- خطبة بعنوان: فضل تكبير الله تعالى.
- ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى
- المكان: خطبة في يوم 3 ذو الحجة 1446هـ في مسجد السعيدي بالجهرا.
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون).
- أَمَّا بَعْدُ: عباد الله:
ها نحن في أيام الله عظام أيام العشر من ذي الحجة تتضاعف فيها الأجور وتعظم في الحسنات، هي أيام أحب العمل الصالح إلى الله فيها، ومما يشرع في هذه الأيام ذكر الله وتكبيره وشكره على إحسانه وإنعامه، فالذكر والتَّكْبِيرُ لله تعالى له خاصية في هذه الأيام، مِنْ أَوَّلِ دُخُولِ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ إِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لِقَوْلِ اللهِ سُبْحَانَهُ: )لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ( [الحج:28]، وَهِيَ أَيَّامُ العَشْرِ، وقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: )وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ([البقرة:203]، وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ نُـبَيْشَةَ الهُذَلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ]، وَذَكَرَ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ: أَنَّهُمَا كَانَا يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ أَيَّامَ الْعَشْرِ فَيُـكَبِّـرَانِ وَيُكَبِّـرُ النَّاسُ بِتَـكْبِيرِهِمَا. وهذا التكبير المطلق، وَأَمَّا التَّكْبِيرُ المُقَيَّدُ فَيَكُونُ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ المَفْرُوضَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ - لِغَيْرِ الحَاجِّ - إِلَى صَلَاةِ العَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
يردد المسلم في صلاته وفي ذكره وفي دعائه وفي أذانه وجهاده وفي هذه الأيام (الله أكبر الله أكبر) فالله سبحانه وتعالى أكبر من كل شيء، وأعظم وأجلّ من كل شيء، وأنه ما من شيء مهما كَبُر فإنه يصغر عند كبرياء الله وعظمته، وعليه أن يعلم أن كبرياء الرب وعظمته وجلاله وكماله وسائر أوصافه ونعوته لا يمكن أن تحيط به العقول، أو تدركه الأبصار والأفكار، فالله أعظم وأكبر من ذلك، قال تعالى: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا)، ومن علم أن الله عزّ وجل هو الكبير الذي ليس شيء أكبر منه ذلّ لربه وانكسر بين يديه، وصرف له جميع أنواع العبادة، وأنه وحده تبارك وتعالى المستحق لذلك كله دون سواه، وأن كل من أشرك بالله عزّ وجل شيئًا أو شبهه بشيء من خلقه فما قدّر الله حق قدره ولا عظمه حق تعظيمه، كما قال تعالى: (وربك فكبر)، قال ابن القيم رحمه الله: (فالله سبحانه أكبر من كل شيء ذاتا وقدرا ومعنى وعزة وجلالة فهو أكبر من كل شيء في ذاته وصفاته وأفعاله كما هو فوق كل شيء وعال على كل شيء وأعظم من كل شيء وأجل من كل شيء في ذاته وصفاته وأفعاله).
