- العنوان: واجبنا تجاه أوامر الله
- القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
- المكان: خطبة جمعة ألقاها 9 محرم عام 1437هـ في مسجد السعيدي بالجهراء، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.
الخطبة الأولى: إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد،،، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد،، عباد الله اتقوا الله تعالى فإن من اتقاه وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه. عباد الله، إن من المتقرر لدى كل مؤمن أن الله العظيم الخالق الجليل سبحانه لم يخلق خلقه عبثًا، ولم يُوجدهم سُدى فهو –عز وجل- مُنزهٌ عن اللعب، والعبث، واللهو تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك بل خلقهم لغايةٍ عظيمة، وحكمة جليلة، خلقهم -تبارك وتعالى- بالحق وللحق، قال -عز وجل-: ﴿خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾[النحل:3] وذكر -جل وعلا- عن أولي الألباب أنهم يقولون في تنزيههم لله –سبحانه وتعالى-: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾[آل عمران:191]. وقال -جل وعلا-: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾[ص:27] ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾[ص:28]، أي: إنه تعالى منزَّه عن ذلك -عز وجل-. يقول -تبارك وتعالى-: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ﴾[الأنبياء:16] ﴿لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ﴾[الأنبياء:17]، ويوم القيامة -عباد الله- يقول الله -تبارك وتعالى- لأهل النار مقرعًا وموبخًا: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ﴾[المؤمنون: 115] ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾[المؤمنون:116]. ولما ذكر -جل وعلا- خلْقه للإنسان من نطفة إلى مضغة إلى أن أصبح إنسانًا سويّا، قال -جل وعلا- في ذلكم السياق: ﴿أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾[القيامة:36]، أي: لا يبعث ولا يحاسب ولا يعاقب، أو لا يؤمر ولا يُنهى، وكِلا المعنيين مرادٌ في هذه الآية؛ فالله -عزَّ وجلَّ- لا يترك الخلق في الدنيا بدون أمرٍ ولا نهي، ولا يتركهم يوم القيامة بدون حسابٍ ولا عذاب. عباد الله، إنَّ الله -عز وجل- خلق الخلق ليعبدوه، وأوجدهم ليفردوه -تبارك وتعالى- بالطاعة، والعبادة، والذل، والخشوع،والخضوع خلَق الخلقَ ليأمرهم وينهاهم، ليأمرهم بطاعته وعبادته وينهاهم عن المعاصي والآثام ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات: 56] عباد الله، إذا تأمل المسلم هذه الحقيقة العظيمة الجلية يأتي في هذا المقام سؤالٌ من الأهمية بمكان، ألا وهو يا عباد الله: ما واجبنا نحو ما أمرنا الله –عز وجل- به؟ نحن خَلْقَ لله خلَقَنا الله -عز وجل- ليأمرنا وينهانا، خلقنا -عز وجل- لنطيعه ونمتثل أمره، فما هو واجبنا -عباد الله- نحو ما أمر الله –عز وجل- به؟. ذكر أهل العلم أنَّ الواجب على كلِّ مسلمٍ نحو ما أمر الله –عز وجل- به سبعة أمورٍ عظيمة، فأعقلوها، وعُوها، أمورٌ سبعة تجب علينا نحن كل أمرٍ من أوامر الله –سبحانه وتعالى- من توحيدٍ، وصلاةٍ، وصيامٍ، وحجٍ، وصدقةٍ، وبِرٍ، وغير ذلك من الطاعات والأوامر والنواهي الواردة في كتاب الله، أو في سنَّة النبي-صلى الله عليه وسلم-. أمَّا الواجب الأول: فهو تعلُّم المأمور، والعلم به ومعرفته؛ ولهذا جاءت الدلائل الكثيرة في الكتاب والسنة حثًا على التعلُّم وترغيبًا فيه، وبيانًا لفضله وعظيم عوائده وآثاره، فهذا الحديث عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه يقول: «مَن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل اللهُ له طريقاً إلى الجنة». الثاني -عباد الله-: أن نحب ما أمرنا الله –عز وجل- به، أن نَعْمر قلوبنا بمحبة ما أمرنا الله –عز