بناء المساجد وعمارتها والاعتناء بها (خطبة مكتوبة)
- خطبة مكتوبة بعنوان: بناء المساجد وعمارتها والاعتناء بها.
- للشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
- المكان: خطبة في يوم 4 رمضان 1442 هـ.
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]،
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]،
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ تَعَالَى، وخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ r، وشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
عباد الله:
فإن الأعمال الصالحة تتفاوت في فضلها عند الله تفاوتاً عظيماً ومن أفضل الأعمال الصالحة وأكثرها أجراً بناء المساجد إيماناً واحتساباً ، فإن المساجد بيوت الله في أرضه قد أمر وأوصى أن تبنى وأن تطهر وأن تعظم. ونَوَّه بشأنها وشأن عُمارها العمارة الحسية والمعنوية فقال سبحانه
{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ {36} رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ {37} لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ {38} [النور: 36-38]
فمن عمرها عمارة حسية ببنائها أو المساعدة والمشاركة في ذلك أو عَمَرها عمارةً معنويةً بعبادة الله فيها وهو ممن آمن بالله واليوم الآخر، قال تعالى: {
إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة: 18]، ومن اجتهد في بنائها أو أشرف عليه أو ساهم في البناء بنى الله له بيتا في الجنة، وعظم الجزاء يدل على فضل العمل، فما ظنك بمسكن طيب ببيت في جنة الرحمن، عن عثمان بن عفان t قال : إني سمعت رسول r يقول: «من بنى لله مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتا في الجنة ». [متفق عليه].
وعمارة المساجد والسعي فيها، يجري أجرها على العبد بعد موته، قال رسول الله r: ( إن مما يلحق المؤمن من عمله و حسناته بعد موته علما نشره و ولدا صالحا تركه و مصحفا ورثه أو مسجدا بناه أو بيتا لابن السبيل بناه أو نهرا أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته و حياته تلحقه من بعد موته ) [أخرجه ابن ماجه وحسنه الالباني]
إن التعاون على العناية بالمساجد وتنظيفها وتطييبها والمحافظة على كل مرافقها، من أعظم الأسباب المعينة على عبادة الله فيها وهو ما حث عليه r، فقد رأى النبي r نخامة في جدار المسجد فحكها بيده الشريفة صلوات الله وسلامه عليه، وكانت جاريةٌ سوداء تقم المسجد على عهد النبي r فافتقدها فسأل عنها فقالوا ماتت. فمشى إلى قبرها وصلى عليها إكراماً لها ومكافأة لها على عظيم صنيعها رضي الله عنها، وينبغي تربية أبنائنا على العناية ببيوت الله وصيانتها عن كل سوء واحترام جميع مرافقها.
ومن عمارة المساجد عُمرانها بالصلاة فيها فريضة ونافلة وبالاعتكاف على الهدي الشرعي وعمارتها بقراءة القرآن وحلقاته، وتدريس العلم الشرعي ووسائله، فهذه أعظم أنواع العمارة وأجلها شأنا عند الله، والمساجد منذ عهد النبي r هي منارات العلم والتعليم والتفقيه في دين الله فكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس مع أصحابه في المسجد، فيعلمهم كتاب الله والسنة، ورغب أمته في الجلوس فيها وتدارسِ كتاب الله وبشر أصحاب هذه المجالس الكريمة الشريفة بملائكة تحفهم وسكينة تغشاهم ورحمة تنزل عليهم وذكرٍ من الله لهم في الملأ الأعلى.
ألا فهنيئا لمن عمر بيتاً لله يبتغي بذلك وجه الله وهنيئاً لمن ساهم في بنائها ولو بالقليل وهنيئاً لمن كان من عمارها بالصلاة والذكر وقراءة القرآن لا ترى قلوبهم إلا معلقة بها أولئك في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.
فَأُوصِيكُمْ –عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
إن من أعظم أنواع عمارة المساجد عمارتها بالتوحيد وتنزيهها عن الشرك، وعمارتها بالسنة وتنزيهها عن كل بدعة، فأن النبي r قال: ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) ووصف من يفعل ذلك بأنهم شرار الخلق عند الله يوم القيامة، وما هدم النبي r مسجد الضرار إلا لأنها كان مرصدًا لتفريق المسلمين، وسببا من أسباب الفتن قطعه r عن أمته.
كما ينبغي على طلاب العلم أن يجعلوا مساجدهم منارة لنشر السنة، وإحيائها، وبث العلم والدروس فيها خصوص دروس التوحيد، وما يحتاجه المسلمون لأداء فرائض الله تعالى كالوضوء والصلاة والصيام وغيرها من الأحكام.
كما يجب أن يعلموا ويعلموا الناس أن المساجد أقيمت لذكر الله تعالى فيجب صونها عن البيع والشراء في حدودها، والسؤال عن المفقودات فيها فلم تبن المساجد.
اشكروا الله على ما من به عليكم من بناء هذا المسجد، وسخر لكم من يبنيه ويعينكم عليه، فالواجب الآن أن تؤدوا حقه وتعلموا بما أوجب الله عليكم من المحافظة على الصلاة فيه، فإنكم مسؤولون عن أداء شكر هذه النعمة وشكرها بالعمل بما أوجب الله فيها.
ونسأل الله أن يجزي المتبرعين خيرا، وأن يتقبل منهم، وأن يخلفهم عما أنفقوا خيرًا، وأن يرفعهم به في الدرجات العلى من الجنة، كما نسأله سبحانه أن يجعلنا وإياكم وإياهم ممن يعمرون بيوته بذكره وشكره وإقام الصلاة فيها بالغدو والآصال إنه سميع مجيب الدعوات. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.