لا يفتر لسانك عن ذكر الله وتكبيره فالتكبير له فضائل كثيرة لما له من المعاني وما له من الآثار، فتكبير الله غراس الجنة، ووقاية للعبد من النيران وسبب لدخول الجنان، فهذا إبراهيم الخليل عليه السلام يُقرئ هذه الأمة السلام، ويوصيكم بهذه الوصية، فعليكم بها تسلموا وتغنموا، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«لَقِيْتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أَقْرِئ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلاَمَ، وَأَخْبِرهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ ، عَذْبَةُ الْمَاءِ ، وَأَنَّهَا قِيْعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا: سُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ للهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ اكْبَرُ» [رواه الترمذي وحسنه الألباني]. ، وتكبير الله تعالى أفضل من الدنيا وما فيها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :«لأَنْ أَقُولَ : سُبْحَانَ اللهِ ، وَالْحَمْدُ للهِ ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، وَاللهُ اكْبَرُ ، أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ» [رواه مسلم]، تكبير الله من أسباب تكفير الخطايا وتساقط الذنوب فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِشَجَرَةٍ يَابِسَةِ الْوَرقِ فَضَرَبَهَا بِعَصَاهُ فَتَنَاثَرَ الْوَرقُ ، فَقَالَ :«إِنَّ الْحَمْدَ للهِ وَسُبْحَانَ اللهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ اكْبَرُ ، لَتُسَاقِطُ مِنْ ذُنُوبِ الْعَبْدِ ، كَمَا تَسَاقَطَ وَرَقُ هَذِهِ الشَّجَرِةِ» [رواه الترمذي وحسنه الألباني]، والتكبير من أحب الكلام إلى الله تعالى فعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :«أَحَبُّ الْكَلاَمِ إِلَى اللهِ أَرْبَعٌ : سُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ للهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ واللهُ اكْبَرُ ، لاَ يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ ...) [رواه مسلم]، تكبير الله وقاية للعبد من النار، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :«خُذوا جُنَّتَكُمْ». قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَمِنْ عَدُوٍّ قَدْ حَضَرَ؟ قَالَ:«لاَ ، وَلَكِن جُنَّتكُمْ مِنَ النَّارِ قُولُ : سُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمدُ للهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ ، فَإِنَّهُنَّ يَأتِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُجنّباتٍ وَمُعَقِّباتٍ وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ» [رواه النسائي وحسنه الألباني]. والتكبير من أثقل ما يكون في الميزان، فعَنْ أَبِي سَلمَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:«بَخٍ بَخٍ وَأَشَارَ بِيَدِهِ بِخَمْسٍ! مَا أَثْقَلهُنَّ فِي الْمِيْزَانِ، سُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ للهِ وَلا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ اَكْبَرُ، وَالْوَلَدُ الصَالِحُ يُتَوَفَّى لِلمَرْءِ الْمُسْلِمِ فَيَحْتَسِبُهُ» [رواه أحمد وصححه الألباني].
وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّهٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْل زَبَدِ الْبَحْرِ» [متفق عليه].
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
فَأُوصِيكُمْ -عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
تكبير الله تعالى ليست مجرد كلمة تُقال، بل هي عقيدة تحيي القلوب، وتحرر النفوس، وتثبت الأقدام، وتسمو بالأرواح، فالله أكبر من كل شيء بصفاته وذاته وأفعاله، من أيقن بأن الله أكبر، عرف ذل غيره وصغره، من قال الله أكبر صغرت عنده الشهوات والشبهات والملذات وتصاغرت في عينه الدنيا وما فيها، من عرف أن الله أكبر عرف أن الأمور بيده وأن القلب يجب أن يتعلق به ويعتمد عليه ويتوكل عليه وعند ذاك تصاغرت الدنيا وما فيها من الجاه والمال، فالله أكبر من جميع الخلق فلو اجتمعوا على أن ينفعوك أو يضروك بشيء لم يكتبه الله لك أو عليك لما استطاعوا فالله أكبر، و حين يعلم المسلم أن الله أكبر من كل كبير، فإن قلبه يمتلئ بالتعظيم والإجلال لله، فلا يُعظم مخلوقًا ولا يُقدم أحدًا على أمر الله، بل يكون الله في نفسه أعظم من كل سلطان وجاه ومال. قال تعالى وقال تعالى: ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )، والإيمان بأن الله أكبر يعين على قدر الله حق قدره.
ولأجل هذا شرع في بداية الصلاة وفي كل حركاتها أن يقول العبد الله أكبر، قال ابن القيم رحمه الله: (افتتاح الصلاة بهذا اللفظ المقصود منه استحضار هذا المعنى، وتصوره سر عظيم يعرفه أهل الحضور المصلون بقلوبهم وأبدانهم، فإن العبد إذا وقف بين يدي الله عز وجل وقد علم أن لا شيء أكبر منه وتحقق قلبه ذلك وأشربه سره استحي من الله ومنعه وقاره وكبرياؤه أن يشغل قلبه بغيره وما لم يستحضر هذا المعنى فهو واقف بين يديه بجسمه وقلبه يهيم في أودية الوساوس والخطرات وبالله المستعان). انتهى كلامه رحمه الله.
روى مسلم في صحيحه من حديث أبي قتادة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ على اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ التي بَعْدَهُ))، وعرفة يصادف الخميس القادم فلا تغفلوا عن صيامه فهو يوم يمر عليكم في السنة مرة فطبقوا فيه السنة.