إلى أن بلغت أشرطته حوالي مائة وعشرين شريطاً، كما يقول بعض السلفيين المتابعون لنشاطه، وفتح موقعاً ملأه بالأراجيف.
فاضطررت أن أرد على القليل من أشرطته، أبين فيها ظلمه وفجوره وأصوله الفاسدة، والشرح لفتنته يطول.
ثم خلال هجومه الظالم صرّح في الشريط الرابع من أشرطته المسماة “مهلاً يا دعاة التقليد” الصادر عام (1418هـ) صرّح بقوله مجيباً على سؤال وجه إليه ونصه:
“لماذا لم تتكلم من قبل أن تحصل هذه الفتنة وتبين الأصول الفاسدة([11]) عند الشيخ ربيع وعند هؤلاء “.
فأجاب أبو الحسن على هذا السؤال الفاجر بقوله -بعد الثناء مكراً منه على من سماهم إخوانه- : ” أما الشيخ ربيع فأصوله هذه منقوضة في السراج من عام 1418هـ .
وهو نفسه في انتقاده يقول أنا أدري أنه يقصدني بهذا ، أنا أدري أنه يعنيني ، أنا أدري أنه يقصدني بهذا الكلام([12]) ، وضعت كتاب السراج الوهاج نحو سبعين ومأتي فقرة وفيها مناقشة لأفكار الشيخ ربيع كجانب الإفراط([13]) وأفكار الجماعات الأخرى كجانب التفريط”.
أقول: فمن هو البادئ بالحرب الظالمة ومن الذي بيَّت المكائد وبيَّت الفتن ومن هو أساسها؟؟
لقد كتب أبو الحسن كتابه “السراج” الذي ألَّفه في حياة العلماء الكبار، الذين أيدوا ربيعاً في أصوله ومنهجه في نقد أهل البدع، الذي ضمنه كتبه التي ألَّفها في حياة هؤلاء العلماء ومنها:
1- منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله.
2- وأضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره .
3- ومطاعن سيد قطب في أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
4- والحد الفاصل بين الحق والباطل.
5- والعواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم، كلها نقد لسيد قطب .
6- ومنهج أهل السنة في نقد الرجال والكتب والطوائف .
7- والمحجة البيضاء في حماية السنة الغراء .
8- ومكانة أهل الحديث.
9- وأهل الحديث هم الطائفة المنصورة والفرقة الناجية.
10- وكتاب جماعة واحدة لا جماعات وصراط واحد لا عشرات .
11- والنصر العزيز، وهما رد على عبد الرحمن عبد الخالق.
وكتب أخرى كتبتها في حياة المشايخ الكبار، وما من كتاب منها إلا أرسلتُ منه نسخاً للعلماء، بل ولبعض طلاب العلم، ولم يعارضني أحد من العلماء جميعاً، بل تأتي التأييدات من بعضهم صريحة، ومنهم من يحيل على كتبي في المعضلات ثقة بما يكتبه ربيع عن أهل البدع.
ومنهم من يصرح بمدح كتاباتي كما ينقل لي ذلك الثقات.
ويكفي المنصفين شهادة العلامة الألباني التي سأوردها إن شاء الله.
وهي مما سمعه أبو الحسن وعلي حسن وغيرهما.
وآخر ذلك ما قاله العلامة الألباني في كتابي ” العواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم” كما سيأتي.
فهذه المؤلفات التي ألفت في حياة العلماء الكبار هي التي أزعجت أهل الأهواء، ولا سيما عدنان عرعور والمأربي ومن يسايرهما، ولم يستطيعوا أن يثيروا الفتن في ذلك العهد، فلما توفي هؤلاء الأئمة انتهزوا الفرصة لإعلان الحرب الضروس فملئوا الدنيا فتناً وشغباً وألّفوا المؤلفات القائمة على الكذب والفجور والخيانات.
وفرّقوا الشباب السلفي في كل مكان في مشارق الأرض ومغاربها.
وعلي حسن يدعمهم ويدافع عنهم، ولعله يؤزهم أزاً إلى هذه الفتن العمياء.
