الحذر من مذاهب الخوارج وما فيه من خطر
الحذر من مذاهب الخوارج وما فيه من خطر
  | 2558   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: الحذر من مذاهب الخوارج وما فيه من خطر.
  • ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى
  • المكان: خطبة في يوم 9 ذي القعدة 1445هـ في مسجد السعيدي بالجهرا.

 
  • الخطبة الأولى:
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( .
  • عباد الله:
لقد حذرنا النبي من أقوام يحدثون في أمر الدين ما لم يكن، يسعون إلى قلب الـمُسلمات وتغيير الحقائق وجعل الباطل حقا والحق باطلا، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: « سَيَكُونُ في آخِرِ أُمَّتِى أُنَاسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ مَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ ». [رواه مسلم]، فالسامع لهم من أول وهلة يظنهم يلهجون بالحق والنصح ويدعون إليه والحقيقة أنهم دعاة على أبواب جهنم من أطاعهم قذفوه فيها، فهذا إبليس أظهر الكيد والمكر بآدم وحواء بقالب النصيحة فقال لهما: (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ)، وهذا المسيح الدجال يقلب الحقائق فناره جنة وجنته نار، كما قال : «إن الدجال يخرج، وإن معه ماء وناراً، فأما الذي يراه الناس ماءً فنار تحرق، وأما الذي يراه الناس ناراً فماء بارد عذب، فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يراه ناراً، فإنه ماء عذب طيب»، وهكذا كل دجال ومبتدع ضال، ومن هؤلاء الخوارج الذي لا زالوا يخرجون على المسلمين وأئمتهم، وقد ابتلي الناس في عصرنا والعصور التي مضت بأفكارهم المنحرفة وبدعهم الضالة، يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: (وأخرجت الخوارج قتال الأئمة، والخروج عليهم بالسيف: في قالب الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر... فكلّ صاحبِ باطل لا يتمكن من ترويج باطله إلا بإخراجه في قالب حق). وللأسف انقاد لأفكارهم بعض المتصدرين وعمل بفكرهم كثير من السياسيين لأنه مذهب يخدم مطامعهم الدنيوية من الوصول إلى المناصب والكراسي بل وقلب الحكم والقيام بالثورات والفوضى والدمار، قال : (إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان) [رواه أحمد من حديث عمر رضي الله عنه وصححه الألباني].
  • عباد الله:
هذه هي الحقيقة المرة لكثير من المتحمسين يظنون أن الشجاعة في الطعن في الولاة ونوابه والمجاهرة بنصحهم وذكر أخطائهم على الملأ والمنابر والندوات والخروج وعليهم وعدم احترامهم وإعلان تحديهم، وللأسف يجد هذا المغرور التأييد من كثير من الناس بهتافاتهم وصراخهم ودعمهم، ومنهم أنت أيها المسكين!! راجع نفسك!! هل أيدت أحدا منهم؟ هل أثنيت عليه لوقوفه ضد ولاة الأمر؟ اعلم أنك كنت مخدوعًا!! وأنك كنت مستَغَلاّ بحماسك المخالف للشرع!! حتى إذا وصلوا أخذوا بمصالحهم وتركوا ما كانوا يزعمون من محاربة الفساد، فلا تكن أنت سُلَّمًا لأفكار السياسيين الضالة وأغراض الحزبيين الدنيوية المنحرفة.
  • عباد الله:
يجب أن نعلم أن المسألة في التعامل مع الولاة مسألة دين وشرع وطاعة وعبادة ليست المسألة مسالة هوى ومصالح وأهواء، الشجاعة الحقيقة في التمسك بوصايا النبي والسير على هدي الصحابة والتابعين، فالأمر دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، والحمد لله شرعنا كامل وديننا أمر بجميع ما يصلح العباد في تعاملهم مع ولاتهم، فكن متبعا ولا تكن مبتدعا، ورحم الله الإمام مالكا حيث يقول: (لا يُصلح آخر هذه الأمة إلا بما صَلَح به أولها، فما لم يكن يومئذ دينًا لا يكون اليوم دينًا).
  • عباد الله:
هذه جملة مما جاء في دينك أيها المسلم من وصايا نبيك فهل أنت متبع لها؟! أم أنك مقتد بمن ضل من أهل الأحزاب والسياسة؟!، فقد كَانَ رَسُولُ اللهِ يُوصِي بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلْأَئِمَّةِ بِالمَعْرُوفِ، وَيَحُثُّ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِمْ، وَيُرَغِّبُ فِي إِكْرَامِهِمْ وَتَوْقِيرِهِمْ، وَالدُّعَاءِ لَهُمْ، وَتَوْجِيهِ النَّصِيحَةِ إِلَيْهِمْ بِالرِّفْقِ وَالسِّرِّ مَعَ جَمْعِ القُلُوبِ عَلَيْهِمْ، حَتَّى يَكُونَ المُسْلِمُونَ يَدًا وَاحِدَةً، فَمَنْ تَمَسَّكَ بِهَذِهِ الوَصَايَا سَلِمَ وَغَنِمَ، وَمَنْ أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا خَابَ وَغَرِمَ، فَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الجُعْفِيُّ رَسُولَ اللهِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ، فَجَذَبَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، فَقَالَ رَسُولُ الله : (اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا؛ فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. وَلَقَدْ أَمَرَ أُمَّتَهُ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِمْ، وَعَلَى طَاعَتِهِمْ فِي المَعْرُوفِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ المَصْلَحَةِ العَامَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ؛ فَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ :كَيْفَ؟ قَالَ:« يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. هذا هو شرعنا وهذا هو ديننا يقبله أهل السنة المتبعين المقتدين بآثار من مضى من الصحابة والتابعين، ويأباه ولا يرضاه من تأثر بمذاهب الخوارج المارقين والمبتدعة الزائغين. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
  • الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
  • أَمَّا بَعْدُ:
فلقد جَاءَتِ الأَحَادِيثُ الكَثِيرَةُ - مَعَاشِرَ المُسْلِمِينَ - فِي بَيَانِ أَهَمِّيَّةِ النَّصِيحَةِ لِوُلَاةِ الأَمْرِ، لَكِنَّهَا تَكُونُ بِإِخْلَاصٍ وَرِفْقٍ وَلِينٍ، نَصِيحَةٌ سِرِّيَّةٌ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، لَا عَلَى المَلَأِ وَفِي النَّدَوَاتِ، وَعَلَى المَنَابِرِ وَالقَنَوَاتِ، فَعَنْ عِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : (مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ فَلَا يُبْدِ لَهُ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَيَخْلُوَ بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ» [رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ]. قارنوا يا عباد الله هذه النصوص الشرعية والأقوال المرعية مع أفعال الهمج الرعاع أتباع كل ناعق، الذي يطعنون ليل نهار في ولاتنا، ويسعون إلى تفريق كلمتنا وتشتيت جماعتنا، وقد جعلوك وأنت لا تشعر ألعوبة بأيديهم تخدم مصالحهم وتحقق مآربهم، كم تمنى كثير منهم أن تأتي إلينا الثورات في بلداننا وأن تدمر أوطاننا، ليَخْلُوا لهم الجو لتحقيق مآربهم السياسية الدنيوية، ولو ذهب الملايين من المسلمين لأجل ذلك فالمهم عندهم هو تحقيق ما يريدون، ولك في بلدان الفتن العظةُ والعبرةُ، فكم أيدوا ما كان فيها من مظاهرات ونادوا بالانقلابات وحمل السلاح، وسموه جهادا كذبًا وزورًا وخداعًا؛ فإذا النتيجة أن أهل تلك البلدان يتجرعون ألم الجوع والعطش وذهاب الأمن والأمان، فلا ديارهم سلمت! ولا أعراضهم حفظت! ولا أموالهم بقيت!، كل ذلك بسبب دعاة الفتن وأئمة الخوارج المعاصرين الذين لم يتبعوا دينهم في معاملتهم مع ولاتهم، وهاهم أكثرهم هاربون من أوطانهم يبثون سمومهم من الخارج، فإياك أن تستمع لهم أو أن تكون ضحية من ضحاياهم، كن يا عبد الله آخذا بوصايا علمائنا الأولين والآخرين فقد بُحّت أصواتهم وهم يحذرون من الخوارج، وينصحون بالسمع والطاعة واجتماع الكلمة، لتتم مصالح الدين والدنيا ، ويعبد الناس ربهم وهم بأمن وأمان، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (أَمَرَنَا أَكَابِرُنَا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ أَنْ لَا نَسُبَّ أُمَرَاءَنَا، وَلَا نَغُشَّهُمْ، وَلَا نَعْصِيَهُمْ، وَأَنْ نَتَّقِيَ اللهَ وَنَصْبِرَ، فَإِنَّ الأَمْرَ قَرِيبٌ) [رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ فِيْ شُعَبِ الإِيمَانِ]. وعليكم بالدعاء لمن ولاه الله أمركم بِالصَّلَاحِ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا فِي الأَمْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ وَالفَلَاحِ، يَقُولُ الفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ: (لَوْ أَنَّ لِي دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً مَا جَعَلْتُهَا إِلَّا فِي السُّلْطَانِ)، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا عَلِيٍّ فَسِّرَ لَنَا هَذَا، قَالَ: (إِذَا جَعَلْتُهَا فِي نَفْسِي لَمْ تَعْدُنِي، وَإِذَا جَعَلْتُهَا فِي السُّلْطَانِ صَلُحَ، فَصَلُحَ بِصَلَاحِهِ العِبَادُ وَالبِلَادُ).