وجل- به، لأنه -عز وجل- لا يأمرنا إلا بما فيه الخير والفلاح، ولا ينهانا إلا عما فيه الشر والبلاء، فنحب المأمور، ونعمر قلوبنا بمحبته، وفي الدعاء المأثور عن النبي –صلى الله عليه وسلم-: أنه كان يقول: «اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك، وحب العمل الذي يقربني إلى حبك». ولْيحْذَر المؤمن أن يكون في قلبه شيء من الكراهية والبغض لأوامر الله، أو أوامر الرسول –صلى الله عليه وسلم- يقول –عز وجل-: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾[محمد:9]. والأمر الثالث عباد الله: أن نعزم عزمًا أكيدًا على فعل ما أمرنا الله -تبارك وتعالى- به، والعزيمة عباد الله: حركةٌ في القلب، وتوجُّهٌ إلى الخير، ورغبةٌ وحرصٌ على فعله، وفي الدعاء المأثور: «اللهم إني أسألك العزيمة على الرشد». فإذا علمت أمرًا رشدًا، أمرًا خيرًا، أمرًا فيه صلاحُك في دينك ودنياك، فاعزم على فعله، وحرك قلبك للقيام به. والأمرُ الرابعُ عباد الله: أنْ نفعل ما أمرَنا الله –عز وجل- به، وأن نقوم به راغبين طائعين، ممتثلين لله –سبحانه وتعالى -، منقادين لأمره، فنحن عبيده، وواجب العبد الطاعة لسيده ومولاه، وفي الدعاء المأثور عن نبينا –صلى الله عليه وسلم- بل كان يدعو به كل يومٍ بعد صلاة الصبح: «اللهم إني أسألك علمًا نافعا، ورزقًا طيبا، وعملًا متقبلا». والأمر الخامس عباد الله: أن يقع العمل على الإخلاص والصواب، أن يقع العمل خالصًا لله، صوابًا على السنة، سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فالله -جل وعلا- لا يقبل العمل إلا إذا كانت هذه صفته، قال الفضيل بن عياض -رحمه الله تعالى-: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾[الملك:2]، قال: أخلصه وأصوبه، قيل: يا أبا علي، وما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل حتى يكون خالصًا صوابا، والخالص ما كان لله، والصواب ما كان على سنة النبي –صلى الله عليه وسلم-. والسادس -عباد الله-: أن نحذر من مبطلات الأعمال ومفسداتها ومحبطاتها، وهي كثيرة، جاء بيانها في كتاب الله –سبحانه وتعالى- كالكفر، والرياء، والنفاق، وإرادة الدنيا بالعمل، والسمعة، ونحو ذلك من مبطلات الأعمال ومحبطاتها، فهذا واجبٌ على كل مسلمٍ نحو كل ما أمره الله –عز وجل- به، إذا علمه وأحبَّه وعمل به، ووقع منه خالصًا صوابًا أن يحذر من كلِّ أمر يُحبطه ويُبطله. والأمر السابع والأخير عباد الله: الثبات، الثبات، أن يحرص المؤمن على الثبات على الأمر، أن يثبت على ذلك، ويجاهد نفسه على الثبات، ويسأل الله -جل وعلا- أن يثبته على دينه: ﴿رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾[آل عمران:8]. فهذه -عباد الله- سبعة أمورٍ عظيمة تجب علينا عند كل أمرٍ من أوامر الله –سبحانه وتعالى- العلم به، ومحبته، والعزيمة على فعله، والعمل، وأن يكون العمل خالصًا صوابًا، والحذر من مبطلات الأعمال، والثبات عليه إلى الممات. اللهم ثبَّتَنا أجمعين بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد،،، عباد الله، إن من الدعوات الجامعة العظيمة لكل ما سبق، المأثورة عن نبينا –صلى الله عليه وسلم-ما رواه الطبراني وغيره بإسناد صححه الشيخ الألباني عن شداد بن أوس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا شداد، إذا اكتنز الناسُ الذهب والفضة فاكتنِزْ هذه الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلبًا سليمًا، ولسانًا صادقًا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفر مما تعلم، إنك أنت علام الغيوب». فهذه عباد الله دعوةٌ عظيمةٌ جامعة، جمعت للمسلم الخير كله، فعلينا -عباد الله- أن نعتني بها وبغيرها من الدعوات المأثورة عن نبينا –صلى الله عليه وسلم-، فإن الدعاء مفتاح كل خيرٍ في الدنيا والآخرة. اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.