تنبيهات تختص بالنصف من شعبان
- خطبة بعنوان: تنبيهات تختص بالنصف من شعبان.
- ألقاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
- المكان: خطبة في يوم 7 شعبان 1442هـ في مسجد السعدي بالجهرا.
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [.
ها قد اقترب النصف من شعبان وأزفت أيام رمضان، فهل أعددنا العدة للصالحات وهيأنا الأنفس لفعل الخيرات، هل صمت من شعبان شيئا فعملت بسنة نبيك ﷺ أم فاتك الصيام فإليه بادر، وليكن لك من الخير فيه نصيب، فهذا الشهر عباد الله كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام فيه؛ فكان يصوم من شعبان ما لا يصوم من غيره من الشهور، ففي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ)، وهو شهر ترفع فيه الأعمال فاحرص على زيادتها وإحسانها، فعن أُسَامَة بْن زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ: ((ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ)) [رواه أحمد والنسائي وحسنه الألباني].
ومن لم يصم فإنه يكره له التقدم قبل رمضان بالتطوع بالصيام بيوم أو يومين لمن ليس له عادة، أما من كان له عادة كصيام الاثنين والخميس أو القضاء والكفارة وصادف ذلك آخر شعبان فإنه يجوز له صيامه، لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صوما، فليصمه"، ولهذا نهى ﷺ عن صيام يوم الشك وهو آخر يوم من شعبان، قال عمار رضي الله عنه: "من صام اليوم الذي يشك فيه الناس فقد عصى أبا القاسم ﷺ" [رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني].
ومن كان عليه قضاء من رمضان الماضي فيجب عليه المبادرة إلى صيامه قبل دخول رمضان، فعلى الأب والزوج أن يذكر زوجته وأولاده بقضاء ما فاتهم، فإن كثيرا من الناس يتساهلون ويتناسون حتى يدخل عليهم رمضان فيترتب على هذا التسويف والتساهل الإثم والكفارة. عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ : سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ : كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ . [رواه البخاري ومسلم]. قال الحافظ ابن حجر: (ويؤخذ من حرصها على ذلك في شعبان أنه لا يجوز تأخير القضاء حتى يدخل رمضان آخر).
فأقبلوا عباد الله على الله بقلوبكم وأعمالكم، فالدنيا طريق الآخرة، إن أحسنت فيها أفلحت، وإن أسأت فيها خبت وخسرت.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.
فَأُوصِيكُمْ –عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
ما من موسم من مواسم الطاعات وإلا وتجد من أهل البدع والأهواء ما ينحرفون به عن السنة وطريق الصحابة، ومن ذلك ما يحدثونه من البدع في يوم وليلة النصف من شعبان، كبدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان، وتخصيص يومها بالصيام، وليس على ذلك دليل يجوز الاعتماد عليه، وقد ورد في فضلها أحاديث ضعيفة وبعضها موضوع لا يجوز الاعتماد عليها. أما ما ورد في فضل الصلاة فيها، فكله موضوع، كما نبه على ذلك كثير من أهل العلم، وروى ابن وضاح عن زيد بن أسلم، قال: ما أدركنا أحداً من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى النصف من شعبان، ولا يلتفتون إلى حديث مكحول، ولا يرون لها فضلاً على ما سواها). وقيل لابن أبي مليكة: إن زيادا النميري يقول: (إن أجر ليلة النصف من شعبان كأجر ليلة القدر، فقال: لو سمعته وبيدي عصا لضربته) وكان زياد قاصاً.
قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: (ومما تقدم من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم، يتضح لطالب الحق أن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة أو غيرها، وتخصيص يومها بالصيام بدعة منكرة عند أكثر أهل العلم، وليس له أصل في الشرع المطهر، بل هو مما حدث في الإسلام بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم، ويكفي طالب الحق في هذا الباب وغيره قول الله عز وجل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3] وما جاء في معناها من الآيات، وقول النبي ﷺ: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد وما جاء في معناه من الأحاديث، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يومها بالصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم، فلو كان تخصيص شيء من الليالي، بشيء من العبادة جائزا، لكانت ليلة الجمعة أولى من غيرها. لأن يومها هو خير يوم طلعت عليه الشمس، بنص الأحاديث الصحيحة عن رسول الله ﷺ، فلما حذر النبي ﷺ من تخصيصها بقيام من بين الليالي، دل ذلك على أن غيرها من الليالي من باب أولى، لا يجوز تخصيص شيء منها بشيء من العبادة، إلا بدليل صحيح يدل على التخصيص).
وكذلك من البدع ما يفعله بعض المسلمين في حملة رسائل عبر برامج التواصل الألكترونية، وذلك قُبيل منتصف شهر شعبان، شعارها: المسامحة « سامحني وأسامحك» أو « سامحتك فسامحني»، فاحذروا عباد الله من البدع والمحدثات واجعلوا عبادتكم لربك على علم وهدى وبصيرة قائمة على الدليل من كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ، فما لم يكن عندهم دينا فلا يكون أبدا اليوم دينا، فلو كان خيرا لسبقونا إليه.