- خطبة بعنوان: فتنة المسيح الدجال.
- ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى
- المكان: خطبة في يوم 7 صفر 1447هـ في مسجد السعيدي بالجهرا.
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
إن من أعظم الفتن والابتلاءات العظمى، ومن أشراط الساعة الكبرى: خروج المسيح الدجال، وما من نبي إلا وقد حذر أمته من فتنته وعظيم الابتلاء به، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور، ومكتوب بين عينيه: ك ف ر» ، وفي لفظ: «الدجال مكتوب بين عينيه: ك ف ر؛ أي: كافر) [رواه البخاري].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم عن الدجال حديثًا ما حدثه نبي قومه؟ إنه أعور، وإنه يجيء معه مثل الجنة والنار، فالتي يقول إنها الجنة هي النار، وإني أنذرتكم به كما أنذر به نوح قومه) [رواه البخاري].
بل لشدة فتنته أمرنا صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة منها حتى في صلاتنا، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا تشهد أحدكم، فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال» [رواه مسلم]. قال الإمام الآجري: «استعاذ النبي صلّى الله عليه وسلّم من الدجال، وعلَّم أمته أن يستعيذوا بالله من فتنة الدجال، فينبغي للمسلمين أن يستعيذوا بالله العظيم منه. وقد حذر أمته ـ في غير حديث ـ الدجالَ، ووصفه لهم، فينبغي للمسلمين أن يحذروه، ويستعيذوا بالله من زمان يخرج فيه الدجال، فإنه زمان صعب، أعاذنا الله وإياكم منه. وقد روي أنه قد خلق، وهو في الدنيا موثق بالحديد إلى الوقت الذي يأذن الله عزّ وجل بخروجه(، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وأعظم الدجاجلة فتنة الدجال الكبير الذي يقتله عيسى ابن مريم، فإنه ما خلق الله من لدن آدم إلى قيام الساعة أعظم من فتنته، وأمر المسلمين أن يستعيذوا من فتنته في صلاتهم).
لقد بين لنا نبينا صلى الله عليه وسلم كثيرا من صفاته وأخباره حتى يحذره المؤمنون ويسلموا من فتنته، فمن صفاته الخَلقية: أنه أعور العين: جاء في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا الدجال» [متفق عليه]، وأنه رجل أحمر، جسيم، جعد الرأس، كثير الشعر، كما جاء في حديث حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدجال أعور العين اليسرى، جفال الشعر، معه جنة ونار، فناره جنة وجنته نار» [رواه مسلم] . وجفال الشعر؛ أي: كثيره، ومن صفاته من صفاته: أنه قصير، أفحج؛ أي: أنه إذا مشى باعد بين رجليه، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إني قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا، إن مسيح الدجال رجل قصير، أفحج، جعد، أعور، مطموس العين ليس بناتئة ولا جحراء، فإن ألبس عليكم فاعلموا أن ربكم ليس بأعور( [رواه أبو داود]. وأنه مكتوب بين عينيه كافر إلى غير ذلك من الصفات الواردة في السنة ليعرفه الناس فيحذروه.
وأما علامات خروجه فقد جاء في حديث الجسَّاسة الذي ترويه فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، وفيه أن الدجال يسأل تميمًا الداري رضي الله عنه وأصحابه: «فقال: أخبروني عن نخل بَيْسان. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ قلنا له: نعم. قال: أما إنه يوشك أن لا تثمر. قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء. قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زغر. قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم. هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب، وأطاعوه. قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم. قال: أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه. وإني مخبركم عني؛ إني أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج» [رواه مسلم]. ويخرج من جهة المشرق، ثم يسير في الأرض فلا يترك بلدًا إلا دخله ما عدا مكة والمدينة. فعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها: خراسان، يتبعه أقوام كأن وجهوههم الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ» [رواه الترمذي]. والذي دلَّت عليه الأحاديث أن خروجه بعد خروج المهدي، وقبل نزول عيسى عليه السلام، وأنه يمكث أربعين يومًا، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، ووهو سريع في الأرض، كالغيث استدبرته الريح، لا يتركه بلدا إلا دخله إلا مكة والمدينة. وأما اتباعه ففي حديث أنس رضي الله عنه: «يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفًا» [رواه مسلم]، ومن أتباعه: قبائل من المشرق من الترك والخوز وغيرهم، ومن أتباعه أيضًا: المشركون، والمنافقون الذين في جزيرة العرب، دلَّ عليه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يجيء الدجال حتى ينزل في ناحية المدينة ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات فيخرج إليه كل كافر ومنافق» [متفق عليه]. ومن أتباعه الخوارج.
ومن عظيم فتنته أن الله تعالى يبتلي العباد بإنزاله الإمطارِ والإنباتِ ودَرِّ الْماشيةِ وإخراجِ كُنوزِ الأرضِ. ففي الحديث: ((فيَأتي على القَومِ فيَدعوهم فيُؤَمِنونَ به ويَستَجيبونَ لَه، فيَأمُرُ السَّماءَ فتُمطِرُ والأرضَ فتُنْبِتُ، فتَروحُ عليهم سارِحَتُهم أطوَلَ ما كانت ذُرًا وأسبَغَه ضُروعًا وأمَدَّه خَواصِرَ، ثُمَّ يَأتي القَومَ فيَدعوهم فيردُّونَ عليه قَولَه، فيَنصَرِفُ عَنهم فيُصبِحونَ مُمحِلِينَ لَيسَ بأيديهم شَيءٌ من أموالِهم، ويَمُرُّ بالخَربةِ فيَقولُ لَها: أخرِجي كُنوزَكِ. فتَتبَعُه كُنوزُها كيَعاسيبِ النَّحلِ).
ومن فتنته: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج الدجال، فيتوجه قِبَله رجل من المؤمنين؛ فتلقاه المسالح مسالح الدجال فيقولون له: أين تعمد؟ فيقول أعمد إلى هذا الذي خرج. قال: فيقولون له: أوما تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء. فيقولون: اقتلوه. فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحدًا دونه؟ قال: فينطلقون به إلى الدجال، فإذا رآه المؤمن قال: يا أيها الناس هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فيأمر الدجال به فَيُشبَحُ، فيقول: خذوه وشجوه، فيوسع ظهره وبطنه ضربًا. قال: فيقول: أوما تؤمن بي؟ قال: فيقول: أنت المسيح الكذاب. قال: فيؤمر به فيؤشر بالمئشار، من مفرقه حتى يفرق بين رجليه. قال: ثم يمشي الدجال بين القطعتين، ثم يقول له: قم فيستوي قائمًا. قال: ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة. قال: ثم يقول: يا أيها الناس إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس. قال: فيأخذه الدجال ليذبحه؛ فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسًا فلا يستطيع إليه سبيلاً. قال: فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به، فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار وإنما ألقي في الجنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين » [رواه مسلم]. ومع هذا كله؛ إلا أن المؤمن الصادق لا يعبأ بهذه الخوارق التي مع الدجال ولا يجزع منها، فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: «ما سأل أحدٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الدجال أكثر ما سألته، وإنه قال لي: ما يضرك منه؟ قلت: لأنهم يقولون: إن معه جبل خبز، ونهر ماء. قال: هو أهون على الله من ذلك »[متفق عليه]. بمعنى: هو أهون على الله من أن يجعل ما يخلقه الله تعالى على يده مضلًّا للمؤمنين، ومشككًا لقلوب الموقنين؛ بل ليزداد الذين آمنوا إيمانًا، وليرتاب الذين في قلوبهم مرض، والكافرون، كما قال له الذي قتله ثم أحياه: ما كنت قط فيك أشد بصيرة مني الآن. والحمد لله رب العالمين.
الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
- أَمَّا بَعْدُ: عباد الله:
وأما هلاك الدجال فإنه يقتله المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام لما ينزل، فإذا رآه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته ويقتله بباب لد في فلسطين. ومما يعصم من فتنته: معرفته علاماته وقراءة الأحاديث الواردة فيه والاستعاذة بالله من شره، والفرار منه والابتعاد عنه: قال صلى الله عليه وسلم: (من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات ) [رواه أبو داود]، وكذلك العمل الصالح والاشتغال بالطاعة: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بادروا بالأعمال ستاً: طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، أو خاصة أحدكم، أو أمر العامة ) [رواه مسلم]، ومما يعصم من فتنته حفظ آيات من سورة الكهف، وذلك بقراءة عشر آيات من أولها أو آخرها، ففي الحديث: «من أدركه منكم، فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف». [رواه مسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم: «من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصِم من الدجال» ، وفي رواية: «من آخر الكهف»[رواه مسلم].