رابعاً- تلك المكيدة التي دبروها في بريطانيا في عام (1420هـ) من ربط الشباب ربطاً محكماً بالحلبي ومن ذكر معه، ووضع الحواجز والسدود بين الشباب السلفي وعلمائهم، وتكرار هذه المكيدة في أمريكا وفرنسا وغيرهما كما أخبرني الثقات بهذا.
كلها فيها ربط الشباب في هذه المواضع بالحلبي ومن حوله.
ونص هذه المكيدة ما يأتي:
“بسم الله الرحمن الرحيم
دار الحديث بمأرب، وادي عبيدة
أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى. أما بعد:
فقد اطلعت على أسباب النـزاع بين الأخوة السلفيين في بريطانيا، وجالست الفريقين جمعا وتفريقا، وسمعت من كل طرف ما يجده على الآخر، وسمعت جواب الطرفين في ذلك، وتلخص لي من مجموع ذلك أن الجميع غيور على نصرة الحق، والدفاع عن هذه الدعوة المباركة، ولا أزكيهم جميعًا على الله عز وجل، لكن قد يحدث سوء فهم لبعض الأمور، أو خطأ من اجتهاد عند تطبيق قاعدة المصالح والمفاسد، وعلى كل حال فمثل هذا الخلاف لا يسوّغ الفرقة والتناحر، لا سيما والجميع فعل ما فعل ظاناً أنه يذب عن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإن كان هناك ما يخالف ذلك أحياناً.
على ذلك فإني ألخص حكمي في عدة أمور:
1- أن يتنازل كل منهم عن حقه الشخصي من أجل نصرة الدعوة والحفاظ على عرضها ولأن كلاً منهم قد خاض فيما لا يحمد والله المستعان.
2- يلزم الجميع الوفاء بالشرط الذي تم بينهما بواسطة الشيخ علي الحلبي والشيخ سليم الهلالي -حفظهما الله وسدد أمرهما على الهدى- فإن المؤمنين على شروطهم الجائزة شرعاً.
3- وبخصوص ما أنكره الأخ أبو خديجة ومن معه على الأخ عبد الحق ومن معه حول التساهل مع المخالفين للسلفية، فيلزم الأخ عبد الحق ومن معه الوضوح في أمر الدعوة مع الرفق واللين وإن كانوا قد فعلوا ذلك في نظرهم بنصح العلماء لهم بذلك فجزاهم الله خيراً على نيتهم، لكن لا بد من الوضوح في ذلك.
4- يلزم الأخ أبا خديجة ومن معه أن يغيروا المادة السابعة عشر في دعوتهم لمخالفتها الرحمة والقواعد المعروفة عند أهل السنة، ويلزمهم والفريق الآخر ألا يكتبوا في الدعوة إلا ما كتبه أهل العلم في ذلك، وأنصحهم بكتابة ما في نهاية مجلة الأصالة في هذا الباب، إن كان ولا بد عندهم من كتابة ذلك.
5- يلزم الجميع أن يرجعوا أمورهم -إذا اختلفوا- للشيخين علي بن حسن الحلبي وسليم ابن عيد الهلالي -حفظهما الله تعالى-؛ لأنهما أخير من عرفتُ بالدعوة في هذا البلد وبحال أهلها، وأكثر خلافات الفريقين راجعة إلى باب السياسة الشرعية في فهم واقع الدعوة والدعاة، وفهم باب ترجيح المصالح على المفاسد.
6- لا يذهب أحد من الفريقين إلى عالم آخر -يجهل الحال هنا، أو لا يحيط به كالشيخين المذكورين- فيسأله ويأخذ فتواه ويثير بها الفتنة بين إخوانه، إنما الرجوع للعلماء الآخرين يكون من قبل الشيخين المذكورين -حفظهما الله-.
7- لا يجيب الشيخان عن فتوى من أحد الطرفين – تتصل بالنـزاع أو تؤدي إليه- إلا بعد اتفاق الطرفين على صيغة السؤال، كيلا ينتزع كل من الطرفين فتوى يتذرع بها لمراده، بحجة اتباع أهل العلم، والأمر ليس كذلك، والله المستعان.
8- الأمور الإدارية في المساجد تبقى كما هي، إلا أن يرى الشيخان فساد أي إدارة فلهما الحق في تغييرها بعد نصحها، وبذل ما يمكن في إصلاح شأنها.
