واعبد ربك حتى يأتيك اليقين
واعبد ربك حتى يأتيك اليقين
  | 1928   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: واعبد ربك حتى يأتيك اليقين.
  • ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى
  • المكان: خطبة في يوم 15 ذي الحجة 1445هـ في مسجد السعيدي بالجهرا.

 
  • الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعين ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد.. فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالة في النار أما بعد.
  • عباد الله:
اتقوا الله –تعالى- واشكروه على نعمه العظيمة، وآلاءه الجسيمة، عبادَ الله لقد ودَّع المسلمون قبل أيامٍ مناسباتٍ عظيمة، ومواسمَ للخيرِ جليلة، ودَّعُوا أفضل الأيام، وهي أيامِ عشر ذي الحجة، بما فيها يوم عرفة (يوم العتق من النار)، وودَّعُوا يوم العيد بما فيه من عباداتٍ وصلاةٍ وتكبيرٍ، وذكرٍ لله -عزَّ وجل- وما يتبعه من أيامِ التشريق، ودَّعُوا الحج، تلك العبادة العظيمة، التي هي ركنٌ من أركان الإسلام "فَمَن حَجَّ ولم يرَفُثْ ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه"، فمن استغل هذه المواسم وأدى فيها ما شُرِع من العبادات لله -عزَّ وجل- فهو السعيدُ إن تقبل الله عمله، ومن فرط فيها وتكاسل عنها فهو المحرومُ الخاسر، من قضى هذه الإجازة في طاعة الله -عزَّ وجل- فهنيئًا له، ومن قضاها في غيرِ طاعة الله -عزَّ وجل- من المعاصي والسفر المحرم، فتعسًا له ولا يلومنَّ إلا نفسه، عباد الله سؤالٌ ينبغي لكلِ مسلمٍ أن يسأل نفسه ماذا بعد الحج؟ وماذا بعد هذه المواسم المُباركة؟ كيف حال العبد بعد هذه الفريضة وبعد هذه العبادات؟ هل يعود الناس كما كانوا عليه قبل الحج؟ هل تغير سلوك المؤمن من سيء إلى حسن، ومن حسنٍ إلى أحسن، إنَّ هذه المواسم ميلادٍ جديدٍ للمسلم، فيجب عليه أن يتوب إلى الله -عزَّ وجل- وأن يجعل هذه المواسم فرصةً جديدةً لتصحيحِ أعماله، والإنابةِ إلى ربه، يقول -عزَّ وجل-: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور:31]؛ ويقول –سبحانه وتعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا﴾[التحريم:8]؛ يجب أن يعلم المسلم أن مواسم الخير إنما هي تحولً كامل لواقع المسلم من حياة الغفلة والإعراض عن الله إلى حياة الاستقامة والإقبال على الله، وإنَّ من إضلال الشيطان وخداع النفس الأمارة بالسوء أن ينتكس كثيرٌ من الناس على عقبيه، ويعود إلى معاصيه بعد انتهاء مواسم الطاعات، فالرب –سبحانه وتعالى- يُنادي عباده بنداء الإيمان ليستقيموا على شرعه ويستجيبوا له ولرسوله، ويتقوه حق تقاته، ويعبدوه حق عبادته، فهل من مُجيبٍ لهذا النداء العظيم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾[الأنفال:24]، فلبُوا يا عباد الله نداء الله واستجيبوا لأمر الله، فالواجب عباد الله أن نُقيم حالنا على الكتاب والسُنة، وعلى ما كان عليه سلف الأمة، وأن نرى آثار العبادة في سلوكنا، ومعاملاتنا، وأخلاقنا، فعلامة قبول العمل أن ترى العامل أحسن عملًا، وحالًا، و أول ما يجب علينا تحقيقه هو تحقيق توحيد الله، فلا نعبد إلا الله، ولا نصرف شيئًا من العبادة لغير الله، فنبتعد عن الشرك، كبيره، وصغيره، فإنَّه من أعظمِ الجرائم، فلا أحد أكثر جُرمًا، ولا