عشرة مما يجري للمؤمن أجره بعد موته
عشرة مما يجري للمؤمن أجره بعد موته
  | 3709   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: عشرة مما يجري للمؤمن أجره بعد موته.
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  •  المكان: خطبة جمعة ألقاها 6 شعبان عام 1437هـ في مسجد السعيدي بالجهراء.

  • الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
  • أما بعد،،،
فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار
  • أما بعد،،
اتقوا الله عباد الله، وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه، ثم اعلموا –رحمكم الله- أن من عظيم نعم الله –عز وجل- على عباده المؤمنين أن هيّأ لهم أبوابًا من الخير والإحسان عديدة، يقوم بها العبد الموفق في هذه الحياة، ويجري ثوابها عليه بعد الممات، فأهل القبور في قبورهم مرتهنون، وعن الأعمال منقطعون، وعلى ما قدّموا في حياتهم محاسبون مجزيون، بينما هذا الموفق في قبره الحسنات عليه متوالية، والأجور والأفضال عليه متتالية، ينتقل من دار العمل، ولا ينقطع عنه الثواب، تزداد درجاته، وتتنامى حسناته، وتتضاعف أجوره وهو في قبره، فما أكرمها من حال، وما أجمله وما أطيبه من مآل.
  • عباد الله:
قد ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم- أمورًا سبعة  يجري ثوابها على الإنسان في قبره من بعد ما يموت، وذلك فيما رواه البزار في مسنده بإسنادٍ حسن من حديث أنس بن مالك –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم قال: «سبعٌ يجري للعبد أجرهن وهو ميتق في قبره، من عَلّم علماً، أو أجرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورّث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته». وتأمل أخي المسلم مليًا هذه الأعمال، واحرص على أن يكون لك منها حظٌ ونصيب مادمت في دار الإمهال، وبادر إليها أشد المبادرة قبل أن تنقضي الأعمار وتنصرم الآجال.
  • أما تعليم العلم:
فالمراد بالعلم هنا: العلم النافع الذي يبصر الناس بدينهم، ويعرفهم بربهم ومعبودهم، ويهديهم إلى صراطه المستقيم، العلم الذي به يُعرف به الهدى من الضلال، والحق من الباطل، والحلال من الحرام، وهنا عباد الله يتبينُ عظيمُ فضل العلماء الناصحين الذين هم في الحقيقة سراج العباد، ومنار البلاد، حياتهم غنيمة، وموتهم مصيبة، فهم يُعلمون الجاهل، ويُذكرون الغافل، ويُرشدون الضال، وعندما يموت الواحد منهم تبقى علومه بين الناس موروثة، ومؤلفاته وأقواله بينهم متداولة، منها يُفيدون، وعنها يأخذون، وهو في قبره تتوالى عليه الأجور، وتتابع عليه الثواب.
  • وثانيًا:
إجراءُ النهر، والمراد شق جداول الماء من العيون والأنهار؛ لكي تصل المياه إلى أماكن الناس ومزارعهم، فيرتوي الناس، وتسقى الزروع، وتشرب الماشية، وكم في مثل هذا العمل الجليل من الإحسان إلى الناس، والتنفيس عنهم بتيسير حصول الماء به الذي به تكون الحياة، بل هو أهم مقوماتها، ويلتحق بهذا مد الماء عبر الأنابيب إلى أماكن الناس، ومواطن حاجاتهم، ويلتحق بهذا أيضا وضع برادات الماء في أماكن الناس ومواطن احتياجاتهم.
  • وثالثًا:
حفر الآبار، وهو نظير ما سبق، وقد جاء في السنة أن النبي قال: «بينما رجلٌ بطريقٍ فاشتد عليه العطش، فوجد بئرًا فنزل فيها فشرب، ثم خرج، فإذا كلبٌ يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له، قالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجراً؟ فقال –عليه الصلاة والسلام-: «في كل ذات كبدٍ رطبة ٍ أجرٌ». متفقٌ عليه. فكيف عباد الله، بمن حفر البئر، وتسبب في وجودها حتى ارتوى منها خلقٌ، وانتفع بها كثيرون.
  • ورابعًا:
غرس النخل، ومن المعلوم أن النخل سيد الأشجار، وأفضلها، وأنفعها، وأكثرها عائدةً على الناس، فمن غرس نخلًا، وسبل ثمره إلى المسلمين، فإن أجره يستمر كلما طعم من ثمره طاعم، وكلما انتفع بنخله منتفعٌ من إنسان ٍأو حيوان ، وهكذا الشأن عباد الله، في غرس كل ما ينفع الناس من الأشجار عمومًا، وإنما خُص النخل هنا بالذكر لفضله وتميزه.
