- خطبة بعنوان: اتق النار ولو بشق تمرة.
- ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى
- المكان: خطبة في يوم 1 ربيع الثاني 1446هـ في مسجد السعيدي بالجهرا.
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ([آل عمران:102].
- أَمَّا بَعْدُ: فَيَا عِبَادَ اللهِ:
إذا علم المؤمن أنه في هذه الحياة الدنيا مأمور بعبادة الله ومخلوق لأجل توحيد الله، فعليه أن يجتهد في فعل الطاعات ويجتهد في جمع الحسنات، وأبواب الخيرات كثيرة وأعمال البر عديدة، فيجب عليه أن يؤدي الواجبات ولا يقصر في النوافل وبقية الطاعات، ومن وصايا نبينا صلى الله عليه وسلم أن لا نترك شيئا من الحسنات ولو كانت من الأعمال القليلة اليسيرة فقد تكون نجاة العبد بسبب هذه الحسنة التي غفل عنها الناس أو تكاسل عنها المقصرون، عَنْ أَبِى ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: « لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ ». [رواه مسلم]، وعن أبي جُرَيٍّ الهُجَيمِي رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إنا قوم من أهل البادية فعلمنا شيئًا ينفعنا الله به. فقال: (لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط، وإياك وإسبال الإزار، فإنه من المخيلة ولا يحبها الله، وإن امرؤ شتمك بما يعلم فيك فلا تشتمه بما تعلم فيه، فإن أجره لك، ووباله على من قاله). [رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح]، فما أعظمها من وصية في عدم تفويت أي طاعة تقدر عليها، ولو أن تلق أخاك بالابتسامة، ولو أن تسقي غيرك شربة ماء، وبهذا أوصى عليه الصلاة والسلام النساء بذلك، ولو أن تهدي لجارتها فرسن شاة وهو: عَظْم قليل اللحم، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ «يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ لاَ تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ ». [متفق عليه].
وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم عن رجال ونساء عملوا عملا قليلا كان سببا في نجاتهم من النار ودخولهم الجنة، فهذه امرأة كانت تقم المسجد وتنظفه وتلقط الخرق والعيدان منه، كان هذا العمل سببا في دخولها الجنة، وسببا لبقاء خبرها حين ذكرها وصلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ - أَوْ شَابًّا - فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلَ عَنْهَا - أَوْ عَنْهُ - فَقَالُوا مَاتَ. قَالَ « أَفَلاَ كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِى ». قَالَ فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا - أَوْ أَمْرَهُ - فَقَالَ « دُلُّونِى عَلَى قَبْرِهِ ». فَدَلُّوهُ فَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ « إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلاَتِى عَلَيْهِمْ ». [رواه البخاري ومسلم].
وهذا رجل أزاح الأذى عن طريق الناس فكان سببا في مغفرة الله له، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ » [متفق عليه]. فكيف بمن يزيل عن طريق الناس إلى الله أذى الشرك والبدع والمعاصي.
وهذا أحسن إلى كلب فكان سببا في دخوله الجنة، فكيف بالإحسان إلى الإنسان وأهل الإيمان، والفقراء والمحتاجين والأيتام، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ فَقَالَ الرَّجُلُ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِى كَانَ بَلَغَ مِنِّى. فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ مَاءً ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقِىَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا في هَذِهِ الْبَهَائِمِ لأَجْرًا فَقَالَ « في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ». [متفق عليه].
أكثروا من الطاعات واستغلوا العمر لجمع الحسنات، ولو تستصغر شيئا من أعمال الإحسان فقد يكون ذاك العمل سبب لدخول الجنان، فعننْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَتِرَ مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ». [متفق عليه] فيوم القيامة لا يرى العبد إلا ما قدم، فليكن ما نقدمه خيرا لأنفسنا، عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ». زَادَ ابْنُ حُجْرٍ قَالَ الأَعْمَشُ وَحَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ خَيْثَمَةَ مِثْلَهُ وَزَادَ فِيهِ « وَلَوْ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ ». [متفق عليه].
اللهم اجعلنا من الطائعين وجنبنا دروب الهالكين. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَلِيَّ العَظِيمَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
لقد أرشدنا صلى الله عليه وسلم إلى أن أبواب الصدقات واسعة وأنواعها كثيرة، فليست الصدقة فقط بالمال، فكن من المتصدقين فالصدقة أجرها كبير وثوابها جزيل، فعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِىي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ». قِيلَ أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ: «يَعْتَمِلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ». قَالَ: قِيلَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَالَ: «يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ». قَالَ: قِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَالَ: « يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَوِ الْخَيْرِ ». قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ « يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ ». [متفق عليه]، وفي الحديث الآخر بيَّن أنَّ الكلمة الحسنة أيضا من أبواب الصدقات، فكم من كلمة خير كانت سببا لدخول الجنة، وكم من كلمة شر أهلكت قائلها، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ - قَالَ - تَعْدِلُ بَيْنَ الاِثْنَيْنِ صَدَقَةٌ وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِى دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ - قَالَ - وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ وَكُلُّ خَطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ ». [متفق عليه].
فما أوسع رحمة الله بعباده، وما ألطفه بخلقه، فبادروا عباد الله إلى الإحسان، وتوبوا إلى الرحمن، تدخلوا الجنة بسلام.