- خطبة بعنوان: السنة سفينة نوح من ركبها نجا.
- ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى
- المكان: خطبة في يوم 12 صفر 1446هـ في مسجد السعيدي بالجهرا.
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ
ﷺ، وشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُها، وكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
لقد أرسل الله تعالى الرسل لنتبعهم وأنزل علينا الكتب لنؤمن بها، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ)، وختم هؤلاء الرسل برسالة خير البشر وسيد الخلق أجميعن وأنزل عليه القرآن مهيمنًا على ما قبله من الكتب ومصدقًا لها، (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ)، وهذا من عظيم منن الله تعالى على هذه الأمة وجزيل فضله عليها، (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)، أرسله الله تعالى ليخرج العباد من عمايات الجهالة وطرائق الضلالة إلى نور الحق والتوحيد والسنة، (قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)، من اتبعه وسار على دربه كانت له الهداية والبشرى في الدنيا والآخرة، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).
إن طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وأخذ بسنته وترك ما نهى عنه والتصديق بخبره والإيمان بما جاء به وعبد الله بشرعه هو مقتضى ومعنى شهادة أن محمدًا رسول الله التي لا يكون العبد مسلمًا إلا بتحقيقها، فطاعة رسوله مقرونة بطاعة الله، كما أن الشهادة أنه رسول الله قد قرنت بالشهادة أن لا إله إلا الله في الصلاة والأذان والخطب وغيرها، فالسنة واتباعها مركب النجاة وسبيل السعادة في الدنيا ولآخرة، قال الإمام مَالك رحمه الله: (السُّنَّةُ سَفِينَةُ نُوحٍ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ)، ولهذا جاء الأمر بطاعة رسوله مع طاعة الله تعالى في كثير من آيات كتابه الكريم، قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ(، وقال سبحانه: ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ )، فالهداية كل الهداية في اتباعه والسير على هديه، (واتبعوه لعلكم تهتدون)، والفلاح كل الفلاح في الدنيا والآخرة بطاعته، ( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )، ومن أطاع الرسول نال رحمة الله تعالى كما قال: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، ومن أراد نيل محبة الله فليصدق في اتباعه، (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)، والحياة الحقيقية التي يريدها الله من عبده هي في ابتاع رسوله: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يُحْيكُم)، فثمرات طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه كثيرة وفوائدها على العبد جليلة.
قد جاء التحذير الشديد والوعيد الأكيد على ترك السنة ومخالفة هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمخالفته
ﷺ سبب للعذاب والهلاك، )فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، وترك هديه سبيل للتفرق ومخالفة لتقوى الله، قال سبحانه: (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون(، ومن عصى رسول الهدى فقد عصى الله، فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
ﷺ قال: (من أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي). [متفق عليه]، واتباعه من أعظم أسباب دخول الجنة والسلامة من النار، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
ﷺ قَالَ: « كُلُّ أُمَّتِى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، إِلاَّ مَنْ أَبَى». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى؟!. قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى». [رواه البخاري]، ومن أراد الهدى والسلامة من الهوى فعليه بالسنة فليتمسك بها، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وَعَامَّةُ هَذِهِ الضَّلَالَاتِ إنَّمَا تَطَرُّقُ مَنْ لَمْ يَعْتَصِمْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَمَا كَانَ الزُّهْرِيُّ يَقُولُ: كَانَ عُلَمَاؤُنَا يَقُولُونَ: الِاعْتِصَامُ بِالسُّنَّةِ هُوَ النَّجَاةُ).
إياك إياك أن تكون ممن أخبرنا نبينا
ﷺ عنهم وهم أقوام يعارضون سنته أو يستهزؤون بها، ولا يأتمرون بأمره ولا يقتدون بفعله، ويُفرقون بين القرآن والسنة، مع أن السنة لا تعارض القرآن فهي مبينة له وموضحة، (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، والسنة وحي كما أن القرآن وحي، فعن الْمِقْدَامِ بن معديكرب رضي الله عنه عن رسول اللَّهِ
ﷺ أَنَّهُ قال: (ألا إني أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ معه، ألا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ على أَرِيكَتِهِ يقول: عَلَيْكُمْ بهذا الْقُرْآنِ فما وَجَدْتُمْ فيه من حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وما وَجَدْتُمْ فيه من حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ). [رواه أبو داود وصححه الألباني]، فلا يجوز معارضة سنته بالعقول والأهواء، ولا ردها لقول أحد كائن من كان، فعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال: «لا رأي لأحد مع سُنة رسول الله
ﷺ)، وقال أحمد بن حنبل: (منْ رَدَّ حَدِيثَ النَّبِيِّ
ﷺ فَهُوَ عَلَى شَفَا هَلَكَةٍ)، وعن أبي قلابة قال: (إذا حدثت الرجل بالسنة. فقال: دع ذا وهات كتاب الله. فاعلم أنه ضال).
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
فَأُوصِيكُمْ -عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
لقد تكاثرت نصوص الوحيين وأقوال الأئمة الربانيين، في الوصية بالاتباع وترك الابتداع والقرن بينهما، وأن هذا من أعظم أسباب السلامة من الفتن والبعد عن الأهواء والمحن، خصوصا مع كثرة الشبهات وانفتاح أبواب الشهوات، كما قال تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ)، وحبل الله هو الكتاب والسنة، وعَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: (وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ
ﷺ يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: »أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ]. فبين
ﷺ أن النجاة من الفتن فالاتباع وترك الابتداع، وكان
ﷺ في خطبه ينبه على ذلك ويكرر التذكير به، ففي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي
ﷺ كان يَقُولُ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ». وهكذا أوصى الصحابة والعلماء، فقد قال حُذَيْفَةَ رضي الله عنه: (قَالَ يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ اسْتَقِيمُوا فَقَدْ سُبِقْتُمْ سَبْقًا بَعِيدًا فَإِنْ أَخَذْتُمْ يَمِينًا وَشِمَالاً ، لَقَدْ ضَلَلْتُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا). ويوصي بذلك ابن مسعود رضي الله عنه فيقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الله بعث مُحَمَّد بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْفُرْقَانَ وَفَرَضَ عَلَيْهِ الْفَرَائِضَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَ أُمَّتَهُ فَبَلَّغَ رِسَالَتَهُ وَنَصَحَ لَأُمَّتِهِ وَعَلَّمَهُمْ مَا لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ وَبَيَّنَ لَهُمْ مَا يَجْهَلُونَ، فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ، كُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ). فالاتباع وترك الابتداع أصل عظيم من أصول الدين يقول الإمام أحمد رحمه الله: (أصول السنة عندنا التمسُّك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم، وترك البدع، وكل بدعة ضلالة). فتمسكوا عباد الله بالاتباع تنجوا واتركوا الابتداع تفلحوا.