9- بعد عرض هذا الحكم والوقوف عليه -لا يسمح لأحد أن يعلق في مسجده أو غيره كلاماً يتصل بالنـزاع السابق، لأن ذلك يثير الخلاف من جديد- لا سيما إذا حدث سوء تعبير أو نحو ذلك.
10- يُفرَّق بين المسائل الإدارية الخاصة بكل مسجد أو جهة ما وبين المسائل العلمية الدعوية المنهجية، ففي المسائل الإدارية: لكل جهة أن تتخذ في جهتها ما يصلح لهم، دون أن يتعارض مع الشرع، وأما المسائل العلمية المنهجية فيرجع فيها للشيخين -حفظهما الله تعالى-.
11- التدريس من السلفي في مساجد المخالفين راجع لفهم السياسة الشرعية في تقدير المصالح والمفاسد في الحال والمآل، وهذا مرجعه للشيخين فقط، فإن أقرّا شيئاً من ذلك وإلا فلا، ويلزم الجميع التسليم بما قالاه، وعدم فتح المجال لمن دب ودرج.
12- تُوحّد المؤتمرات الدعوية السنوية أو غيرها في بريطانيا ، ويكون اختيار المشايخ المشاركين بعد استشارة الشيخين ، والعملُ وترتيبه وغير ذلك يكون من قبل الجميع مع المودة والرحمة ، إلا أن رأى الشيخان في ذلك شيئاً، فهما أعرف بالمصلحة في اشتراك فلان في ترتيب العمل أو منعه.
13- تصنيف الناس -لا سيما العاملين معنا في هذه الدعوة- ليس المجال فيه مفتوحاً لكل أحد إنما هو للشيخين، وأهل السنة هنا ينقلون قولهما في ذلك، ومن رأى -وهو أهل لذلك- خلاف قول الشيخين فليتشاور معهما، ولا يحدث بلبلة بين المسلمين السلفيين، حسماً لمادة النـزاع وسداً لذريعة الشر بين السلفيين، في بلد لا يخفى حاله على أحد، لا سيما بالأهلية للجرح والتعديل لم أجد هنا من يصلح لها.
14- أي مساعدة للدعوة بدون شرط مخالف على الدعاة لا يجوز لأحد أن يشنِّع على من قبلها ، إلا إذا كانت ستؤول بمفسدة، وتقدير هذه المفسدة راجع للشيخين، لا لكل أحد.
15- ليس المراد من وراء هذه الدعوة كسب زعامة أو وجاهة بين الناس، فإن من ([14]) كثرة الأتباع أو زيادة ([15]) الأطماع، فإن الله كاشفه، والله عز وجل يقول: (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ).
16- من أخذ بنصيحة الشيخين في هجر شخص أو إعلان النكير عليه، فلا يُنكر عليه الآخرون، بل يؤازرونه على عمله طالما أنه صادر بالشرط السابق.
17- يلزم أبا عبيدة أن يرد وقف المسجد في لوتن الذي أخذه بعد خروج محفوظ من الإدارة، لأن تبديل الوقف لا يجوز، والله عزّ وجل يقول: (فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَآ إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ)، وإن كانت هناك مسائل مادية خاصة فلها حكمها الخاص عند الشيخين.
18- الدعوة السلفية في بريطانيا دعوة الجميع، ولا يقال بأن المسجد الفلاني هو السلفي فقط، ومن لم يأت إليه فليس بسلفي، ومن قال ذلك فهو مفرِّق للصف، إنما هذه الفتوى تكون من الشيخين.
19- لا يُدعى أحد من المخالفين للمحاضرات أو نحوها في المساجد السلفية، وإن وقع شيء من ذلك دون دعوة له أو رضى بوجوده، فينظر في باب المصلحة والمفسدة، وعند الاختلاف يُرجع للشيخين ويعمل بنصيحتهما، وكذا لا يوزع السلفيون منشورات المخالفين، ويُرجع لِنفس التفصيل السابق.
20- الرجوع لاجتهاد العالم الخبير بالواقع والدليل الشرعي، وترك اجتهاد من ليسوا كذلك لاجتهاد ذاك العالم لا يسمى تقليداً مذموماً كما لا يخفى على أهل الشأن في ذلك.
