- خطبة بعنوان: ختام شهر رمضان بعبادة الرحمن.
- ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى.
- المكان: خطبة في يوم 26 رمضان 1445هـ في مسجد السعيدي بالجهرا.
الخطبة الأولى:
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
اشكروا الله تعالى أن بلغكم رمضان، وجعلكم من أهل الصيام والقيام والقرآن، وها هو الشهر قد أَزِف على الرَّحيل بما استودعه كل عبد من الأعمال، فمن اجتهد فليزدد اجتهادا، ومن قَصَّر فليتدارك هذه الليالي والأيام، فلا يدري العبد بما يختم الله له، فقد يمنّ الله عليه برحمة من رحماته، فيغفر له ويعتقه من النيران، فالعبرة بالخواتيم، وقد يدرك ليلة القدر فيما بقي من الليالي، فيحُوز خيرًا عظيمًا وثوابًا جزيلًا، ويغفر له ما تقدم من ذنبه، فليلة القدر قد تكون في أيِّ ليلة من ليالي رمضان، ومما بقي ليلة السابع والعشرين وهي من أرجى الليالي أن تكون ليلة القدر، فعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما عن النبي
ﷺ في ليلة القدر قال: (ليلة سبع وعشرين). [رواه أبو داود وصححه الألباني]، وكان أبي بن كعب يحلف على أنها ليلة سبع وعشرين، وقد تكون كذلك في آخر ليلة من رمضان، فعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَان رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْتَمِسُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ). [رواه ابن خزيمة وصححه الألباني]، وبوّب عليه ابن خزيمة بقوله: (بَاب الْأَمْرِ بِطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ آخِرَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، إِذْ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِ السِّنِينَ تِلْكَ اللَّيْلَةُ).
مما يشرع في ختام هذا الشهر، الاجتهادُ في تكبير الله تعالى عند غروب شمس آخر يوم من رمضان، امتثالا لقول الله تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، فيكبّر العبد إلى أن يشرع الإمام في صلاة العيد، عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: (أنَّه كان يَجهَرُ بالتَّكبيرِ يومَ الفِطرِ إذا غدا إلى المصلَّى، حتى يخرُجَ الإمامُ فيُكبِّرَ) [رواه الدارقطني وصححه الألباني]، وصيغ التكبير متعددة، ومن ذلك، (اللهُ أَكْبَـرُ، اللهُ أَكْبَـرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَـرُ، اللهُ أَكْبَـرُ، وَلِلَّهِ الحَمْدُ) كما كان يكبر علي وابن مسعود، ومنها (اللهُ أَكْبَـرُ كَبِيرًا، اللهُ أَكْبَـرُ كَبِيرًا، اللهُ أَكْبَـرُ وَأَجَلُّ، اللهُ أَكْبَـرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ) كما جاء عن ابن عباس ورواهما ابن أبي شيبة.
مما فرضه علينا رسول الله
ﷺ في ختام هذا الشهر: زكاةَ الفطر، وهي طهرةٌ لنا من تقصيرنا في صيامنا، وإكمالٌ للنقص في شهرنا، وإعانةٌ للمحتاجين والفقراء من إخواننا، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: « فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ اَلْفِطْرِ; طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ, فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ, وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ]، وهي فريضة على كل مسلم ومسلمة، كبير أو صغير، فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: « فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ, صَاعًا مِنْ تَمْرٍ, أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ, وَالذَّكَرِ, وَالْأُنْثَى, وَالصَّغِيرِ, وَالْكَبِيرِ, مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ » [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]. فزكاة الفطر لا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، وأفضل أوقاتها ما بين الفجر إلى صلاة العيد، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، ومن آدَّاها قبل ذلك فعليه إعادتها، لما روى البخاري عن نافع مولى ابن عمر: (وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ). وهي صاع من طعام من غالب قوت أهل البلد، غالب قوت وأحمد رحمهم الله، غروب شمس تقدم من ذنبه له ويعتقه من النيرانكما شرعه رسول الله
ﷺ وكما فعله الصحابة والتابعون، مع وجود الحاجة إلى المال في ذلك الوقت، ولكن المسألة سنةٌ واتباعٌ، وليست آراءً وأهواءً، قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: ( كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ) [متفق عليه]، فمن أخرجها مالاً بدل الطعام فلا تجزؤه عند أكثر العلماء ومنهم مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله، قَالَ أَبُو دَاوُد قِيلَ لِأَحْمَدَ وَأَنَا أَسْمَعُ: أُعْطِي دَرَاهِمَ - يَعْنِي فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ - قَالَ: (أَخَافُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ، خِلَافُ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). والحرص عباد الله على هذه الزكاة، وأداء صلاة العيد بعدها، من أسباب الفلاح والسعادة، فقد ورد عن بعض السلف في تفسير قوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)، أنها زكاة الفطر وصلاة العيد، قال الحافظ ابن كثير: (رُوِّينا عن أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز أنه كان يأمر الناس بإخراج صدقة الفطر، ويتلو هذه الآية). وقد جاء عن محمد بن سيرين في تفسير الآية قال: (أَدَّى صدقة الفطر، ثم خَرَج فَصَلَّى بعدما أَدَّى). فاجتهدوا عباد الله في أداء ما افترضه الله عليكم من القربات، واحرصوا على المحافظة على نوافل الطاعات، ليرفع الله بها درجاتكم، وتزداد بها حسناتكم، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
ومن تمام نعمة رب العالمين على عباده الصائمين أن شرع لهم يومَ العيد بعد تمام الصيام، فيه يصلون، وفيه يكبرون، وفيه يشكرون الله على ما هداهم، أمر رسول الله
ﷺ الناس بالخروج فيه إلى الصلاة بل أمر حتى أهل الأعذار من الناس بشهود العيد ودعوة المسلمين، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نُخْرِجَهُنَّ في الْفِطْرِ وَالأَضْحَى الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاَةَ وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ. قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَانَا لاَ يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ قَالَ «لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا» [رواه البخاري ومسلم]. يصلي ركعتين في المصلى بدون سنة قبلية ولا بعدية، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى المُصَلَّى» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]، وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ إِذَا خَرَجَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ، وَيُسَنُّ قَبْلَ خُرُوجِهِ إِلَى الْمُصَلَّى فِي يَوْمِ الْفِطْرِ أَنْ يَأْكَلُ تَمَرَاتٍ؛ فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْدُو يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ، وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ]. وَمِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَذْهَبَ مِنْ طَرِيقٍ وَيَرْجِعَ مِنْ آخَرَ؛ لِمَا رَوَاهُ جَابِرٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ]. فاغتنموا عباد الله الأعمار بالطاعات، وجمّلوها بفعل الخيرات.