  • وخامسًا:
بناء المساجد التي هي أحب البقاع إلى الله، والتي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وإذا بُني المسجد أُقيمت فيه الصلاة، وتُلي فيه القرآن، وذُكر الله –عز وجل- فيه، ونُشر فيه العلم، واجتمع فيه المسلمون عباداتهم، إلى غير ذلك من المصالح العظيمة، ولبانيه أجرٌ في ذلك كلِّه، وقد ثبت في الحديث عن النبي  -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «من بنى مسجدًا يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتًا في الجنة» [متفقٌ عليه]. وسادسًا: توريث المصحف، وذلك يكون بطباعة المصاحف وشرائها، ووقفها في المساجد، ودور العلم حتى يستفيد منها المسلمون، ولواقفها أجرٌ عظيم ٌ كلما تلا في ذلك المصحف تالٍ، وكلما تدبر فيه متدبر، وكلما عمل فيه عامل.
  • وسابعًا:
تربية الأبناء، وحسن تأديبهم، والحرص على تنشئتهم على التقوى والصلاح، حتى يكونوا أبناء بررة، وأولادًا صالحين، فيدعون لأبويهم بالخير، ويسألون الله لهما المغفرة والرحمة، فإن هذا مما ينتفع به الميت في قبره. فاللهم إنا نسألك أن تغفر لوالدينا،
  • عباد الله
قد ورد في المعنى المتقدم أحاديث أخرى عن النبي –صلى الله عليه وسلم- منا ما رواه ابن ماجه من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته عالمًا علم علمه ونشره، وولدًا صالحًا تركه، ومصحفًا ورثه أو مسجدًا بناه، أو بيتًا لابن السبيل بناه، أو نهرًا أجراه، أو صدقةً أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته» وهو حديثٌ حسن. وفي صحيح مسلمٍ عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ ينتفع به أو ولدٍ صالحٍ يدعو له». وقد فسر جماعةٌ من أهل العلم الصدقة الجارية بأنها الأوقاف أن يحبس الأصل، وتسبل منفعته، وجل الخصال المتقدمة داخلةً في الصدقة الجارية. وقوله في حديث أبي هريرة «أو بيتًا لابن السبيل بناه» فيه فضل بناء الدور ووقفها لينتفع بها المسلمون سواءً ابن السبيل أو طلاب العلم، أو الأيتام، أو الأرامل، أو الفقراء والمساكين. وكم في هذا من الخير والإحسان. وقد تحصل بما تقدم جملةٌ من الأعمال المباركة إذا قام بها العبد في حياته جرى له ثوابها بعد الممات، فنسألك اللهم بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلا أن تُوفقنا لكل خير، وأن تيسر لنا أبواب البر والخير والإحسان. أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
  • الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد.
  • عباد الله:
وإن مما يجري على المسلم ثوابه وهو ميتٌ في قبره غير ما تقدم الرابط في السفور في سبيل الله لصد العداء، وحراسة المسلمين لما ثبت في صحيح مسلمٍ من حديث سلمان الفارسي –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: «رباط يومٍ وليلة خير من صيام شهرٍ وأيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمل، وأُجري عليه رزقه، وأمن الفتان» أي؛ أنه في قبره ينمو له عمله إلى يوم القيامة، ويأمن بإذن الله من فتنة القبر، وهذه بشرى للجنود المرابطين على الحدود لصد العدوان أو حراسة الأوطان إذا أخلصوا النية لرب العالمين.
  • عباد الله:
اجتمع لنا مما سبق أعمالٌ عشرة إذا قام بها الإنسان في حياته، واعتنى بها أثناء حياته يجري له ثوابها بعد موته وهو في قبره، وهي تعليم العلم النافع، وإجراء الأنهار، وحفر الآبار، وغرس النخيل والأشجار، وبناء المساجد ، وتوريث المصاحف، وتربية الأبناء حتى يكونوا صالحين داعيين لوالديهم بالرحمة والمغفرة، وبناء الدور، ووقفها على المحتاجين، والصدقات الجارية، والرباط في السفور اللهم وفقنا للعمل الصالح الذي يرضيك عنا يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.