21- لا يجوز الطعن في نيات إخواننا ولا يُتهم أحد منهم بجاسوسية أو غير ذلك، إلا بعد الرجوع للشيخين، ثم إن دعوتنا ولله الحمد ليس فيها شيء -في الجملة- يحملنا على ولوج هذا الباب الخطير، فإن دعوتنا ظاهرها كباطنها ولله الحمد، وظاهرها وباطنها على الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح.
22- دعوة الناس لفهم السياسة والثقافة يكون حسب ضوابط أهل السنة، لا على فهم أهل الفتنة، فمن تكلم في هذا فليوضح مراده، أو ليترك درءاً للمفسدة، فإن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
23- يلزم كل طرف أن يستسمح من الآخر مما لوّث به دينه ودعوته من غيبة أو شماتة أو دعاء على الآخر ونحو ذلك، قبل أن يأتي يوم لا درهم فيه ولا دينار، إنما هي الحسنة والسيئة.
24- الأشخاص الذين فيهم حدة —-([16]) من الطرفين، أو من يحب الظهور منهم —–([17]) عليهم أن يتوبوا إلى الله عزّ وجلّ، وإلا فإن العاقبة لهم غير حميدة، إلا من رحم الله عزّ وجلّ، والواجب أن كلاً منا يتهم نفسه، ولا يبالغ في تزكيتها والتماس المخارج لها.
25- أذكر الجميع بالعهد الذي أخذوه على أنفسهم بتقديم مصلحة الدعوة على أنفسهم، وبالحرص على رأب الصدع، وجمع الشمل.
26- من خالف ما في هذا الحكم، فهو مخالف لما أراه يقرب الأخوة في بريطانيا إلى الله ويجمع شملهم، وعلى ذلك فيُرجع إلى الشيخين ليتخذا ما يصلح شرعاً في حقه، ولو أدى ذلك إلى إصدار فتوى بهجره وعدم الالتفات إليه من جميع السلفيين في هذا البلد؛ لأن دعوتنا لا ترتبط بالأشخاص، ويجوز أن تسير دعوتنا بدون فلان أو فلان، وكما قالوا: “آخر الدواء الكي”، وإذا أفتى الشيخان بشيء من ذلك فمن له صلة من أهل العلم بالدعوة هنا يمكن أن يساعدهما ويؤيد كلامهما؛ لأن فتواهما يعمل بها من باب العمل بخبر العدل، كما هو معلوم عند أهل السنة، هذا السبيل الذي نستطيعه في سد أبواب الفتنة؛ لأنه ليس معنا سجن للمخالف، وليس معهم منا معاشات أو مرتبات فنقطعها عنهم، أو نقلصها عليهم، فالله عزّ وجلّ يقول: (فَاتَّقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)”.
تأمل هذه المكايد والمكر وأدرك أهدافها، واعرف أنها مرحلة خطيرة من مراحل فتنتهم.
انظر كيف أسقطوا العلماء، وحاولوا إبعاد الشباب عنهم، إلى آخر مكرهم وأهدافهم الدنيئة.
ثم تساءل: هل من يحترم السلفية وعلماءها يفعل مثل هذا المكر الكُبّار، والذي أدى إلى تمزيق السلفيين الذين تظاهر هؤلاء بالصلح بينهم، وهم يرمون إلى أشياء وأشياء ظهرت نتائجها السيئة لكل سلفي نبيل.
خامساً- وأخيراً جاء الدور النهائي للحلبي: فأثار فتنة ظالمة عمياء أشد مما سبقها، لعله اجتمعت هذه الأطراف كلها تحت راية الحلبي الذي أنشأ شبكة كل المنحرفين، المسماة زوراً بِـ “كل السلفيين”، وألّف الحلبي عدداً من الكتب، قائمة على المكر والختل والتلبيس وقلب الحقائق والتأصيل الباطل أو التطبيق لأصول أبي الحسن، والتشكيك في قواعد الجرح والتعديل، والإرجاف على من يطبقها على أهل الأهواء والفتن، ونشر حزبه أعداداً كثيرة من المقالات، قائمة على البغي والكذب على السلفيين، والدفاع عن أهل الباطل ومنهم أشرس دعاة الفتن، والدفاع عن رسالة تضمنت وحدة الأديان وأخواتها بأساليب وتمويهات سفسطائية مقيتة ومكابرات سخيفة.
ولفتنهم هذه أسباب:
1- منها حب الزعامة التي دفعتهم إلى التعالي على العلماء والسعي في إسقاطهم وإلى محاولة السيطرة على الشباب السلفي وقيادته إلى المهالك، ووضع الأصول لتحقيق هذه الغاية والسعي المتواصل في تضليلهم.
2- التهالك على الأموال وحب الدنيا ذلك الذي جعلهم أذناباً وجنوداً لأصحاب الأموال من المؤسسات الحزبية السياسية وغيرها، من من ضاق ذرعاً بالسلفية والسلفيين الذين ينتقدون تحزبهم، وينتقدون قياداتهم الضالة كسيد قطب والبنا ورؤوس الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ .
فترى كثيراً من الأموال التي تجمعها المؤسسات الحزبية باسم الأيتام والفقراء والمنكوبين تصب في جيوب هذا الحلبي وحزبه، فهم وأتباعهم ممن يصدق عليهم قول الله تعالى: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) [سورة المائدة:42].
لهذا لا تجد لهذه الطغمة تورعاً من أكل السحت و لا تورعاً من الكذب والخيانات والغدر بالمنهج السلفي وبمن يصبر على انحرافاتهم السنين والسنين.
3- الاستكبار الذي هو غمط الناس ورد الحق كما بيّنه رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، فهذا الاستكبار -الذي منه غمط علماء السنة ورد ما عندهم من حق واضح في الأصول والمنهج- يراه الفطناء ضارباً أطنابه في مواقفهم وفتنهم وأقوالهم القائمة على المكابرات والعناد.
فإذا عرف العاقل المنصف النـزيه أحوال هؤلاء، فلا يستغرب منهم الكذب والخيانة وقلب الحقائق، وجعل الظالم مظلوماً، والمظلوم ظالماً، والباطل حقاً، والحق باطلاً.
ومن قلبهم للحقائق ما تضمنه كثير من مقالاتهم ومؤلفاتهم، ومنها هذا المقال الذي أسموه ” السبب الأساس وراء إثارة الشيخ ربيع المدخلي للفتن بين السلفيين” ، قلبوا فيه الحقائق، فجعلوا الحق فيه باطلاً، والظالم مظلوماً، وافتروا على ربيع ما يخجل منه غلاة أهل الأهواء .
ولا زالوا يتوعدون فيه بمواصلة سيرهم على هذا المنهج المخزي والطرائق المظلمة .
والله لهم بالمرصاد يفضحهم ويخزيهم على رؤوس الأشهاد وعلى أيدي السلفيين الشرفاء النـزهاء). وتابع تتمة مقال شيخنا وبيان أن دعوته دعوة إلى الاجتماع والاعتصام بالكتاب والسنة، ومما قاله في المقال ونختم به:
(أما ربيع فيقول: والله إني لأتمنى أن ترجع الأمة كلها وتجتمع على كتاب ربها وسنة نبيها –صلى الله عليه وسلم-، ويسعى جاهداً للم شمل السلفيين وجمع كلمتهم بأقواله وأفعاله، وإذا رأى أي خلاف بين السلفيين لا يهدأ له بال، فيسعى لرأب الصدع بالمصالحة هنا وهناك، وهذا دأبه، وهو أمر معروف جداً عند السلفيين في كل مكان، وقد لا يتم له ما يريده ويسعى فيه لأن الواقع يصدق عليه:
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
فقد كثر الهدامون، وأخطرهم هذه الفئة؛ الحلبي وعرعور والمأربي ومن وراءهم).
وبهذا يظهر جليا أن شيخنا العلامة ربيع بن هادي من أحرص الناس على الاجتماع وبذل أسبابه ومن أبعد الناس عن أسباب التفرق والتنازع، وأنه كان دائم النصح وللمخالف والموافق، يكرر ذلك ويعيده، وهذا ما رأيته وشهدته في موافقه مع كثير من المخالفين، يصبر عليهم ويكرمهم إن جاؤوه في بيته وينصحهم تكرارا ومرار.