ذنبًا ممن جاء بالشرك بالله -عزَّ وجل-  والقرآن ملئٌ من أوله إلى آخره بالتحذير منه ومن الوقوع فيه، بل حذر أفضل الخلق منه فقال –تعالى- مخاطبًا لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[الزمر:65]؛ وليجتنب المسلم ما يؤدي إلى الشرك، والكفر من الذهاب إلى السحرة، والعرَّافين، والكُهان، وليحذر المسلم من البدع، والمحدثات فخطرها عظيمٌ، أعظم من خطر الذِنوبِ، والمعاصي فعلى المسلم أن يتوبَ منها، ويُجرد المتابعة للنبي -صلى الله عليه وسلم-  كما يجب على المسلم أن يبتعد عن جميع المحرمات فيجتنب الزنا، ولا يقترب منه، ولا مما يؤدي إليه، من النظر إلى النساء، وسماعُ الغناء؛ فإنَّها والله بريدُ الزنا، ومن دواعي الفجورِ والخنا، وعلى المسلم أن يُخلص ماله من الربا فإنه محاربةٌ الله ولرسوله، ولقد توعد الله فاعله بالعذاب الأليم في نارِ جهنم لمن تعامل بالربا، ولمَّ ماله عن طريقِ أخذ الفوائد البنكية، الربوية، قال -عزَّ وجل-: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾[البقرة:275]، وليحذر المسلم من عقوق الوالدين؛ فإنه من أكبر الكبائر، ومن قطيعة الرحم، ومن أذية الجيران، ومن جميع الأخلاق والعادات السيئة، فليفتح المسلم صفحةً جديدة مع المسجد فيحرص على أداء الصلوات الخمس فيه جماعةً مع المسلمين، وليحذر من التهاونِ فيها، والتكاسل عنها فيتشبه بالمنافقين.
  • عبادَ الله:
اجتهدوا، اجتهدوا ألا يراكم الله حيث نهاكم؛ فإنَّ الله لا تخفى عليه خافية، يعلم خائنة الأعين، وما تُخفي الصدور، نسأل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يعيننا على ذكره، وشكره، وحسن عبادته، أقولُ ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كلِ ذنبٍ فاستغفروه؛ إنَّه هو الغفور الرحيم.  
  • الخطبة الثانية:
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أمَّا بعد..
  • عباد الله:
فإنَّه وإن انتهت هذه المواسم بما فيها من الطاعات، فإنَّ عُمُرَ المؤمن كله طاعة، وكلُه موسمٍ للطاعة؛ فإنَّ الإنس، والجِن ما خُلِقوا في هذه الدار إلا لعبادة الله –سبحانه وتعالى- ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56]؛ فالمؤمن هو الذي يعبد الله في كل أوقاته، فكلِ دقيقة من ليلٍ أو نهار هي عنده موسمٍ من مواسم الطاعة، فيتقلب بين العبادات ويُنوع بين الطاعات، فيومه مليءٌ بالخير، وشغله الشاغل إرضاء ربه -عزَّ وجل- ، فهذه الصلوات تمرُ على المسلم خمس مراتٍ في اليوم والليلة، مع ما بينها من النوافل والرواتب، وكذلك تلاوة كتاب الله، وذكرُ الله -عزَّ وجل- والاستغفار، والتوبة، والإنابة، وغيرُ ذلك من أنواع العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه –سبحانه وتعالى- في جميعِ شأنه، وفي كلِ أحواله، ويُراقب ربه ويعبد الله مخلصًا له الدين متابعًا لنبيه -صلى الله عليه وسلم- فمن توفر فيه هذان الشرطان في العبادة: الإخلاص، والمتابعة، كانت مقبولةً عند الله –سبحانه وتعالى- ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾[الكهف:110]. اللهم إنَّا نسألُك أن تتقبل منَّا أعمالنا، اللهم تتقبل منَّا أعمالنا الصالحة، اللهم تقبل منا حجنا يا رب العالمين، اللهم استجب دعاءنا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.