نعمة الأمطار والسنن الواردة فيه
- خطبة بعنوان: نعمة الأمطار والسنن الواردة فيه.
- ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى
- المكان: خطبة في يوم 5 جمادى الثاني 1446هـ في مسجد السعيدي بالجهرا.
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، )
يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون(.
فإن من أعظم النعم على الخلق في هذه الدنيا نعمة الأمطار الذي به حياة الأرض بعد موتها، ﴿وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ﴾ [البقرة:164]، وماء المطر ماءٌ مبارك لكثرة خيره، وعموم نفعه، ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ﴾ [ق:9] فالواجب أن نعبد الله صاحب هذا الإنعام، فهو ذو الجود والإكرام، وأن نشكره على هذا الخير والجود، ليمنّ علينا من فضله بالمزيد، (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد).
لقد ورد في شرعنا الحكيم عددٌ من السنن والأحكام المتعلقة بالمطر فتعلموها تأخذوا بها أجرًا، فمن السنة: إذا نزل المطر أن يدعو فيقول: (اللهم صيبًا نافعًا) [رواه البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها]، وأن يقول: (مطرنا بفضل الله ورحمته)، أو (مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله)، [كما في صحيح البخاري من حديث زيد بن خالد رضي الله عنه]، ولا ينسب المطر إلى النجوم والكواكب فإن ذلك من الكفر بالله تعالى. وكان عبد الله بن الزبير رضي الله عنه إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: "سبحان الذي يُسَّبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته" ثم يقول إن هذا لوعيد شديد لأهل الأرض. [رواه البخاري في الأدب المفرد]. وإذا خيف من كثرته وضرره يسن أن يقال: «اللهم حوَالَيْنَا ولا علَيْنَا اللهم على الْآكامِ وَالظّرَابِ وبُطُونِ الْأَوْديَةِ وَمَنَابتِ الشّجَرِ». كما في الصحيحين عن أنسٍ صلى الله عليه وسلم أنَّ رَجلًا دخل الْمَسْجدَ يوم جمُعَةٍ من بابٍ كان نحو دارِ القَضَاءِ، وَرَسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَائمٌ يَخْطبُ، فَاستَقْبَلَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَائمًا، ثمَّ قال: يا رَسولَ اللّهِ هلَكَتْ الأَمْوَالُ، وَانقَطَعْتِ السّبُلُ فادْعُ اللّهَ يغثنا، فرَفَعَ رسول اللّهِ صلى الله عليه وسلم يدَيْهِ، ثمَّ قال: (اللهم أَغثْنَا، اللهم أَغثْنَا، اللهم أَغثْنَا)، قال أنَسٌ: ولا والله ما نرَى في السّمَاءِ من سحَابٍ، ولا قزَعَةً، وما بيْنَنَا وبَيْنَ سلْعٍ من بيْتٍ ولا دارٍ، قال: فطَلَعَتْ من وَرَائهِ سحَابَةٌ مثْلُ التُّرسِ، فلما توَسَّطَتْ السّمَاءَ انْتشَرَتْ، ثمَّ أمْطَرَتْ، فلا والله ما رأَيْنَا الشّمْسَ ستًّا، ثمَّ دخل رجُلٌ من ذلك الْبابِ في الْجُمُعةِ -يعني الثانية-، ورَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَائمٌ يخْطُبُ، فاسْتَقْبَلَهُ قَائمًا فقال: يا رسُولَ اللّهِ هلَكَتْ الْأمْوَالُ، وانْقَطَعَتْ السّبُلُ، فادْعُ اللّهَ يُمْسكْهَا عنَّا، قال: فرَفَعَ رسول اللّهِ صلى الله عليه وسلم يدَيْهِ ثمَّ قال: (اللهم حوَالَيْنَا ولا علَيْنَا، اللهم على الْآكامِ، وَالظّرَابِ، وبُطُونِ الْأَوْديَةِ، وَمَنَابتِ الشّجَرِ)، قال: فأَقْلَعَتْ وخَرَجْنَا نَمْشي في الشّمْسِ.
