- العنوان: كسوف الشمس والقمر من آيات الله
- الشيخ: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
- المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 4 محرم 1435هـ
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد.. فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالةٍ في النار أما بعد.. عباد الله، إن الآيات الدالة على كمال قدرة الله تعالى وحكمته، ورحمته لا تعد ولا تحصى، ومن أظهر آياته "الشمس والقمر" فعظم خلقها، وانتظام سيرها، وإمساكها في فلكها لا تقع على الأرض دليلٌ ظاهرٌ على كمال قدرة الله التي لا تعجزها شيء. وما جعل فيها من المصالح للعباد بمعرفة السنين والحساب، واختلاف الزروع والثمار، وتقلب الفصول وغير ذلك دليلٌ على كمال حكمته وعلى واسع رحمته -سبحانه وتعالى-. إن القرآن الكريم مليءٌ بالحديث عن هاتين الآيتين العظيمتين فقرر سبحانه بأنهما مخلوقان لله ليس خالقين ولا مدبرين، ولا يملكان ضرًا ولا نفعًا، ولا حياةً ولا موتًا ولا نشورًا ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء:33]. وقرر أنهما آيتان تدلان على وحدانيته سبحانه فمن خلقهما هو المستحق للعبادة لا الشمس ولا القمر فقال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [فصلت:37]. إن الشمس والقمر لا يُسجد لهما ولكنهما هما اللذان يسجدان لله، ومن سجودهما له تصرفهما على حسب مشيئته وأمره لا تطلع إلا بإذنه، ولا تغيب إلا بإذنه. ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ﴾ [الحج:18]. عن أبي ذرٍ -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له حين غربت الشمس: «تدري أين تذهب؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها. يقال لها: ارجعي من حيث جئتِ فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [يس:38]». متفق علي صحته. وامتن على عباده بأن جعلهما مسخرين لمصالح العباد فقال –عزَّ وجلَّ-: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ [إبراهيم:33-34]. فهذا أنت أيها المخلوق الضعيف يسخر الله لك ما في السموات وما في الأرض، مما تعلم ومما لا تعلم؛ من أجل أن تتم بها مصالحك، ويستقيم أمر معاشك حتى تعبد الله، وتقوم بالواجب الذي خلقت من أجله بفعل طاعته، واجتناب معصيته ثم أبىَّ أكثر الناس إلا كفورًا والعياذ بالله. ثم إن مصير هاتين الآيتين العظيمتين أن الله يُطفئ نورهما، ويلفهما كما تُلف العمامة ثم يوضعان في نار جهنم تبكيتًا وتعذيبًا لمن كان يعبدهما من دون الله، فيقال لهم بلسان الحال أو لسان المقال: "هذه آلهتكم التي كنتم تعبدونها أفأغنت عنكم شيئاً؟!"، في صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «الشمس والقمر مكوران يوم القيامة»، وفي رواية غيره «في النار»، وفي روايةٍ «ليراهما من عبدهما». وإن من آيات الله في الشمس والقمر أن يَذهب بنورهما في الدنيا ذهابًا مؤقتًا بكسوفٍ أو خسوف حتى يري عباده كمال قدرته التي قهر بها خلقه، وحتى يعلموا أنهما مخلقان ضعيفان مدبران بأمر الله، وحتى ينيبوا إلى ربهم ويخبتوا له، ويتوبوا إليه من معاصيهم فإن كسوف الشمس والقمر آيتان يخوف الله –عزَّ وجلَّ- بهما عباده؛ ليتوبوا إليه ويرجعوا إليه. وقد مرَّ بنَّا هذا الأسبوع كسوفٌ للشمس فهل تذكرنا ورجعنا وتبنا إلى الله فإن هذا هو حال المتقين؛ لهذا كان أكمل الخلق علمًا بالله، وأكملهم خشيةً له، وأتمهم له عبودية صلوات الله وسلامه عليه لما حدث الكسوف في زمنه -صلى الله عليه وسلم- في اليوم الذي مات فيه ابنه إبراهيم، وكان يومًا شديد الحر، وبعد ارتفاع الشمس من الضحى فلما رأى كسوفها فزع وقام إلى المسجد يجر رداءه، وأمر بأن ينادى إن الصلاة جامعة فاجتمع الناس وصلى بهم صلاةً جهرية طويلة، فكبر وقرأ الفاتحة، وسورةً طويلة نحو سورة البقرة حتى كان بعض أصحابه يخرون مغشيًا