الحذر الحذر من الابتداع في شهر رجب
- خطبة بعنوان: الحذر الحذر من الابتداع في شهر رجب.
- ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى.
- المكان: خطبة في يوم 7 رجب 1445هـ في مسجد السعيدي بالجهرا.
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( [آل عمران:102].
عباد الله: إن الله تعالى أمرنا باتباع رسوله وسلوك سبيله، وأمرنا بالاتباع، ونهانا عن الابتداع، فقال سبحانه وتعالى: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ) [الأعراف:3] وكان نبينا r يحذر من البدع فيقول: "وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة.
عباد الله:
اعلموا أن البدع والمحدثات في الدين أصل كل بلاء وفتنة، وأن الشيطان يحرص كل الحرص على صد الناس عن الدين الصحيح، فإن رأى منهم عدم رغبة في الدين شجعهم على ذلك وزين لهم المعاصي والشهوات وفتح لهم أبواب الشبهات، وإن رأى منهم محبة للدين أدخل عليهم من البدع والزيادات ما يفسده عليهم فتنبهوا لذلك- واعلموا أن الشريعة جاءت كاملة لا تحتمل الزيادة والنقصان لأن الله تعالى يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة:3] فلا مكان للبدعة في دين الله، قال الإمام مالك رحمه الله: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة لأن الله يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة:3] فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً- إن المبتدع معاند لله مشاق له لأن الله حدد الطرق الموصلة إلى الخير وحصرها- وهذا المبتدع يريد أن يزيد عليها أو ينقص منها فجعل نفسه شريكاً لله في تشريعه وكفى بذلك ضلالاً وإثماً مبيناً، والله أمر باتباع ما شرعه، فأبى المبتدع ذلك واتبع هواه بغير هدىً من الله.
لما كثرت وسائل النقل المعلوماتية وتسهلت وانتشرت أصبح الناس ينقلون لغيرهم ما يصل إليهم من غير تأكد من المعلومة وصحة الخبر والحديث، مع اجتهاد أهل البدع في نشر بدعهم واستغلال مثل هذه الغفلة من المسلمين، فوجب التنبيه على تلك البدع في أوقاتها حتى يكون المسلم على بصيرة من دينه، ومن هذه البدع ما يفعل في شهر رجب الذي نحن في أوله من العادات الجاهلية والأمور البدعية التي يزعم مرتكبوها أن لشهر رجب خاصية على غيره، وليس الأمر كذلك، فإن شهر رجب أحد الأشهر الحرم، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل رجب حديث، بل عامة الأحاديث المأثورة فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها كذب. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وقد أحدث الناس في هذا الشهر عبادات لم يشرعها الله ولا رسوله- من ذلك تعظيم أول خميس منه وليلة أول جمعة منه، فإن تعظيم هذا اليوم وتلك الليلة من رجب إنما حدث في الإسلام بعد المائة الرابعة، والحديث المروي في ذلك كذب باتفاق العلماء، ولا يجوز تعظيم هذا اليوم لأنه مثل غيره من الأيام، وقال الحافظ ابن رجب: فأما الصلاة فلم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به، والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب كذب وباطل لا تصح، وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء- قال: وأما الصيام فلم يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه. وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يضرب أكف الرجال في صوم رجب حتى يضعوها في الطعام ويقول: ما رجب؟ إن رجباً كان يعظمه أهل الجاهلية فلما كان الإسلام ترك، وفي رواية كره أن يكون صيامه سنة.
ومن البدع المنكرة التي تفعل في هذا الشهر بدعة الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج في الليلة السابعة والعشرون منه، يحتفلون في تلك الليلة ويخصصونها بأنواع من العبادات ما أنزل الله بها من سلطان فيخصون تلك الليلة بأذكار وأدعية وصلاة، وتخصيص تلك الليلة خطأ من عدة وجوه:
- أولاً: أن الإسراء لم يقم دليل على تعيين ليلته التي وقع فيها ولا على الشهر الذي وقع فيه. فالعلماء مختلفون في زمانه فتخصيص ليلة من الليالي في رجب أو غيره للإسراء تخصيص لا دليل عليه.
- ثانياً: لو ثبت تعيين الليلة التي وقع فيها الإسراء لم يجز لنا أن نخصص تلك الليلة بشيء لم يشرعه الله ولا رسوله فإنه لم يرد أن الرسول صلى الله عليه وسلم احتفل في تلك الليلة ولا خصها بشيء من العبادات، ولم يفعل ذلك خلفاؤه الراشدون من بعده ولا صحابته الكرام، ولا التابعون لهم بإحسان فلا يجوز لأحد بعدهم أن يحدث في الإسلام شيئاً لم يفعلوه.
- ثالثاً: أنه يفعل في تلك الليلة وفي ذلك الاحتفال أمور منكرة كالاجتماع في المساجد وإيقاد الشموع والمصابيح فيها وعلى المنارات مع الإسراف في ذلك. ومن العجيب أن بعضاً من هؤلاء الذين يحتفلون بمناسبة الإسراء والمعراج أو كثيراً منهم لا يهتمون بما شرع فيه من الصلوات الخمس فبعضهم لا يصلي أبداً وبعضهم لا يحضر صلاة الجماعة في المساجد وإنما ينشط في البدع ويكسل عن السنن والواجبات، ولا يحافظ على الجمع والجماعات.
إن البدع مع أنها حدث في الدين، وتغيير للملة، فهي آصار وأغلال تضاع فيها أوقات وتنفق فيها أموال، وتتعب فيها أجسام، وتبعد من الجنة وتقرب من النار، وتوجب سخط الله ومقته، ولكن أهل الغي والضلال لا يفقهون، وفي طغيانهم يعمهون، لا يزيدهم عملهم عن الله إلا بعداً ولا اجتهادهم وتعبهم إلا مقتاً ورداً.
يقول الإمام البربهاري رحمه الله: (واعلم أن الناس لم يبتدعوا بدعة قط حتى تركوا من السنة مثلها، فاحذر المحدثات من الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، والضلالة وأهلها في النار. واحذر صغار المحدثات من الأمور؛ فإن صغير البدع يعود حتى يصير كبيرا، وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة، كان أولها صغيرا يشبه الحق، فاغتر بذلك من دخل فيها، ثم لم يستطع الخروج منها، فعظمت وصارت دينا يدان به فخالف الصراط المستقيم، فخرج من الإسلام، فانظر رحمك الله كل من سمعت كلامه من أهل زمانك خاصة فلا تعجلن، ولا تدخلن في شيء منه حتى تسأل وتنظر هل تكلم به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحد من العلماء؟ فإن وجدت فيه أثرا عنهم فتمسك به، ولا تجاوزه لشيء، ولا تختر عليه شيئا فتسقط في النار). أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
عِبَادَ اللهِ: لقد حذر السلف الصالح من الابتداع في الدين غاية التحذير لعلمهم بخطورة هذ الأمر وأن البدع والمبتدعة من أسباب هلاك الناس، لأن البدعة تجر إلى أختها فيصبح المسلم يتقلب بين الأهواء والبدع والضلالات والمذاهب المنحرفة والأحزاب البدعية، بل قد يصل به الأمر إلى تكفير المسلمين وقتالهم، كما قال تعالى: (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم)، واسمع معي إلى هذا الأثر العظيم الذي يبين فيه الصحابة خطورة البدع وما تجر إليه.
فقد روى الدارمي وغيره قال: حدثنا الْحَكَمُ بْنُ الْمُبَارَكِ حدثنا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ فَإِذَا خَرَجَ مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فَقَالَ أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدُ قُلْنَا لَا فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ فَلَمَّا خَرَجَ قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِلَّا خَيْرًا قَالَ فَمَا هُوَ فَقَالَ إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ قَالَ رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ وَفِي أَيْدِيهِمْ حَصًى فَيَقُولُ كَبِّرُوا مِائَةً فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً فَيَقُولُ هَلِّلُوا مِائَةً فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً وَيَقُولُ سَبِّحُوا مِائَةً فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً قَالَ فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ قَالَ مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ وَانْتِظَارَ أَمْرِكَ قَالَ أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ قَالُوا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَصًى نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ قَالَ فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ أَوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ قَالُوا وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ قَالَ وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدثنا أَنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ.
فمن فوائد هذا الأثر ، أن هؤلاء تساهلوا في بدعة في نظرهم أنه خيرٌ وفعلٌ حسنٌ وما علموا أنها تجرهم إلى أن أصبحوا يقاتلون الصحابة ويكفرونهم في معركة النهروان، وفيه أن على المسلم أن لا ينشر كل ما يراه في نظره حسناً دون الرجوع إلى أهل العلم وسؤالهم حتى تظهر له السنة من البدعة، وفيه أن الابتداع فيه ادعاء نقص الدين وأن صغار البدع تجر إلى كبارها، ألا ترى أن أصحاب تلك الحلقات صاروا بعد من الخوارج الذين قتلهم الخليفة الراشد علي بن أبي طالب ؟ فهل من معتبر؟! وفيه أن كل بدعة ضلالة فليس في الدين بدعة حسنة وسيئة بل كلها سيئة وضلالة، وفيه أن العبرة ليست بكثرة العبادة وإنما بكونها على السنة بعيدة عن البدعة وقد أشار إلى هذا ابن مسعود رضي الله عنه بقوله أيضا: اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة.