تحذير الشباب من التطرف والإرهاب
- خطبة بعنوان: تَحْذِيرُ الشَّبَابِ مِنَ التَّطَرُّفِ وَالْإِرْهَابِ.
- ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى
- المكان: خطبة في يوم 29 ذي الحجة 1445هـ في مسجد السعيدي بالجهرا.
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران 102]،
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1]،
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70- 71].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
- مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:
لَقَدْ حَذَّرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ حُدُوثِ الْفِتَنِ وَكَثْرَةِ الشَّهَوَاتِ وَانْتِشَارِ الْأَهْوَاءِ، وَتَنَوُّعِ الشُّبُهَاتِ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، يَأْتُونَكُمْ مِنَ الْأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ، لَا يُضِلُّونَكُمْ وَلَا يَفْتِنُونَكُمْ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]، وَأَخْبَرَنَا عَنْ أَقْوَامٍ مِنْ بَنِي جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا، مَنْ تَبِـعَ أَهْوَاءَهُمْ قَذَفُوهُ فِي أَوْحَالِ الضَّلَالَاتِ، وَتَكْفِيرِ الْمُجْتَمَعَاتِ، وَالْخُرُوجِ عَلَى الْوُلَاةِ، فَيَعُودُ الشَّابُّ سِلَاحًا فَتَّاكًا عَلَى أَهْلِهِ وَوَطَنِهِ وَدِينِهِ وَمُجْتَمَعِهِ؛ فَعَنْ أَبِى ذَرٍّ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ بَعْدِى مِنْ أُمَّتِي - أَوْ سَيَكُونُ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي - قَوْمٌ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَلَاقِيمَهُمْ، يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
وَلَا زَالَتْ هَذِهِ الْفِئَةُ الضَّالَّةُ الْمُنْحَرِفَةَ وَالْفِرْقَةُ الْغَالِيَةُ الْمُتَطَرِّفَةُ تَظْهَرُ بِأَسْمَاءٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَأَلْقَابٍ مُخْتَلِفَةٍ، يُغَيِّرُونَ جُلُودَهُمْ وَلَكِنَّ أَقْوَالَهُمْ وَأَفْكَارَهُمْ وَاحِدَةٌ، وَصَفَهُمْ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِجُمْلَةٍ مِنَ الصِّفَاتِ، هِيَ فِيهِمْ مُتَحَقِّقَةٌ، وَعَلَى أَفْكَارِهِمْ مُنْطَبِقَةٌ؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ t]، جَمَعُوا فِي غَالِبِهِمْ بَيْنَ سَفَاهَةِ الْعُقُولِ وَصِغَرِ الْأَسْنَانِ، يَخْدَعُونَ النَّاسَ بِزُخْرُفِ الْقَوْلِ، وَادِّعَاءِ الْجِهَادِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَإِرَادَةِ الْإِصْلَاحِ وَحُكْمِ اللَّهِ، وَهُمْ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَيْسُوا هُمْ -وَاللَّهِ- مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ الصَّحِيحِ الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا، وَجَعَلُوا الْمُنْكَرَ مَعْرُوفًا وَالْمَعْرُوفَ مُنْكَرًا بِاسْتِحْلَالِ الدِّمَاءِ، وَقَتْلِ الْأَبْرِيَاءِ، وَالْغَدْرِ وَالتَّفْجِيرِ وَالتَّكْفِيرِ، لَمْ يَرْضَوْا عَنْ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَوِلَايَتِهِ، وَلَمْ يَنْقَادُوا لِصَحَابَتِهِ، بَلْ قَاتَلُوهُمْ، وَخَرَجُوا عَلَى عُثْمَانَ t وَقَتَلُوهُ، وَقَتَلُوا عَلِيًّا t غَدْرًا وَخِيَانَةً، وَلَا زَالُوا يُسَلِّطُونَ سُيُوفَهُمْ وَتَكْفِيرَهُمْ عَلَى عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا لَمْ يَرْضَوْا عَنْ حُكْمِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ وَلَا صَحَابَتِهِ الْمُقَرَّبِينَ وَلَا السَّلَفِ الصَّالِحِينَ الْأَوَّلِينَ، فَكَيْفَ يَرْضَوْنَ عَنَّا وَعَنْ وُلَاةِ أُمُورِنَا؟!.
- أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ:
إِنَّ هَذَا الْمَذْهَبَ الْهَدَّامَ الْخَطِيرَ الْقَائِمَ عَلَى التَّطَرُّفِ وَالْغُلُوِّ فِي التَّكْفِيرِ عَانَى مِنْهُ الْمُسَلِمُونَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، فَحَرِيٌّ بِنَا أَنْ نَجْتَهِدَ فِي مُكَافَحَتِهِ، وَبَيَانِ ضَرَرِهِ وَخَطَرِهِ، وَكُلٌّ مِنَّا عَلَى عَاتِقِهِ مَسْؤُولِيَّةٌ كُبْرَى وَوَاجِبَاتٌ عُظْمَى فِي بَذْلِ أَسْبَابِ حِمَايَةِ الْمُجْتَمَعِ بِجَمِيعِ أَرْكَانِهِ مِنْ سُلُوكِ طَرِيقَتِهِ وَالسَّيْرِ عَلَى دَرْبِهِ خُصُوصًا أَبْنَاءَنَا وَبَنَاتِنَا مِنَ الشَّبَابِ وَالشَّابَّاتِ، فَقَدْ أَصْبَحَتْ الْجَمَاعَاتُ الْإِرْهَابِيَّةُ الْمُتَطَرِّفَةُ تَسْتَغِلُّ الْمِنَصَّاتِ الْحَدِيثَةَ وَوَسَائِلَ التَّوَاصُلِ حَتَّى الْأَلْعَابِ الْإِلِكْتِرُونِيَّةِ لِاسْتِقْطَابِ الْمُرَاهِقِينَ وَاسْتِغْلَالِهِمْ فِي ترويج أفكارها وتنفيذ أجنداتها لِلْوُصُولِ إِلَى مُبْتَغَاهَا، فَيُصْبِحُ أَبْنَاؤُنَا أَسْلِحَةً فَتَّاكَةً يَسْتَخْدِمُونَهَا لِلْإِضْرَارِ بِأَوْطَانِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ، فَكَمْ سَمِعْنَا مِنْ شَابٍّ تَأَثَّرَ بِهِمْ فَإِذَا هُوَ حِزَامٌ نَاسِفٌ لِقَتْلِ الْأَبْرِيَاءِ وَتَفْجِيرِ حَتَّى الْمَسَاجِدِ؛ فَالْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ -أَيُّهَا الْأَوْلِيَاءُ- مِنِ اسْتِغْلَالِهِمْ لِابْنِكَ أَوْ بِنْتِكَ، وَتَغْيِيرِ أَفْكَارِهِمْ مِنْ حَيْثُ لَا تَشْعُرُ، إِذْ إِنَّ مَسْؤُولِيَّةَ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ تُجَاهَ أَوْلَادِهِمْ مَسْؤُولِيَّةٌ عَظِيمَةٌ، فَهْمُ أَمَانَةٌ فِي أَعْنَاقِهِمْ، مَنْ أَدَّاهَا نَالَ مِنَ اللَّهِ الْأَجْرَ وَالثَّوَابَ، وَمَنْ خَانَهَا وَفَرَّطَ فِيهَا اسْتَحَقَّ الْإِثْمَ وَالْعِقَابَ؛ قَالَ تَعَالَى: ] يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[ [الأنفال:27-28]، وَعَنْ أَنَسٍ t عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يُسْأَلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ» [أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
لَقَدْ شَرَعَ الْإِسْلَامُ سُبُلَ الْوِقَايَةِ الْمَرْضِيَّةِ، وَوَضَّحَ أَسْبَابَ الْعِلَاجِ الشَّرْعِيَّةِ لِحِمَايَةِ أَوْلَادِنَا وَفِلْذَاتِ أَكْبَادِنَا مِنْ تِلْكُمُ الْأَخْطَارِ وَالْأَضْرَارِ.
أَلَا وَإِنَّ أَعْظَمَ وَسِيلَةٍ حَامِيَةٍ مِنَ الِانْجِرَافِ وَسُلُوكِ سُبُلِ الزَّيْغِ وَالِانْحِرَافِ: الْعِنَايَةُ بِالْعَقِيدَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ الصَّحِيحَةِ، الَّتِي تَحَرِّرُهُ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ رَبِّ الْعِبَادِ، وَتُوَجِّهُهُ إِلَى تَرْكِ الْخُرَافَاتِ وَالْبِدَعِ الْمُضِلَّاتِ، وَهِيَ دَعْوَةُ جَمِيعِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ؛ قَالَ تَعَالَى: ] وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ[ [الأنبياء:25].
