- خطبة مكتوبة بعنوان: أذية المصلين في مساجد المسلمين.
- ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى.
- 24 شوال 1445هـ.
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ
ﷺ، وشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُها، وكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وكُلَّ ضَلالَةٍ فِي النَّارِ.
إن تعظيمَ شعائر الله واحترامَ المساجد وعدمَ أذية المصلين العابدين مما أمرت به هذه الشريعة الغراء وحث عليه النبي
ﷺ، قال تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)، وقال سبحانه: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ)، وأخبر أن المساجد له سبحانه فقال: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً)، ووصف أهلها العابدين فيها المحافظين عليها بأنهم رجال، فقال: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ).
إن التعاون على العناية بالمساجد وتنظيفها وتطييبها والمحافظة على كل مرافقها، من أعظم الأسباب المعينة على عبادة الله فيها وهو ما حث عليه
ﷺ، فقد رأى النبي
ﷺ نخامة في جدار المسجد فحكها بيده الشريفة صلوات الله وسلامه عليه، وكانت جاريةٌ سوداء تقمُّ المسجدَ على عهد النبي
ﷺ فافتقدها فسأل عنها فقالوا: ماتت. فمشى إلى قبرها وصلى عليها إكراماً لها ومكافأة لها على عظيم صنيعها رضي الله عنها، وينبغي تربية أبنائنا على العناية ببيوت الله وصيانتها عن كل سوء واحترام جميع مرافقها.
وإن من آداب المساجد التي حث عليها الشرع أن يأتي المصلي للمسجد بثياب حسنة ورائحة طيبة، فقد أمر الله بأخذ الزينة عند دخولها فقال تعالى: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد)، وحث على ذلك نبينا
ﷺ، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ :«إِذَا صَلَّى أَحَدكُمْ فَلْيَلْبَس ثَوْبَيّه فَإِنَّ اللهَ أَحَقُّ مَنْ تُزُيِّنَ لَهُ...) [رواه أبو داود وصححه الألباني]، وإن من المحزن حين ترى بعض المصلين إذا جاء إلى المسجد جاء بثياب رثّة أو ثياب نومه أو بلباس ضيق قد يحجم العورة أو يكشف شيء منها إذا ركع أو سجد وهذا كله مناف لآداب الصلاة ودخول المساجد، بل قد يؤدي انكشاف شيء من عورته خصوصا لمن يلبس (البناطيل) إلى بطلان صلاته.
ومن آداب المساجد وحضورها أن لا يؤذي المصلين برائحته، قال عمر بن الخطابt في خطبته: ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لاَ أَرَاهُمَا إِلاَّ خَبِيثَتَيْنِ هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
ﷺ إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ في الْمَسْجِدِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا. [رواه مسلم]، وقال جابر بن عبدالله : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ
ﷺ عَنْ أَكْلِ الْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ. فَغَلَبَتْنَا الْحَاجَةُ فَأَكَلْنَا مِنْهَا فَقَالَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْمُنْتِنَةِ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الإِنْسُ» [رواه مسلم]، فإذا كان أكل الحلال ذي الرائحة الكريهة مؤذٍ للمصلين والملائكة؛ فكيف بمن يأتي ورائحة الدخان المحرم الخبيث قد ملأت ثيابه وأنفاسه؟!، فهذا أشد إثما وأعظم أذية.
وإن مما يحرم فعله في المسجد مما يكون فيه أذية للمصلين: رفع بعضِ المصلين لأصواتهم في المسجد أو في صلاتهم أو قراءتهم للقرآن مما يكون فيه أذية وتشويش على المصلين أو القارئين، وبعض الناس إذا صلى سمع المصلون كلُّهم قراءَتَه وأذكاره، وهذا كله من رفع الصوت المنهي عنه، فعن أبي سعيد t قال: اعتكف رسول الله
ﷺ في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر، وقال: (ألا إنَّ كلَّكُم مناجٍ ربَّه فلا يؤذينَّ بعضُكُم بعضًا ولا يَرفع بعضُكم على بعض في القراءة -أو قال-: في الصلاة). [رواه أبو داود وصححه الألباني]، وعَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كُنْتُ قَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ فَحَصَبَنِي رَجُلٌ فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ فَجِئْتُهُ بِهِمَا قَالَ: مَنْ أَنْتُمَا أَوْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا؟ قَالا: مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ. قَالَ: لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لأَوْجَعْتُكُمَا، تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ
ﷺ. [رواه البخاري].
فإذا كان النهي قد جاء في رفع الصوت بالقراءة والصلاة؛ فكيف بمن يرفع صوته في حديث الناس أو كلامهم في الدنيا أو يرفع صوته بأصوات مؤذية كرفع صوته بالتثاؤب، أو التجشؤ، أو تنظيفه لأنفه بصوت عال، فهذا كله ليس من آداب المسجد وفيه أذية للمصلين، أرأيت لو كنت في مجلس أمير أو وزير أكنت تجرؤ على إخراج هذه الأصوات أو تنظيف أنفك بصوت مرتفع؟!، أترى ذلك عنده من الأدب أو من سوء الأدب؟!، فكيف وأنت في بيت من بيوت الله ومساجده وخير بقاع الأرض، وأما رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة بالتكبير والتهليل والتسبيح فهذا من السنن الثابتة عن النبي
ﷺ.
فالتزموا عباد الله بآداب المسجد ولا تؤذوا أحدا، فأنتم في مكان عظيم وعبادة جليلة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.
فَأُوصِيكُمْ –عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
اتقوا الله في مساجدنا ونزهوها عن أصوات الغناء والموسيقى من هواتفكم واحرصوا على جعل نغمة الهاتف ليست بألحان موسيقية أو غنائية فإنه كلما جاءك اتصال وخرج صوتها أخذت سيئة وأذنبت ذنبا، وفي المسجد يعظم الذنب ويتأذى المصلون، فاحرص على كتم صوته قبل الدخول، وإن نسيته فأغلقه مباشرة ولو كنت في صلاة ولا تستمر في إيذاء المصلين.
واحرص يا عبد الله على الخشوع في الصلاة وإحضار القلب فيها بين يدي الله، والإقبال عليها، واستحضر عظمة الله، وأنك بين يديه ترجو رحمته وتخشى عقابه.