عليهم من طول القيام والحر ثم ركع ركوعا طويلاً ثم رفع ثم قرأ الفاتحة مرةً أخرى ثم قرأ سورةً طويلة دون الأولى ثم ركع ركوعًا طويلًا دون الأول، ثم رفع، ثم سجد سجدتين طويلتين ثم رفع ففعل كما في الركعة الأولى. وفي صلاته هذه رآه أصحابه تقدم، ومدَّ يده كأنه يتناول شيئًا ثم رأوه راجعًا وراءه كأنما يحاذر من شيء حتى رجعت الصفوف من خلفه. وبعد أن أتم صلاته قام فوعظ الناس وخوفهم من غضب الله، وقال ردًا على من زعم أنها كُسفت لموت ابنه إبراهيم: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحدٍ ولا لحياته» ثم أخبرهم بأنه رأى الجنة والنار، وفتنة القبور، وشيئًا من عذاب البرزخ في مقامه، وأنه تقدم لما رأى الجنة، ورأى فيها عنقودًا من عنبٍ فأراد أن يتناوله ثم أعرض عن ذلك، ولو ناولهم إياه لأكل منه الناس ما بقيت الدنيا، وأنه لما رأى النار رجع وراءه، وأنه لم ير منظرًا قط أفظع منها أجارنا الله وإياكم منها. ورأى فيها "عمْرًا الخزاعي" الذي غيَّر دين إبراهيم، وصرف الناس إلى عبادة الأصنام، وسيب السوائب رآه وهو يجر أمعاءه في نار جهنم. ورأى في النار الرجل الذي كان يسرق أمتعة الحجاج بعصاه، ورأى امرأة تخمشها هرةٌ في النار كانت قد حبستها في الدنيا فلم تطعمها ولم تطلقها حتى ماتت، ورأى أكثر سكان النار من النساء؛ لأنهن يكثرنَّ من كفر نعمة الأزواج، ورأى فتنة القبور وأن الناس يُسألون ويمتحنون، ويفتنون في قبورهم فتنةً عظيمةً كفتنة الدجال. ثم حذر أمته من الزنا خاصة؛ لأنه إذا فشا وانتشر وظهر كان سببًا في نزول العقوبات العاجلة، وخراب الدنيا. فقال: «يا أمة محمد إن من أحدٍ أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته. يا أمة محمدٍ، والله لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرًا ولضحكتم قليلًا ألا هل بلغت؟» ثم أمر الناس إذا رأوا هذه الآية أن يفزعوا إلى الصلاة، وإلى الدعاء وإلى التوبة، وإلى الصدقة وإلى عتق الرقاب المملوكة؛ لأن أسباب العقوبات قد انعقدت وأماراتِها قد ظهرت وهذا طريق الخلاص منها. فانظر إلى هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في الكسوف، وانظر إلى حالنا وحال كثيرٍ من الناس تجد الفرق العظيم، والبون الشاسع. فمن منَّا حرص على صلاة الكسوف، ومن منَّا تصدق في ذلك اليوم أو دعا الله أو اجتهد في الاستغفار والتوبة. إنها حقًا الغفلة نسأل الله لنا ولكم العافية. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد.. عباد الله، نحن كما تعلمون في شهر الله المحرم، وهو شهرٌ يستحب الصيام فيه ومن ذلك ما سيأتي من صيام يوم عاشوراء فإنه يكفر السنة الماضية كما جاء في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو اليوم الذي نجَّا الله تعالى فيه موسى وقومه من فرعون فصامه موسى شكرًا وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لليهود: «نحن أحق بموسى منكم» فأمر بصيامه. ويوم عاشوراء يُسن قرنه بيومٍ، وقد ذكر بن القيم –رحمه الله تعالى- أو غيره: "أن صيامه على مراتب: فإما أن يصومه مع يومٍ قبله ومع يومٍ بعده فيصوم ثلاثة أيام، أو يصوم يومين فقط التاسع والعاشر، أو يفرد صيامه"، والسنة والأفضل أن لا يفرده بالصيام لقوله صلى الله عليه وسلم: «لئن بقيت لأصومنَّ التاسع». وللعلم عباد الله فعاشوراء حسب الرؤية سيكون يوم الخميس القادم جعلنا الله وإياكم من أهل الطاعة. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر لنا ولوالدينا، اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا هنيئًا مريئًا غدقًا، مجللًا عامًا طبقًا عاجلًا غير رائثٍ يا رب العالمين. اللهم لا تأخذنا بما فعل السفهاء منَّا. اللهم أغثنا ولا تأخذنا بما فعل السفهاء منَّا، اللهم تقبل منَّا إنك أنت السميع العليم، واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمدًا.