الإحسان إلى الجيران سبيل أهل الإيمان
الإحسان إلى الجيران سبيل أهل الإيمان
  | 1621   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: الإحسان إلى الجيران سبيل أهل الإيمان.
  • ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى
  • المكان: خطبة في يوم  7 ربيع الأول 1446هـ في مسجد السعيدي بالجهرا.

 
  • الخطبة الأولى
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( .
  • عباد الله:
لقد حث ديننا الحنيف على إحسان الخلق بعضهم لبعض، وكلما كان المسلم أقرب لأخيه المسلم نسبا أو جوارا كلما كان حقه أعظم والواجب تجاهه أشد وألزم، قَالَ تَعَالَى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) [النساء:36]، ومن أجلّ الحقوق التي اعتنى بها الإسلام غاية الاعتناء: حقوق الجيران بعضهم لبعض، من الإحسان إليهم وبذل المعروف ورجاء الخير والهداية لهم، وكف الأذى عنهم، فخير الجيران من بذل ما استطاعه من أوجه الإحسان، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ]، وإكرام الجار وأداء حقه إليه وتوقيره والحرص عليه من علامات أهل التقى والإيمان، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
  • أيها المسلمون:
الإحسان إلى الجيران أمن وأمان وللديار عمران وزيادة في عمر الإنسان، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: «اَنَّهُ مَنْ أَعُطِىَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِىَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْن الْخُلُقِ وَحُسْن الْجِوَارِ، يَعْمُرَان الدِّيَار وَيَزِيدانَ فِي الأَعْمَارِ» [رواه أحمد وصححه الألباني]، فالجار وصية الله حتى كاد أن يكون الجار من جملة الوارثين، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :«مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثَهُ» [متفق عليه]. بل نفى صلى الله عليه وسلم كمال الإيمان عمن لم يحسن إلى جاره بتفقد أحواله، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالَّذِي يَشْبَعُ وَجَارُه جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ» [رواه الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي]، وجعل من علامة الإحسان في الإيمان أن يشهد لك بالخير الجيران، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف لي أن أعلم إذا أحسنت وإذا أسأت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعت جيرانك يقولون: أن قد أحسنت، فقد أحسنت، وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأت. فقد أسأت). [رواه ابن ماجه وصححه الألباني]. بل حث الشرع على أسباب نشر المحبة بين الجيران بتبادل الهدايا من طعام وغيره من أوجه الإحسان، وأن لا يحقر الجار جاره شيئا من العطايا ولو كان يسيرا، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ، لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]، وَفِرْسِنُ الشَّاةِ: هُوَ حَافِرُهَا، وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فَأَكْثِرْ مَاءَهَا، وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. وكلما قرب جارك منك منزلا كلما زاد حقه عليك، فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: «إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
  • عباد الله:
احذروا غاية الحذر من إهمال جيرانكم والتكاسل في أداء حقوقهم، ولا تكن يا عبدالله ممن لا يعرف جاره ولا حاله ولا حاجته، فقد يكون ذا حاجة أو يتيما أو مسكينا فيسألك الله عنه وعن عدم إحسانك إليه، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«كَمْ مِنْ جَارٍ مُتَعَلِّق بِجَارِهِ يَقُولُ: يَا رَبِّ! سَلْ هَذَا لِمَ أَغْلَقَ عَنِّي بَابَهُ، وَمَنَعَنِي فَضْلَهُ؟» [رواه ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق وحسنه الألباني]. واعلم أن من سعادة الجيران أن يحسن بعضهم إلى بعض، فإذا كثر الإحسان، وتبادلوا المعروف، وسؤال بعضهم عن أحوال بعض، وطلاقة الوجه فيما بينهم، حلت السعادة، وإذا كان الجيران على عكس ذلك كان هذا من تعاسة الجيران وحلول الأحزان وكره المنزل والديار، فعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَرْبَعٌ مِنْ السَّعَادَةِ : الْمَرأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالَمَسْكَنُ الْوَاسِعُ، وَالْجَارُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ، وَأَرْبَعٌ مِنَ الشَّقَاوَةِ : الْجَارُ السُّوءُ، وَالْمَرأَةُ السُّوءُ، وَالْمَسْكَنُ الضَّيْقُ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ» [رواه ابن حبان في صحيحه]، ولذلك جاء الأمر بالتعوذ من جار السوء لما له من الأثر الخطير على حياة المسلم ودينه وسعادته، فعَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :«تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ جَارِ السُّوْءِ فِي دَارِ الْمُقَامِ فَإِنَّ جَارَ البَادِيَةِ يَتَحَوَّلُ عَنْكَ» [رواه النسائي وصححه الألباني]. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
  • الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.
  • أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ -عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
  • عباد الله:
كما أن الإحسان إلى الجيران من أعظم الطاعات والقربات فأذيتهم والإساءة إليهم من أعظم الذنوب والسيئات، فإياك إياك أن تكون ممن لا يحسن إلى جيرانه، فمن كان جاره لا يأمن أذاه ومصائبه فليس بمؤمن كامل الإيمان، فعَنْ أَبِي شَرِيحٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَاللهِ لاَ يُؤْمِنْ وَاللهِ لاَ يُؤْمِنْ وَاللهِ لاَ يُؤْمِنْ». قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارَهُ بَوُائِقَهُ» [رواه البخاري]. بل جاء النص على أن من أسباب دخول النيران والبعد عن الجنان أذية الجيران، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :«لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ». [رواه مسلم]. وهاتان امرأتان إحداهما تحسن إلى جيرانها والأخرى تؤذيهم فما مصيرهما؟!، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي لله عنه قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: (هِيَ فِي النَّارِ). قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا. قَالَ: (هِيَ فِي الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
  • أيها المسلمون:
إن ابتلاكم الله بجار سوء فقابله بالمعروف والصبر والإحسان، فهذه وصية سيد الأنام، فأجرك إلى الرحمن، وحساب المسيء عند الديان، فمن أعظم حقوق الجار أن تصبر على أذاه، وتقابل الإساءة بالإحسان، وتدفع الشر بالتي هي أحسن، ولا يؤدي هذا الحق إلا من عرف فضل الإحسان إلى الجار حق المعرفة، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَة يُحِبُّهُمْ اللَّهُ وَثَلاَثَة يَشْنَؤُهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وذكر ممن يحبهم: (وَالرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الْجَارُ يُؤْذِيهِ جِوَارُهُ، فَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُ، حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا مَوْتٌ أَوْ ظَعْنٌ). [رواه أحمد وصححه الألباني من حديث أبي ذر رضي الله عنه]. فالصبر واجب على أذى الجار، كما أن على المؤذي أن يتوب إلى الله حتى لا يقع في لعن الله له ولعن الناس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره فقال: (اذهب فاصبر) فأتاه مرتين أو ثلاثًا فقال: (اذهب فاطرح متاعك في الطريق)، فطرح متاعه في الطريق، فجعل الناس يسألونه فيخبرهم خبره، فجعل الناس يلعنونه: فعل الله به، وفعل وفعل، فجاء إليه جاره، فقال له: ارجع لا ترى مني شيئا تكرهه. [رواه أبو داود وصححه الألباني]. ويا أيها الجيران المتخاصمون توبوا إلى الله قبل يوم الحساب، فالوعيد شديد، والعقاب أليم، حسابوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وأحسنوا إلى جيرانكم قبل أن يقضي الله بينكم، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أول خصمين يوم القيامة جاران). [رواه أحمد وحسنه الألباني].