- العنوان: الثبات على الإيمان بعد رمضان.
- القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
- المكان: خطبة جمعة ألقاها 3 شوال عام 1437هـ في مسجد السعيدي بالجهراء، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد،،،
فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد،،
عباد الله، فإنه وإن انقضى شهر رمضان بما يحمله كل إنسانٍ من عمل، فإن خيرًا فخير، وإن شرًا فلا يلومن إلا نفسه، وإن انقضى هذا الشهر فإن عمل المؤمن لا ينقضي قبل الموت، يقول المولى –سبحانه وتعالى-:
﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾[الحجر:99] أي حتى يأتيك الموت، قال –سبحانه و تعالى- أيضًا:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102].
ويقول نبينا –صلى الله عليه وسلم-:
«إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ» فلم يجعل لانقطاع العمل غايةً إلا الموت، فلله –عز وجل- عباداتٍ تُؤدى في مواقيتها يوميًا وأسبوعيًا وسنويًا، وهذه العبادات منها ما هو من أركان الإسلام، وواجباته ودعائمه العظام، ومنها ما هو من مستحباته ومكملاته، فلأن انقضى صيام شهر رمضان، فإن المؤمن لم ينقطع عن عبادة الصيام بذلك، فالصيام لا يزال مشروعًا –ولله الحمد- في العام كله، مثل صيام الأيام البيض وهي: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر من كل شهرٍ هجري.
قال النبي –صلى الله عليه وسلم-:
«ثَلَاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ»، رواه مسلم وقال أبو هريرة –رضي الله تعالى عنه-:
"أوصاني خليلي –صلى الله عليه وسلم- بثلاث" وذكر منها صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر، وكذلك صيام شهر الله المحرم، وأكثر شهر شعبان، ويوم الإثنين والخميس، وغير ذلك من أيام الصيام.عن عائشة –رضي الله عنها- قالت:
"كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يتحرى صيام الإثنين والخميس".
وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال نبينا –صلى الله عليه وسلم
-:«تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَومَ الاثْنَيْنِ وَالخَمِيسِ، فَأُحِبُّ أنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأنَا صَائِمٌ» رواه الترمذي.
ولأن انقضى قيام شهر رمضان فإن القيام وصلاة الليل لا تزال مشروعة –ولله الحمد- في كل ليلة من ليالي السنة، ثابتةً من فعل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وقوله، لكن قصد الجماعة لها لا يكون إلا في رمضان، ففي صحيح البخاري عن المغيرة بن شعبة –رضي الله عنه- قال:
"إن كان النبي –صلى الله عليه وسلم- ليقوم أو ليصلي حتى ترم قدماه" أي تتفطر قدماه، فيقال له، فيقول:
«أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» وعن عبدالله بن سلامٍ –رضي الله عنه- قال النبي –صلى الله عليه وسلم-:
«يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِالْلَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِسَلَامٍ» رواه الترمذي وقال حسنٌ صحيح.
وفي صحيح مسلمٍ عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال:
«أَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ». وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه
«ينزل رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ».
عباد الله، إن للقبول والربح في هذا الشهر علامات، وللخسارة والرد علاماتٌ واضحة يعرفها كل إنسانٍ من نفسه، ففكروا في أنفسكم، فمن كان حاله في الخير والاستقامة بعد رمضان أحسن من حاله قبله، ومن حسن سلوكه وعظمت رغبته في الطاعة وابتعد عن المعاصي ونفر منها بعد رمضان؛ فهذا دليلٌ على قبول أعماله الصالحة في رمضان، ودليلٌ على ربح تجارته في رمضان، ومن كان بعد رمضان كحاله قبله أو أسوأ، مقيمٌ على المعاصي، بعيدٌ عن الطاعة، يرتكب ما حرم الله، ويترك ما أوجب الله، يترك الصلاة ولا يحضر الجمع والجماعات، يسمع النداء للصلاة فلا يجيب، ويعصي فلا يتوب، لا يدخل مع المسلمين في بيوت الله، ولا يتلو كتاب الله، ولا يتأثر بالوعد والوعيد، ولا يخاف من التهديد، سماعه للأغاني والمزامير، ونطقه قول الزور، وغير ذلك من أنواع الفجور؛ فهذا لم يستفد من رمضان وعلامةٌ على الآثام والخسران.
كما أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- أن جبريل –عليه السلام- قال له-:
«إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَانِي، فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ، فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَمَاتَ، فَدَخَلَ النَّارَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ. فَقُلْتُ: آمِينَ» فهذا خبرٌ عن محمدٍ –صلى الله عليه وسلم- عن جبريل –عليه السلام- أن من أدركه رمضان فلم يغفر له فيه ومات على هذه الحالة أنه متوعدٌ في النار ودعى عليه جبريل بالبعد عن رحمة الله وأمن على ذلك رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فيا عظم الخسارة ويا فداحة المصيبة ويا هول العقوبة.
فيا من عرفت ربك في رمضان: كيف نسيته بعد رمضان؟ لقد كانت المساجد في رمضان تغص بالمصلين -في الأوقات الخمسة- برجالٍ لم ينزلوا من السماء؛ وإنما يسكنون بجوار المساجد طول السنة، ويملئون البيوت؛ لكنهم لا يعرفون المساجد في غير رمضان، ولا يعرفون الصدقة والمساكين إلا في رمضان فاجتهدوا عباد الله في طاعة الله، وذكروا أولادكم وأهليكم بمداومة العبادة لله، ولا تنسوا إخوانكم، وأقاربكم، وجيرانكم الفقراء المحتاجين، صلوهم وأطعموهم، واكسوهم وانفقوا عليهم؛ تحوزوا الأجر العظيم؛ فرب صدقةٍ صغيرة لا تلقي لها بالًا؛ تكون حرزًا لك من نار جهنم؛ وسببًا في دخول الجنة.
روى الترمذي والنسائي عن أبي هريرة –رضي الله تعالى عنه- قال نبينا –صلى الله عليه وسلم-:
«مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، إِلَّا أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً، فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَلِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ» فقولوا ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه ف
﴿إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾[يوسف:98]
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعد،،،
عباد الله، اعلموا أن من هدي النبي –صلى الله عليه وسلم- وسنته في هذا الشهر -ألا وهو شوال- أنه كان يصوم منه ستة أيام، ففي صحيح مسلمٍ عن أبي أيوب الأنصاري –رضي الله تعالى عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال:
«مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ»، وذلك أن الحسنة بعشر أمثالها فصيام رمضان يقابل صيام عشرة أشهر وصيام ستةٍ من شوال يقابل شهرين فكان ذلك تمام السنة وكأنما صام الدهر.
وقد رتب النبي –صلى الله عليه وسلم- هذا الثواب على إتمام صيام رمضان؛ فمن كان عليه قضاء فليبادر بالقضاء، ثم يصوم الستة من شوال وسواءٌ صام هذه الست متقطعةً أو متصلة؛ فكل ذلك جائز، وليس من ذلك صيام يوم العيد الذي مضى فإن صيام يوم العيد محرمٌ ومنهيٌ عنه فاجتهدوا إخواني في فعل الطاعات، واجتنبوا الخطايا والسيئات؛ لتفوزوا بالحياة الطيبة في الدنيا، والأجر الكثير بعد الممات.
يقول –سبحانه وتعالى-:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[النحل:97] اللهم ثبتنا على الإيمان والعمل الصالح، وأحينا حياةً طيبة وألحقنا بالصالحين، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات،
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾[البقرة:201] اللهم تقبل صيامنا وقيامنا يا رب العالمين، واجعلنا من المقبولين في ذاك الشهر الكريم، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.