ومن أسباب طعونهم في شيخنا بعد وقاته ما قاله رحمه الله عند وفاة الإمام الألباني والعلامة ابن باز في نفس المقال السابق: (فمواقف علماء السنة وتأييدهم لكتاباتي ومنهجي وهذه الشهادات القوية الأمينة من العلامة الألباني أحرقت أكباد هؤلاء الهمج المتأكلين بدينهم، الذين يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً، وملأت قلوبهم حقداً وحنقاً، فدفعتهم إلى التربص وتحين الفرص للوثوب بفتنهم وأكاذيبهم وأراجيفهم على المنهج السلفي وعلى ربيع ومؤلفاته، فلما ذهب أولئك العلماء النـزهاء هبوا علانية بفتنهم وأراجيفهم لا يرقبون في السلفيين ومنهجهم وأصولهم إلاً ولا ذمة، بعد أن كانوا يتسترون على ما يبيتونه إلا لحن القول والأساليب الغامضة التي فسروها بأعمالهم والتي أعلنوها في حربهم الهمجية الضروس التي يأنف منها غلاة أهل البدع، بل والمنافقون).
فأسأل الله تعالى له الرضوان والرحمات من رب الأرض والسموات، وأن يجزيه عنا وعن المسلمين خير الجزاء.
والحمد لله رب العاملين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آهل وصحبه أجمعين.
([1]) هذا المقال أصله من كتابي (الفصول المضية في ترجمة الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي) وزدت عليه.
([2]) شريط: «نصيحة للسَّلفيِّين».
([3]) وكانت عند الشيخ مجموعة من البطاقات في الردّ على كتابه (الشورى)، وقد رأيتُها في مكتبته في عوالي المدينة قبل ذهابه إلى مكَّة.
([4]) مقدّمة كتاب «جماعةٌ واحدةٌ لا جماعاتٌ» (ص: 3 – 5).
([5]) «أهل الحديث» (ص: 5 – 6).
([6]) «مآخذ منهجية على سفر الحوالي» (ص: 2 – 3).
([7]) «التَّنكيل» ضمن (المجموع الحسن) (ص: 318).
([8]) ضمن «المجموع الحسن» (ص: 301 – 302).
([9]) وهذا بعد ذهاب كبار العلماء.
([10]) ألّف سلفيان في نقده كتابين تضمنا نصوصاً كثيرة واضحة صارحة بتكفيره للأمة، وأدانه ثلاثة عشر عالماً بهذا التكفير، عارضهم الحلبي والمأربي، وما عدنان عنهما ببعيد.
([11]) هكذا أصبحت الأصول السلفية المنبثقة من الكتاب والسنة أصولاً فاسدة في نظر أبي الحسن وحزبه الضال ، لأنها تنتقد سيد قطب وضلالاته والإخوان وضلالاتهم وجماعة التبليغ وضلالاتهم وتذود عن المنهج السلفي وحياضه.
([12]) قلت هذا الكلام بعد إعلان حربه لا حين انتقاده، فقد كنت متلطفاً به جداً.
([13]) هكذا يعتبر نقد أهل البدع وبيان ضلالهم بالحجج والبراهين إفراط ولقد وصف من يدين سيد قطب بالحلول ووحدة الوجود بأنهم غلاة وعلى رأس هؤلاء الشيخ الألباني والشيخ ابن عثيمين والشيخ الفوزان والشيخ الدويش والشيخ النجمي والشيخ زيد المدخلي والشيخ ربيع ونـزل عليهم أحاديث الخوارج وإذن فليس ربيع وحده هو الذي يمثل جانب الإفراط بل كل من خالف أبا الحسن فهو مفرط غالٍ مهما كانت منـزلته ولو اجتمع علماء السلفيين ومعهم الأدلة والبراهين على مخالفة أبي الحسن لرماهم بالجهل والظلم والغلو وواقعه الآن وموقفه من علماء السنة أكبر برهان وشاهد على ما تقول، ولكن هذه العنتريات كانت منه بعد ذهاب كبار العلماء.