قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا وما فيها من الفوائد
قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا وما فيها من الفوائد
  | 2521   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا وما فيها من الفوائد.
  • ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى
  • المكان: خطبة في يوم  21 صفر 1447هـ في مسجد السعيدي بالجهرا.

  • الخطبة الأولى
  إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
  • أما بعد فيا عباد الله:
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِي أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنَ تَوْبَةٍ فَقَالَ لاَ. فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ فَقَالَ نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلاَ تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ. فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ فَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلاً بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ. وَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ. فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ في صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ. فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأَرْضِ الَّتِى أَرَادَ فَقَبَضَتْهُ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ ». قَالَ قَتَادَةُ فَقَالَ الْحَسَنُ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ الْمَوْتُ نَأَى بِصَدْرِهِ. وفي لفظ: « فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَنَاءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِى . وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي . وَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا . فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبُ بِشِبْرٍ ، فَغُفِرَ لَهُ ».
  • عباد الله:
في هذه القصة العجيبة لهذا الرجل المسرف في الذنوب الذي أقبل تائبا إلى الله جادا في البحث عنها مع عظم جرمه حين قتل تسعة تسعين نفسا ولكن سعة رحمة الله أعظم ورحمته أكبر من ذنوب العباد ولو كان على الشرك الذي هو أعظم الذنوب. فمن جليل فوائد هذه القصة: بيان سعة رحمة الله ومحبته لتوبة عباده، قال سبحانه: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾، فلو بلغت ذنوب العباد عنان السماء ثم أقبل العبد على مولاه واستغفر من ذنوبه وتاب إلى الله كفر الله عنه سيئاته وقبل توبته وإنابته قال ﷺ: «قال الله تعالى: يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغفرة» [رواه الترمذي وصححه الألباني]، بشرط أن يحقق شروط التوبة من العزم على عدم العودة إلى الذنوب وندم على ما فرط في حق الله وأقلع عن ذنبه ولم يكن من المصرين وأرجع الحقوق إلى أهلها إن كان قد ظلمهم أو أخذ حقوقهم، والله تعالى يبشر عباده المذنبين فيقول: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾، فإلى متى يا صاحب الذنب أنت مصرٌ عليه، ألا تخاف أن يفجعك الموت وأنت عليه، ألا تخاف أن تقابل ربك وأنت متلبس به.
  • عباد الله:
من عظيم فوائد هذه القصة: أهمية الرجوع إلى العلماء في الفتوى، وعدم أخذ العلم والفتوى عن أهل الجهل والضلال، وللأسف تسلط الجهلاء على قنوات الإفتاء ومواقع التواصل فأفتوا بالجهل والهوى وضل كثيرا من الشباب بفتاواهم الجائرة وآرائهم الضالة، وقد حذّر r من هذا الصنف من الناس الذي يتصدرون الإفتاء وهم أجهل الجهلاء ومن أهل الأهواء، عن أبي هُرَيْرَةَ عن رسول اللَّهِ r أَنَّهُ قال: (سَيَكُونُ في آخِرِ أُمَّتِي أُنَاسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ ما لم تَسْمَعُوا أَنْتُمْ ولا آبَاؤُكُمْ فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ). [رواه مسلم]، فهؤلاء جاؤوا بفتاوى وآراء ما أنزل الله بها من سلطان، فتجرؤوا على الله وعلى رسوله وعلى الدين فتحدثوا باسم الدين، واستغلوا ذهاب وموت أهل العلم الكبار، فأفتوا بغير علم فضلوا في أنفسهم وأضلوا الناس معهم. عن عبد اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ قال سمعت رَسُولَ اللَّهِ r يقول: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ من الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حتى إذا لم يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ الناس رؤوسا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا). متفق عليه.
  • عباد الله:
ومن فوائد هذه القصة: أهمية الصحبة الصالحة والرفقة المؤمنة التي تعين العبد على التوبة والطاعة، وتبعده عن الشر والمعاصي، ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، وخطورة أصحاب الذنوب ورفقاء السوء، فالصاحب ساحب إما إلى الخير أو الشر، والمرء بخدنة وصاحبه، والقرين بالمقارن يقتدي، ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا • يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا﴾، فصاحب الذنب يجرك إليه، وصاحب البدعة يرشدك إليها حتى تكون من أهل المعاصي والبدع والضلال، قال ﷺ: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل». [رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني]. فهذا الرجل أرشده العالم إلى مصاحبة أهل القرية الصالحة والبعد عن القرية الفاسدة، وللأسف بعض أهل الطاعة والمستقيمين يبدأ يتساهل في مصاحبة أهل الجهل واللهو وضياع الأوقات حتى يبدأ بالضعف شيئا فشيئا حتى يترك الاستقامة ويبتعد عن طريق الطاعة والهداية، فاحذ أشد الحذر من هذا المسلك وهذا التساهل. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مَنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
  • الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
  • أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ- عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ؛ فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
  • عباد الله:
ومن جميل فوائد هذه القصة: عدم احتقار شيء من المعروف ولو كان قبل الموت بلحظات فهذا حين أدركه الموت نأى ودفع بصدره نحو القرية الصالحة، فكان ذلك من أسباب ناجته بعد رحمة الله تعالى، بل حين علم الله صدقه بالتوبة أوحى إلى القرية الصالحة أن تقربي وإلى القرية الفاسدة أن تباعدي فمن أعظم رحمة الله بعباده التائبين المقبلين، ومن وصايا نبينا صلى الله عليه وسلم أن لا نترك شيئا من الحسنات ولو كانت من الأعمال القليلة اليسيرة فقد تكون نجاة العبد بسبب هذه الحسنة التي غفل عنها الناس أو تكاسل عنها المقصرون، عَنْ أَبِى ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: « لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ ». [رواه مسلم]، وعن أبي جُرَيٍّ الهُجَيمِي رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إنا قوم من أهل البادية فعلمنا شيئًا ينفعنا الله به. فقال: (لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط، وإياك وإسبال الإزار، فإنه من المخيلة ولا يحبها الله، وإن امرؤ شتمك بما يعلم فيك فلا تشتمه بما تعلم فيه، فإن أجره لك، ووباله على من قاله). [رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح]. ومن فوائدها أن العبرة بالخواتيم، فاسألوا الله الخاتمة الحسنة، وابذلوا أسباب حصولها، ومن الفوائد وجوب المبادرة إلى التوبة وعدم التسويف والتساهل في تأخيرها فما يعلم العبد متى يحين أجله، وهل يجد فرصة للتوبة أم لا، ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.