من أحوال وأهوال يوم القيامة
من أحوال وأهوال يوم القيامة
  | 1292   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: من أحوال وأهوال يوم القيامة.
  • ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى
  • المكان: خطبة في يوم  29 ربيع الآخر 1446هـ في مسجد السعيدي بالجهرا.

 
  • الخطبة الأولى
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،  ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( [آل عمران:102].
  • أَمَّا بَعْدُ:
عباد الله: اعلموا أن يوم القيمة قريب، وأن العباد فيه محاسبون مجزيون إما إلى جنة عرضها السموات والأرض وإما إلى نار تلظى، فاستعدوا للقاء الله، واعملوا الصالحات وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فيوم القيامة شديد وخطبه عظيم وهوله جسيم، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}. ففي هذ اليوم تندك الأرض وتسير الجبال وتشتد الأمور وتعظم الأهوال، (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار)، فينزل الله للقضاء بين عباده، ويحشر العباد حافية أقدامهم عارية أجسامم شاخصة أبصارهم واجفة قلوبهم، حتى يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه، وتدنو الشمس من الخلائق ويعرق الناس عرقا شديدا كل ذلك في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، واسمع لهذا الحديث الذي يذكر شيء من أحوال الناس في ذلك اليوم وما يحصل فيه من الأهواء. روى البخاري ومسلم عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال أتي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِلَحْمٍ فَرُفِعَ إليه الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ فنهس منها نهسة ثُمَّ قال أنا سَيِّدُ الناس يوم الْقِيَامَةِ وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذلك يَجْمَعُ الله الناس الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ يُسْمِعُهُمْ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمْ الْبَصَرُ وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ الناس من الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مالا يُطِيقُونَ ولا يَحْتَمِلُونَ فيقول الناس ألا تَرَوْنَ ما قد بَلَغَكُمْ ألا تَنْظُرُونَ من يَشْفَعُ لَكُمْ إلى رَبِّكُمْ فيقول بَعْضُ الناس لِبَعْضٍ عَلَيْكُمْ بِآدَمَ فَيَأْتُونَ آدَمَ عليه السَّلَام فَيَقُولُونَ له أنت أبو الْبَشَرِ خَلَقَكَ الله بيده وَنَفَخَ فِيكَ من رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لك اشْفَعْ لنا إلى رَبِّكَ ألا تَرَى إلى ما نَحْنُ فيه ألا تَرَى إلى ما قد بَلَغَنَا فيقول آدَمُ إِنَّ رَبِّي قد غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لم يَغْضَبْ قَبْلَهُ مثله وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مثله وَإِنَّهُ نَهَانِي عن الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إلى غَيْرِي اذْهَبُوا إلى نُوحٍ فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ يا نُوحُ إِنَّكَ أنت أَوَّلُ الرُّسُلِ إلى أَهْلِ الأرض وقد سَمَّاكَ الله عَبْدًا شَكُورًا اشْفَعْ لنا إلى رَبِّكَ ألا تَرَى إلى ما نَحْنُ فيه فيقول إِنَّ رَبِّي عز وجل قد غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لم يَغْضَبْ قَبْلَهُ مثله وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مثله وَإِنَّهُ قد كانت لي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا على قَوْمِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إلى غَيْرِي اذْهَبُوا إلى إبراهيم فَيَأْتُونَ إبراهيم فَيَقُولُونَ يا إِبْرَاهِيمُ أنت نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ من أَهْلِ الأرض اشْفَعْ لنا إلى رَبِّكَ ألا تَرَى إلى ما نَحْنُ فيه فيقول لهم إِنَّ رَبِّي قد غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لم يَغْضَبْ قَبْلَهُ مثله وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مثله وَإِنِّي قد كنت كَذَبْتُ ثَلَاثَ كَذِبَاتٍ نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إلى غَيْرِي اذْهَبُوا إلى مُوسَى فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُونَ يا مُوسَى أنت رسول اللَّهِ فَضَّلَكَ الله بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ على الناس اشْفَعْ لنا إلى رَبِّكَ ألا تَرَى ما نَحْنُ فيه فيقول إِنَّ رَبِّي قد غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لم يَغْضَبْ قَبْلَهُ مثله وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مثله وَإِنِّي قد قَتَلْتُ نَفْسًا لم أومر بِقَتْلِهَا نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إلى غَيْرِي اذْهَبُوا إلى عِيسَى فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ يا عِيسَى أنت رسول اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ منه وَكَلَّمْتَ الناس في الْمَهْدِ صَبِيًّا اشْفَعْ لنا ألا تَرَى إلى ما نَحْنُ فيه فيقول عِيسَى إِنَّ رَبِّي قد غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لم يَغْضَبْ قَبْلَهُ مثله قَطُّ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مثله ولم يذكر ذَنْبًا نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إلى غَيْرِي اذْهَبُوا إلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَيَأْتُونَ محمد صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُونَ يا محمد أنت رسول اللَّهِ وَخَاتِمُ الْأَنْبِيَاءِ وقد غَفَرَ الله لك ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ اشْفَعْ لنا إلى رَبِّكَ ألا تَرَى إلى ما نَحْنُ فيه فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عز وجل ثُمَّ يَفْتَحُ الله عَلَيَّ من مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عليه شيئا لم يَفْتَحْهُ على أَحَدٍ قَبْلِي ثُمَّ يُقَالُ يا محمد ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ أُمَّتِي يا رَبِّ أُمَّتِي يا رَبِّ فَيُقَالُ يا محمد أَدْخِلْ من أُمَّتِكَ من لَا حِسَابَ عليهم من الْبَابِ الْأَيْمَنِ من أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ الناس فِيمَا سِوَى ذلك من الْأَبْوَابِ ثُمَّ قال وَالَّذِي نَفْسِي بيده إِنَّ ما بين الْمِصْرَاعَيْنِ من مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كما بين مَكَّةَ وَحِمْيَرَ أو كما بين مَكَّةَ وَبُصْرَى. وفي هذا اليوم يحاسب الله الخلائق على أعمالهم فأول ما يحاسب عليه العبد صلاته فإن كانت صالحة أفلح ونجح وإن كانت فاسدة خاب وخسر. ويقضي الله بين الخلائق وتنصب الموازين وتنشر الدواوين وهي صحائف الأعمال فيأخذ المؤمنون كتابهم بأيمانهم مستبشرين مغتبطين ويأخذ الكافرون كتابهم بشمائلهم أو خلف ظهورهم حزينين خاسرين، ويوضع الصراط على متن جهنم فيمر الناس عليه على قدر أعمالهم، فيوم القيامة أهواله شديدة وهو يوم عصيب، فأعدوا العدة لهذا اليوم، فقد حصلت كثير من أشراطه الصغرى وها نحن ننتظر أشراطه الكبرى،{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يوماً لاَ يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شيئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}، وقد أخبر الله أنه قريب، (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ ۚ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا)، وقال ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه)، وقال :( اقتربت الساعة وانشق القمر )، وقد ذكرنا الله قربه حتى لا نغفل عنه ونستعد بالعمل الصالح للقائه، كما قال تعالى: (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون). بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
  • الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد: عباد الله ... مع أن الله تعالى يغضب في هذا اليوم غضباً شديداً، لكن الله تعالى أيضاً غفور رحيم بعباده يحب أولياءه ويرحمهم، فاسمع معي إلى آخر أهل الجنة دخولاً الجنة وكيف هي منزلته؟ وما الذي أعطاه فيها؟، روى مسلم في صحيحه عن ابن مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال آخِرُ من يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ فَهْوَ يَمْشِي مَرَّةً وَيَكْبُو مَرَّةً وَتَسْفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً فإذا ما جَاوَزَهَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا فقال تَبَارَكَ الذي نَجَّانِي مِنْكِ لقد أَعْطَانِي الله شيئا ما أَعْطَاهُ أَحَدًا من الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فَتُرْفَعُ له شَجَرَةٌ فيقول أَيْ رَبِّ أَدْنِنِي من هذه الشَّجَرَةِ فَلِأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَأَشْرَبَ من مَائِهَا فيقول الله عز وجل يا بن آدَمَ لَعَلِّي إِنَّ أَعْطَيْتُكَهَا سَأَلْتَنِي غَيْرَهَا فيقول لَا يا رَبِّ وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لِأَنَّهُ يَرَى مالا صَبْرَ له عليه فَيُدْنِيهِ منها فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا وَيَشْرَبُ من مَائِهَا ثُمَّ تُرْفَعُ له شَجَرَةٌ هِيَ أَحْسَنُ من الْأُولَى فيقول أَيْ رَبِّ أَدْنِنِي من هذه لِأَشْرَبَ من مَائِهَا وَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا فيقول يا بن آدَمَ أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا فيقول لَعَلِّي إن أَدْنَيْتُكَ منها تَسْأَلُنِي غَيْرَهَا فَيُعَاهِدُهُ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لِأَنَّهُ يَرَى مالا صَبْرَ له عليه فَيُدْنِيهِ منها فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا وَيَشْرَبُ من مَائِهَا ثُمَّ تُرْفَعُ له شَجَرَةٌ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ هِيَ أَحْسَنُ من الْأُولَيَيْنِ فيقول أَيْ رَبِّ أَدْنِنِي من هذه لِأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَأَشْرَبَ من مَائِهَا لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا فيقول يا بن آدَمَ أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا قال بَلَى يا رَبِّ هذه لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لِأَنَّهُ يَرَى مالا صَبْرَ له عليها فَيُدْنِيهِ منها فإذا أَدْنَاهُ منها فَيَسْمَعُ أَصْوَاتَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فيقول أَيْ رَبِّ أَدْخِلْنِيهَا فيقول يا بن آدَمَ ما يَصْرِينِي مِنْكَ أَيُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا قال يا رَبِّ أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَضَحِكَ بن مَسْعُودٍ فقال ألا تَسْأَلُونِي مِمَّ أَضْحَكُ فَقَالُوا مِمَّ تَضْحَكُ قال هَكَذَا ضَحِكَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا مِمَّ تَضْحَكُ يا رَسُولَ اللَّهِ قال من ضِحْكِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حين قال أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ فيقول إني لَا أَسْتَهْزِئُ مِنْكَ وَلَكِنِّي على ما أَشَاءُ قَادِرٌ. وفي رواية : وَيُذَكِّرُهُ الله سَلْ كَذَا وَكَذَا فإذا انْقَطَعَتْ بِهِ الْأَمَانِيُّ قال الله هو لك وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ قال ثُمَّ يَدْخُلُ بَيْتَهُ فَتَدْخُلُ عليه زَوْجَتَاهُ من الْحُورِ الْعِينِ فَتَقُولَانِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي أَحْيَاكَ لنا وَأَحْيَانَا لك قال فيقول ما أُعْطِيَ أَحَدٌ مِثْلَ ما أُعْطِيتُ. فهذا عباد الله آخر أهل الجنة وأدناهم منزلة فكيف فأهل الفردوس الأعلى كيف هي منازل الأنبياء والأصفياء والأولياء.