فضائل تسبيح الله ومنزلته
فضائل تسبيح الله ومنزلته
  | 1341   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: فضائل تسبيح الله ومنزلته.
  • ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى
  • المكان: خطبة في يوم  22 ربيع الآخر 1446هـ في مسجد السعيدي بالجهرا.

 
  • الخطبة الأولى
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،  ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( [آل عمران:102].
  • أَمَّا بَعْدُ:
فلقد منّ الله تعالى على العباد بأقوال وكلمات باللسان يسيرة، لكن الله رتّب عليها الأجور الكثيرة والحسنات الكبيرة، فتَثقُل في ميزان العبد، وترفعه عند الله درجات، وتحط عنه الخطايا والسيئات، فما أعظمَ فضله علينا، وما أجلَّ مِنَّتَهُ على عباده المؤمنين. ومن ذلك: تسبيح الله تعالى بالقلب واللسان، والتسبيح هو تنزيه الله تعالى عن النقائص والعيوب، وتعظيم الله تعالى بإثبات كل صفات الكمال وأسماء الجلال، وقد سبح الله تعالى نفسه في كتابه، فقال: (سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ)، وأمر بتسبيحه فقال: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)، وأخبر أن ملائكته لا يملُّون ولا يتعبون من تسبيحه، فقال: (وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ)، بل كل شيء يسبح بحمد حتى السموات والأرض قال تعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)، وإنَّ مِن أجل مقاصد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم هو تسبيح الله تعالى بما يتضمنه من المعاني، قال سبحانه: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)، ولما أمر الله تعالى العباد بالذكر خصَّ التَّسبيح لعظيم منزلتِهِ وجليلِ قدرِه فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)
  • عباد الله:
لما كان تسبيح الله تعالى وتنزيهه وتعظيمه من أجل الأعمال وأفضل الأقوال جاء الأمر به في السجود والركوع في الصلاة، وفي الأذكار بعد الفرائض، وفي أذكار الصباح والمساء، ووردت في فضله الأحاديث الكثيرة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، مِائَةَ مَرَّةٍ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ ، إَلاَّ أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ». [رواه مسلم]. وفي لفظ: «مَنْ قَالَ حِيْنَ يُصْبِحُ: سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيم وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّة، وَإِذَا أَمْسى كَذَلِكَ، لَمْ يُوافِ أَحَدٌ مِنَ الْخَلاَئِقِ بِمِثْلِ مَا وَافَى». [رواه أبو داود وصححه الألباني]، فحافظ على هذا الذِّكر فهو رفعةٌ لك يوم القيامة، والتسبيح من أسباب غرس الجنة، عَنْ جَابِرٍ t: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :«مَنْ قَالَ : سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيم وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَهٌ فِي الْجَنَّةِ» [رواه الترمذي]. وفي لفظ: (مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمَ غُرِسَ لَهُ شَجَرَة فِي الْجَنَّةِ». [رواه ابن حبان والحاكم وصححه].
  • عباد الله:
تسبيح الله تعالى من أجل الكلام وأحبه إلى الله، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الْكَلاَمِ إِلَى اللهِ؟». قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَخْبِرْنِي بَأَحَبِّ الْكَلاَمِ إِلَى اللهِ، فَقَالَ :«إِنَّ أَحَبَّ الْكَلاَمِ إِلَى اللهِ، سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ» [رواه مسلم]. وَعَنْهُ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ : أَيُّ الْكَلاَمِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مَا اصْطَفَى اللهُ لِمَلاَئِكَتِهِ أَوْ لِعِبَادِهِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ» [رواه مسلم]. بل التسبيح يعدل كثيرًا من الأعمال التي قد يعجز العبد عن أدائها، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ t قَالَ : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ هَالَهُ اللَّيلُ أَنْ يُكَابِدَهُ، أَوْ بَخِلَ بِالْمَالِ أَنْ يُنفِقَهُ، أَوْ جَبُنَ عَنِ الْعَدِوِّ أَنْ يُقَاتِلَهُ، فَلْيُكْثِرْ مِنْ سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمدِهِ، فَإِنَّهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ جَبَلِ ذَهَبٍ يُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» [رواه الطبراني وصححه الألباني].
  • أيها المسلمون:
ألا تريدون أن تَثْقُلَ موازينُكم يوم لقاء ربكم، فعليكم بتسبيح الله، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم قَالَ :«كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ ، سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ» [متفق عليه]. ومع إثقاله للموازين فهو يحط الخطايا حطًّا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :«مَنْ قَالَ : سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّهٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْل زَبَدِ الْبَحْرِ» [متفق عليه]. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.  
  • الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ –عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
  • مَعَاشِرَ المُسْلِمِينَ:
إن ذكر الله عموما والتسبيح خصوصا من أسباب ارتفاع العبد منازل على غيره في الجنات، لا سيما من طال عمُرُهُ وحافظ على ذكر ربه، وهذه تذكرة لمن مَنَّ الله عليه بالعُمر، فليزدد من الصالحات قبل أن يأتيه الأجل فيندمَ على ما فات، وخير الناس من طال عمره وحَسُنَ عملُهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ رضي الله عنه: أَنَّ نَفَراً مِنْ بَنِي عذرة ثَلاَثَة أَتَوْا النَّبَيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمُوا ، قَالَ : فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ يَكْفِنيهمْ». [أي: يضيفهم] قَالَ طَلْحَةُ: أَنَا ، قَالَ : فَكَانُوا عِنْدَ طَلْحَةَ فَبَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْثاً فَخَرَجَ فِيهِ أَحَدُهُم فَاسْتُشْهِدَ، قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ بَعْثاً فَخَرَجَ فِيهِمْ آخَر فَاسْتُشْهِدَ، قَالَ: ثُمَّ مَاتَ الثَّالِثُ عَلَى فِرَاشِهِ، قَالَ طَلْحَة: فَرَأَيْتُ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثة الَّذِيْن كَانُوا عِنْدِي فِي الْجَنَّةِ، فَرَأَيْتُ الْمَيَّتَ عَلَى فِرَاشِهِ أمَامَهُمْ، وَرَأَيْتُ الَّذِي اسْتُشْهِدَ أَخِيراً يَلِيهِ، وَرَأَيْتُ الَّذِي اسْتُشْهِدَ أَوَّلَهُمْ آخِرَهُمْ، قَالَ: فَدَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ [يعني استشكلت ذلك] قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ قَالَ: فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :«وَمَا أَنْكَرتَ مِنْ ذَلِكَ؟ لَيْسَ أَحَدٌ أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَمَّرُ فِي الإِسْلاَمِ لِتَسْبِيحِهِ وَتَكْبِيرِهِ وَتَهْلِيلِهِ». [رواه أحمد وأبو يعلى وحسنه الألباني]. عباد الله: تسبيح الله وذكره وقاية للعبد من النيران وسبب لدخول الجنان، فهذا إبراهيم الخليل u يُقرئ هذه الأمة السلام، ويوصيكم بهذه الوصية، فعليكم بها تسلموا وتغنموا، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ t قَالَ : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«لَقِيْتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أَقْرِئ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلاَمَ، وَأَخْبِرهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ ، عَذْبَةُ الْمَاءِ ، وَأَنَّهَا قِيْعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا: سُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ للهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ اكْبَرُ» [رواه الترمذي وحسنه الألباني].فأكثروا عباد الله من ذكر الله وتسبيحه، وتحميده وتهليله، تحوزوا الأجور الكثيرة، والحسنات الكبيرة، ولا تفرطوا في أوقاتكم وعوّدوا ألسنتكم على ذكر ربكم. اللهم اجعلنا من الذاكرين ولا تجعلنا من الغافلين....