وَمِنْ أَسْبَابِ حِمَايَةِ النَّشْءِ وَالشَّبَابِ: تَعْلِيمُهُمُ الْعِلْمَ الشَّرْعِيَّ الْقَائِمَ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَالْعُلَمَاءُ الرَّبَّانِيُّونَ، وَخُصُوصًا مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْفِتَنِ مِنْ أَدِلَّةِ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلْوُلَاةِ وَحُرْمَةِ تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَخُطُورَةِ الْغُلُوِّ فِي الدِّينِ؛ فَالْعِلْمُ النَّافِعُ الصَّحِيحُ يُعِينُ الْمُسْلِمَ عَلَى تَمْيِيزِ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ وَالْخَيْرِ مِنَ الشَّرِّ، وَيَعْصِمُهُ مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ وَاشْتِبَاهِ الْأُمُورِ وَالْمِحَنِ؛ قَالَ تَعَالَى: ] أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [ [الأنعام:122]، قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهما: (لَا تَضُرُّكَ الْفِتْنَةُ مَا عَرَفْتَ دِينَكَ، إِنَّمَا الْفِتْنَةُ إِذَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ الْحَقُّ وَالْبَاطِلُ فَلَمْ تَدْرِ أَيَّهُمَا تَتَّبِــعُ؛ فَتِلْكَ الْفِتْنَةُ) [أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ]. وَقَانَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ شَرَّ الْأَفْكَارِ الْمُنْحَرِفَةِ وَالتَّيَّارَاتِ الْغَالِيَةِ الْمُنْجَرِفَةِ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70- 71].
- مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:
لَمَّا كَانَ الْعِلْمُ النَّافِعُ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْحِمَايَةِ مِنَ الْأَفْكَارِ الْمُنْحَرِفَةِ وَالْمَنَاهِجِ الْبَاطِلَةِ الْمُضِلَّةِ ؛ حَثَّ الشَّرْعُ الْحَكِيمُ عَلَى أَخْذِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ وَالْفُقَهَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ، الَّذِينَ يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُ -رَحِمَهُ اللهُ-: (الْفِتْنَةُ إِذَا أَقْبَلَتْ عَرَفَهَا كُلُّ عَالِمٍ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَرَفَهَا الْجَاهِلُ)، مَعَ الْحَذَرِ مِنَ الْمُتَعَالِمِينَ الَّذِينَ يَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ، وَيَتَسَارَعُونَ فِي الْأُمُورِ الْعِظَامِ دُونَ رَوِيَّةٍ وَعِلْمٍ وَحِكْمَةٍ؛ فَعَنْ أَبِي أُمَيَّةَ اللَّخْمِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ ثَلَاثَةً: إِحْدَاهُنَّ أَنْ يُلْتَمَسَ الْعِلْمُ عِنْدَ الْأَصَاغِرِ» [أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ]، قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: (الْأَصَاغِرُ: أَهْلُ الْبِدَعِ )، وَلَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرِ مَا أَخَذُوا الْعِلْمَ عَنْ أَكَابِرِهِمُ الَّذِينَ شَابَتْ لِحَاهُمْ فِي الْعِلْمِ النَّافِعِ وَأَخَذُوهُ عَنْ أَهْلِهِ وَعُرِفُوا بِهِ، وَعُرِفُوا بِسُلُوكِ الْمِنْهَاجِ الْقَوِيمِ وَالْحِكْمَةِ وَالدِّيَانَةِ، فَإِذَا انْصَرَفَ النَّاشِئَةُ إِلَى مُدَّعِي الْعِلْمِ مِنَ الصِّغَارِ، الَّذِينَ لَمْ يُعرَفُوا بِعِلْمٍ وَلَا بِحِكْمَةٍ ؛ دَخَلَتْ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ صُنُوفُ الضَّلَالَاتِ وَاعْتَرَضَتْهُمْ أَنْوَاعُ الْفِتَنِ الْمُضِلَّاتِ، وَانْزَلَقُوا فِي وَحَلِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْغُلُوِّ وَالتَّطَرُّفِ وَالْخُرَافَاتِ. وَمِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْنَا تُجَاهَ أَوْلَادِنَا وَفِلْذَاتِ أَكْبَادِنَا : أَنْ نُرْشِدَهُمْ إِلَى مَا فِيهِ الْخَيْرُ وَالْمَنْفَعَةُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يُحَقِّقُ لَهُمْ ذَلِكَ مُجَالَسَةُ رُفَقَاءِ الْخَيْرِ وَمُصَاحَبَةُ الصَّالِحِينَ، قَالَ تَعَالَى: ] وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ[ [الكهف:28]، وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ t عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ]، وَنُحَذِّرُهُمْ مِنْ رُفَقَاءِ السُّوءِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ وَالْفُسُوقِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ؛ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ].
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الْأَطْهَارِ وَصَحْبِهِ الْأَبْرَارِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَلْهِمْنَا شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَدَوَامَ عَافِيَتِكَ، وَجَنِّبْنَا فُجَاءَةَ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعَ سَخَطِكَ، وَبَارِكِ اللَّهُمَّ لَنَا فِي أَوْقَاتِنَا وَأَمْوَالِنَا، وَأَوْلَادِنَا وَأَزْوَاجِنَا، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِلْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ، وَأَلْبِسْهُمَا ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ وَالْإِيمَانِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.