- خطبة بعنوان: (قل هو الله أحد).
- ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى.
- المكان: خطبة في يوم 15 جمادي الأول 1444هـ في مسجد السعدي بالجهرا.
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
- أَمَّا بَعْدُ: فَيَا عِبَادَ اللهِ:
لقد أنزل الله كتابه المبين، فيه هدى للناس وموعظة للمتقين، (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا)، فمن آمن به نجى واهتدى، ومن تركه ضل وغوى، (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، ولِمَا فيه من البركات والهدى والعظات أمرنا الله تعالى بتدبره وفهمه والعمل بما فيه والأخذ بحكمه، فقال: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ).
إن من السور العظيمة الذكر الجليلة القدر: سورة الإخلاص (قل هو الله أحد)، فحري بالمؤمن أن يعرف فضلها ومعناها وما دلت عليه آياتها، ومما ورد في سبب نزولها ما جاء عن أبي بن كعب رضي الله عنه: أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انسب لنا ربك. فأنزل الله (قل هو الله أحد الله الصمد). [رواه أحمد والترمذي وحسنه الألباني]، فهي صفة الرحمن ومن قرأها أحبه الله، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَجُلاً عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ في صَلاَتِهِ فَيَخْتِمُ بِـ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ للنبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «سَلُوهُ لأَي شيء يَصْنَعُ ذَلِكَ ». فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا. فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: «أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ». [رواه البخاري ومسلم وفي لفظ للترمذي]: يا رسول الله إني أحبها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن حبها أدخلك الجنة). فهذه السورة من موجبات الجنة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَقْبَلْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَمِعَ رَجُلاً يَقْرَأُ { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ } فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَجَبَتْ». قُلْتُ: وَمَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: «الْجَنَّةِ». [رواه النسائي وصححه الألباني]، ومن لازمها بنى الله له قصرا في الجنة، فعَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :«مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ حَتَّى يَخْتِمَهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ». [رواه أحمد وحسنه الألباني]
ومن فضائل هذه السورة أنها مما كان يستعيذ بها النبي صلى الله عليه وسلم، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) وَ ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) وَ ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. [رواه البخاري]. فهذه السورة مع المعوذات من أسباب حفظ الله للعبد من الشيطان ومن كل أذى، فعن معاذ بن عبد الله بن خبيب عن أبيه أنه قال: خرجنا في ليلة مطر وظلمة شديدة نطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي لنا، فأدركناه فقال: (أصليتم؟) فلم أقل شيئا. فقال: (قل) فلم أقل شيئا ثم قال: (قل) فلم أقل شيئا. ثم قال: (قل) فقلت: يا رسول الله ما أقول؟ قال: قل (قل هو الله أحد) والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء. [رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح].
إن سورة بهذا الفضل والمكانة حري أن تعدل ثلث القرآن لما فيها من معاني الكمال وصفات الجلال، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «احْشِدُوا فإني سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ». فَحَشَدَ مَنْ حَشَدَ ثُمَّ خَرَجَ نبي اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ثُمَّ دَخَلَ فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ إني أُرَى هَذَا خَبَرٌ جَاءَهُ مِنَ السَّمَاءِ فَذَاكَ الَّذِى أَدْخَلَهُ. ثُمَّ خَرَجَ نبي اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إني قُلْتُ لَكُمْ سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ أَلاَ إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ».[رواه مسلم]، وقد تلمس أهل العلم سبب كونها تعدل ثلث القرآن، فمما قيل في ذلك أن القرآن إما أحكام أو ثواب وعقاب أو توحيد، وقد أخلصت هذه السورة ذكر توحيد الله تعالى في أسمائه وصفاته. فقوله: (اللَّهُ أَحَدٌ) أي: الله متفرِّد بالعظَمةِ والكمال، ومتوحِّد بالجلال والجمال والمجد والكبرياء، يحقق ذلك، قوله: (اللَّهُ الصَّمَدُ) أي: الله السيد العظيم الذي قد انتهى في سؤدده ومجده وكماله، ومن معاني الصمد أنه الذي تصمد إليه الخلائق كلها وتقصده في جميع حاجاتها، وقوله: (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ) أي ليس له مكافئ ولا مماثل ولا نظير، فنزّه الله نفسه وقدسها عن كل نقص وندّ وكُفؤ ومثيل، فحُقّ لسورة تشتمل على هذه المعارف أن تعدِل ثُلُث القرآن.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
إن إثبات كمال الله تعالى وغناه عن خلقه من أعظم ما قررته هذه السورة الجليلة القدر، فيجب على المسلم أن يحقق التوحيد لله ويؤمن بإثبات أسماء الله تعالى وصفاته وأن ينفي عن الله تعالى جميع صفات النقص، وينزهه عن كل عيب، فلا ند له ولا نظير ولا زوجة ولا والد ولا ولد، وهذا ما دعا إليه أنبياء الله جميعا، فدعواتهم صَادِعَة بِتَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى فِي رُبُوبِيَّتِهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ، وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ, مُنَزِّهَة لِلَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ عَنْ كُلِّ مَا وَصَفَهُ بِهِ الْمُشْرِكُونَ, قَالَ تَعَالَى: (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات:180-182]، وَمِنْ أَعْظَمِ الْفِرَى وَأَكْبَرِ الظُّلْمِ وَأَشَدِّ الكُفْرِ: نِسْبَةُ الوَلَدِ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ؛ وهو ما نفاه الله عن نفسه في هذه السورة التي تعدل ثلث القرآن، وقد قَالَ تعالى لِمَنْ نَسَبَ إِلَيْهِ الوَلَدَ: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا( [مريم:88-95]، وَقَالَ تَعَالَى فِي شَأْنِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآَبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا) [الكهف: 4-5].
من أراد السلامة لدينه والصفاء لتوحيده، فليبتعد عن كل ما يكون فيه شيء من المعتقدات التي فيها التنقص من رب الأرض والسموات، خصوصا تلك الأعياد الْمُتَضَمِّنَةَ لِلمُعْتَقَدَاتِ الكُفْرِيَّةِ, وَالدَّعْوَةِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْأُلُوهِيَّةِ أَوْ وَصْفِ اللهِ تَعَالَى بِالنَّقَائِصِ وَنِسْبَةِ الْوَلَدِ إِلَيْهِ, يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) [الفرقان:72]، قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ فِي تَفْسِيرِ الزُّورِ: (هُوَ أَعْيَادُ المُشْرِكِينَ)، فإياكم والتشبه بهم فيما يختصون به من الأعمال والأعياد والعادات فقد قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وصححه الألباني]، فَعَلَى العَبْدِ أَنْ يَحْذَرَ مِنْ ذَلِكَ غَايَةَ الحَذَرِ، لِيَسْلَمَ لَهُ دِينُهُ وَتَوْحِيدُهُ.