ويسنُّ أن يكشف الإنسان شيئًا من بدنه ليصيبه المطر، ففيه البركة، فعن أنسٍ t قال: أصَابَنَا وَنَحنُ مع رسول اللّهِ صلى الله عليه وسلم مطَرٌ، قال: فحَسَرَ رسول اللّهِ صلى الله عليه وسلم ثَوبَهُ حتى أصَابَهُ من المَطَرِ، فَقُلنَا: يا رسُولَ اللّهِ لمَ صَنَعتَ هذا؟، قال: (لِأنَّهُ حدِيثُ عَهدٍ بِربِّهِ تعَالَى). [رواه مسلم]. أي: أن الله خلقه وأنزله ولم يخالط الأرض وما فيها، فهو باق على طهوريته وبركته، ووقت نزول المطر -عباد الله- من مواطن استجابة الدعاء، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اطْلُبُوا إجَابَةَ الدُّعَاء عِنْدَ الْتِقَاء الْجُيُوشِ، وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَنُزُولِ الْمَطر» [رواه الشافعي وحسنه الألباني]، ويسن عند نزول المطر الجمع بين الصلاتين، وذلك إذا بلَّل المطر الثياب والأرض، وكان هناك حرجٌ على الناس، كما قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أرَادَ أنْ لا يُحْرجَ أحَدًا من أُمَّتهِ. [رواه مسلم]، والمطر الشديد من الأعذار المبيحة لعدم حضور الجماعة في المسجد، ففي الصحيحين أنَّ ابن عُمرَ أذَّنَ بالصَّلَاةِ في ليْلَةٍ ذاتِ برْدٍ وَريحٍ، ثمَّ قال: ألا صلُّوا في الرّحَالِ، ثمَّ قال: إنَّ رسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كان يأْمُرُ الْمُؤَذّنَ إذا كانت لَيلَةٌ ذاتُ بَردٍ ومَطَرٍ يقول: (ألا صلُّوا في الرِّحالِ). أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.
فَأُوصِيكُمْ –عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
إن من آيات الله الباهرة الدالة على وحدانيتة في ربوببيتة وألوهيته وأسمائه وصفاته إنزاله المطر متى شاء أين شاء بالمقدار الذي يشاء، كما قال تعالى في الخمس التي لا يعلمها إلا هو (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث) فلا أحد يجري الرياح، وينشئ السحاب، وينزل الأمطار إلا هو، فهو وحده المستحق لأن يعبد، وهو وحده المستحق أن يُلجأ إليه في كل حال من يسر وعسر، ونفع وضر.
إن الله عز وجل كما يجري الرياح نعمة فقد يجريها نقمة، وكما ينزل الغيث رحمة فقد ينزل المطر عذاباً ونقمة، لذا كان على أهل الإيمان، أن يكونوا عند مقدماتها بين الخوف والرجاء، يسألون الله خيرها، ويستعيذون بالله من شرها، فذلك هو هدي محمد صلى الله عليه وسلم، أعلم الخلق بالله، وأتقاهم لله، وأخوفهم من الله، وأعظمهم شكراً لله، عن عائِشَةَ رضي الله عنها أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصَفَتْ الرّيحُ، قال: (اللهم إني أسْأَلُكَ خيْرَهَا، وخَيْرَ ما فيها، وخَيْرَ ما أُرْسِلتْ بهِ، وأَعُوذُ بكَ من شرِّهَا، وشَرِّ ما فيها، وشَرِّ ما أُرْسِلتْ بهِ)، قالت: وإذا تخَيَّلَتْ السّمَاءُ، تغَيَّرَ لوْنُهُ، وخَرَجَ ودَخَلَ، وأَقْبَلَ وأَدْبَرَ، فإذا مطَرَتْ سرِّيَ عنه، فعَرَفْتُ ذلك في وجْهِهِ، قالت عائِشَةُ: فسَأَلْتُهُ فقال: (لعَلَّهُ يا عائِشَةُ كما قال قوْمُ عادٍ: (فلما رأَوْهُ عارِضًا مُسْتقْبِلَ أوْدِيَتِهِمْ قالوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا). [متفق عليه واللفظ لمسلم]. فهذا نبيكم صلى الله عليه وسلم إذا رأى أمارات المطر خاف من ربه أن تكون عقوبة نازلة، فيغتم ويهتم، ويتغير وجهه، حتى يجليها الله عن غيث رحمة، لم يأمن مكر الله، ولا سخط الله، لكمال علمه بربه جل في علاه، فتوبوا إلى الله تعالى واعبدوه واشكروه على نعمه يزدكم من فضله، وإن تكفروا فإن الله -عزَّ وجلَّ- يزيل عنكم النعم، وأكثروا من التوبة والاستغفار فهما من أعظم أسباب نزول الخير وبركته، كما قال نوحٌ u: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾ [نوح:10-11]، وقال هودٌ u: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾ [هود:52]. فاللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك .....