فضل التوحيد، والثناء على شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله
فضل التوحيد، والثناء على شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله
  | , 594   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: فضل التوحيد، والثناء على شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله.
  • ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى
  • المكان: خطبة في يوم  24 رجب  1446هـ في مسجد السعيدي بالجهرا.

 
  • الخطبة الأولى
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [.
  • عِبَادَ اللهِ:
اعْلَمُوا أَنَّ أَعْظَمَ مَا أَمَرَكُمُ اللهُ بِهِ التَّوحيدُ، وَهُوَ إِفْرَادُ اللهِ تَعالَى بِالعِبَادَةِ: ]وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [، وَأَعْظَمَ مَا نَهاكُمْ عَنْهُ الشِّرْكُ بِاللهِ تَعَالى، وَهُوَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ، فَالشِّرْكُ بِاللهِ تَعَالى أَعْظَمُ أَنْواعِ الظُّلْمِ: ] إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [، وَلِعِظَمِ أمر التوحيد وأهمية الدعوة إليه اتَّفَقَ الأَنْبِيَاءُ عَلِيهِمُ السَّلامُ جَميعًا عَلَى الأمر به والنَّهْيِ عَنْ ضده قَالَ سُبْحَانَهُ: ]وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [، فَهَذَا نُوحٌ وَهُودٌ وَصَالِحٌ -عَلَيهِمُ السَّلامُ- قَالُوا جَمِيعًا لِأَقْوَامِهِمْ: ] يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [ ، وَإِمَامُ المُوحِّدِينَ إِبْرَاهِيمُ u كَانَ يَخَافُ على نفسه وذريته من الشرك فقد دعا ربه بقوله: ]واجنبني وبني أن نعبد الأصنام إنهن أضللن كثيرا من الناس[، وعيسى u قال لربه متبرئا من شرك قومه: ]مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ[، وهذا نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لقومه: ]قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا[، وبين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعوته وإخلاصه، ]قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ[، وَسَارَ عَلَى التَّوحِيدِ وَالأَمْرِ بِهِ، وَمُحَارَبَةِ الشِّرْكِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ كُلُّ مَنِ اتَّبَعَ الرُّسُلَ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ مِنَ الصَّالحِينَ الأَتْقِياءِ وَالأَئِمَّةِ الأَولِيَاءِ قَالَ تَعَالَى: ]قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ[ ، فَمَنْ أَحَبَّهُمُ اتَّبَعَهُمْ وَاقْتَفَى أَثَرَهُمْ فَوَحَّدَ اللهَ وَأَخْلَصَ الدِّينَ لمَوْلَاهُ.
  • عباد الله:
للتوحيد فضائل كثيرة ومحاسن عديدة واردة في الكتاب والسنة، فالتوحيد أول الواجبات على العباد، ولأجله خلق الله الإنس والجان ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾، والتوحيد هو حق الله على العباد، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: ((كنت رِدْفَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حمارٍ يُقال له: عُفَيْرٌ، فقال: يا معاذ، هل تدري حق الله على عباده، وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإن حق الله على عباده أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله ألَّا يعذبَ مَن لا يشرك به شيئًا)) [رواه البخاري ومسلم]، والتوحيد أول ما يبدأ به العبد دعوت الناس إليه لأن الأعمال لا تصح إلا به، فقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أرسل معاذا إلى اليمن: ((إنك تأتي قومًا أهل كتاب - يعني: يا معاذ، إنك ستأتي قومًا من اليهود والنصارى - قال: فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله))، وفي رواية: ((فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحِّدوا الله)) [رواه البخاري]، التوحيد شرط لقبول العمل عند الله تعالى، {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا}، التوحيد مكفر للذنوب والخطايا فعن أنس رضي الله عنه يرفعه: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ((قال الله: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرتُ لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عَنانَ السماء ثم استغفرتني، غفرتُ لك ولا أبالي، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقُرابِ الأرض خطايا ثم لقِيتني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتُك بقُرابها مغفرةً)). [رواه الترمذي] والتوحيد من أعظم أسباب دخول الجنة من أبوابها الثمانية، فعن عبادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((من شهِدَ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبدالله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريمَ ورُوحٌ منه، وأن الجنة والنار حقٌّ أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء) [متفق عليه]، فالتوحيد من أعظم أسباب النجاة يوم القيامة استمع معي إلى قصة هذا الرجل وكيف نجاه الله بالتوحيد، فعن عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنهما يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُصَاحُ بِرَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ فَيُنْشَرُ لَهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مَدَّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَلْ تُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا فَيَقُولُ لَا يَا رَبِّ فَيَقُولُ أَظَلَمَتْكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ ثُمَّ يَقُولُ أَلَكَ عَنْ ذَلِكَ حَسَنَةٌ فَيُهَابُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ لَا فَيَقُولُ بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَاتٍ وَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ فَتُخْرَجُ لَهُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَالَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ فَيَقُولُ إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ فَطَاشَتْ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتْ الْبِطَاقَةُ). [رواه الترمذي وابن ماجة وصححه الألباني]، والتوحيد من أعظم أسباب حسن الخاتمة، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُوْلُ اللهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ آخْرُ كَلاَمِهِ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ ، دَخَلَ الْجَنَّة»[رواه أبو داود وصححه الألباني]. اللهم اجعلنا من أهل التوحيد واختم لنا بلا إله إلا الله. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مَنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
  • الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
  • أَمَّا بَعْدُ:
فيا عِبَادَ اللهِ: لأهمية هذا التوحيد اجتهد العلماء غاية الاجتهاد في تعليمه للناس ونشره بينهم والتأليف في بيانه وحقوقه ومقتضياته وما يُضاده، ومن الأئمة الأعلام والشيوخ العظام الذين كان لهم دور في نشر التوحيد وتعليمه للناس ومحاربة الشرك وبيان خطورته بل له بعد الله فضل على جميع أهل التوحيد ممن جاء بعده فقد تعلموا على كتبه وأخذوا من معين دعوته ومؤلفاته وهو شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب التميمي رحمه الله تعالى، فهذا الإمام المجدد والقائد المصلح واجه الشرك المنتشر في جزيرة العرب وقيض الله له من يعينه من الأمراء كالإمام محمد بن سعود، فكان سببا في انتشار التوحيد واضمحلال الشرك وأهله في جزيرة العرب وغيرها وفتح الله البلاد بالتوحيد وانتشرت الدعوة إليه، وذهبت مظاهر الشرك وعبادة القبور والأضرحة، وله رحمه الله المؤلفات النفيسة في التوحيد وغيره، ككتاب التوحيد الذي أثنى عليه العلماء وشرحوه ودرسوه واهتم به كل موحد، وكشف كذلك شبهات المشركين وقعد القواعد المهمة في التوحيد وبيانه، ولكنه لما كان داعيا إلى التوحيد وتصفيته حاربه كل مبطل وشَرِق بدعوته كل مفتر ضال، فكَذَبوا عليه وشوَّهوا دعوته، والحقيقةُ أنه لا يحبه إلا صاحب سنة ولا يبغضه إلى صاحب هوى، واسمع معي لما يقوله عن دعوته رحمه الله: (من محمد بن عبدالوهاب، إلى من يصل إليه من المسلمين: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: أخبركم أني - ولله الحمد - عقيدتي وديني الذي أدين الله به: مذهب أهل السنة والجماعة، الذي عليه أئمة المسلمين، مثل الأئمة الأربعة، وأتباعهم، إلى يوم القيامة، لكني بينت للناس: إخلاص الدين لله، ونهيتهم عن دعوة الأنبياء والأموات، من الصالحين، وغيرهم، وعن إشراكهم فيما يُعبد الله به، من الذبح، والنذر، والتوكل، والسجود، وغير ذلك مما هو حق الله، الذي لا يشركه فيه ملك مقرب، ولا نبي مرسل، وهو الذي دعت إليه الرسل، من أولهم إلى آخرهم، وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة). انتهى كلامه رحمه الله فكن يا عبدالله منصفا واعرف حقيقة دعوة الشيخ ولا تهتم بكلام الضالين والمبتدعة المغرضين، رحم الله الشيخ وأسكنه فسيح جناته وجزاه عنا خيرا.