- خطبة بعنوان: التحذير من دعاة الفتن والتكفير.
- ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى
- المكان: خطبة في يوم 27 جمادى الأول 1446هـ في مسجد السعيدي بالجهرا.
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( [آل عمران:102].
- أَمَّا بَعْدُ: فيا عباد الله:
لقد حذّرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأمرنا بالتعوذ منها، خوفا على أمته من الولوج فيها، لما لها من الخطر الكبير على المسلم وعقيدته ومنهجه، فيصبح بعد ولوجه في الفتن سهماً من سهام إبليس، وإماماً من أئمة النار، وداعياً من دعاتها.
فيجب على المسلم تجنب الفتن والخوض فيها، وأن يستعيذ بالله منها، قال البخاري في صحيحه باب الفرار من الفتن ثم أخرج حديث أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن)، وعقد بابا آخر فقال: باب التعوذ من الفتن، وأخرج فيه حديث أنس وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر وكلم الناس فلف كل رجل من أصحابه رأسه في ثوبه يبكي ويقول: أعوذ بالله من سوء الفتن. والمشاركة اليوم في الفتن سهلة الأسباب مفتحة الأبواب ولاسيما عن طريق إثارتها وتهييجها من خلال الكتابة والتعليق في وسائل الإعلام والاتصالات بمختلف أنواعها، والسعيد عباد الله من جنب الفتن وابتعد عنها وتبرأ منها، عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ: ايْمُ اللَّهِ، لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنِ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنُ، وَلَمَنْ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ فَوَاهًا((.
إن من أعظم أسباب الولوج في الفتن والانحراف عن عقيدة أهل السنة ومخالفة المنهج السني السلفي، هو اتباع دعاة الفتن، وما أكثرهم في زماننا، في القنوات وبرامج التواصل، وما لهم من محاضرات ثورية، وخطب خارجية، وكتب تكفيرية، غروا شباب المسلمين وحركوا عواطفهم وأحدثوا نار الفتن والشرور والدمار في بلدان المسلمين، بجهادهم المزعوم، ثم استغلوا مآسي المسلمين لجمع الأموال ثم تحريك القلوب والشعوب على ولاتهم المسلمين، فكانت النتيجة ماذا؟!! ذهاب للأمن والأمان، وتشريد ودمار وطغيان، فكم بفتاوى دعاة الفتن شُرّد من يتيم، وانتُهك من عرض، وهُدِّمت من مساجد وبيوت، وكم بفتاواهم رُفع أهل الجهل والبدع، وسُبّ أهل العلم والسنة، وكم بفتاواهم غُيرت عقائد كثير من شباب المسلمين، فأصبحوا يحتقرون بلدان المسلمين وولاتهم، بل يرونها جاهلية جهلاء، فكفروها وكفروا ساكنيها، وفجروا في مبانيها ومساجدها.
وإذا نظرت إلى هؤلاء الدعاة إلى الفتن تجدهم في قصورهم يهنئون، وبين أبنائهم جالسون، والضحية هم أبناؤنا وشبابنا، خدعوهم بزخرف القول وزجوا بهم في بلدان الفتن.
بالله كم مرة سمعنا عن هؤلاء الدعاة إلى الفتن أنه أرسل ولده بحزام ناسف أو قاتل هو بنفسه بين صفوف المجاهدين زعموا، إنما يجعلون أبناءنا أدواتٍ لخدمة فكرهم ومصالحهم وأحزابهم.
لقد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم غاية التحذير من هؤلاء الدعاة إلى الفتن، ففي حديث حذيفة في صحيح مسلم لما ذكر الشر والخير في الأمة سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: هل بعد ذلك الخير من شر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها)، فقلت: يا رسول الله صفهم لنا. قال: (نعم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا)، قلت: يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم).
وتأمل هذا الحديث كيف وصفهم بأنهم من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، نعم تجدهم على هئية المتدينين والدعاة إلى الدين، وهم خوارج مارقون تكفيريون، ثم تأمل كيف بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم سبيل النجاة بلزوم الجماعة والالتفاف حول ولاة أمورنا، فجمع في الحديث التحذير من دعاة الفتن، والأمر بلزوم جماعة المسلمين والتحذير من الخروج على الولاة، وهو العكس تماماً لما يدعوا إليه دعاة الفتن.
وأخبرنا صلى الله عليه وسلم عن هذا الصنف من الناس من أهل الأهواء والبدع وحذرنا منهم ومن سلوك طريقهم، فعن أبي هُرَيْرَةَ عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال سَيَكُونُ في آخِرِ أُمَّتِي أُنَاسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ ما لم تَسْمَعُوا أَنْتُمْ ولا آبَاؤُكُمْ فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ. رواه مسلم
فدعاة الفتن جاؤوا بفتاوى وآراء ما أنزل الله بها من سلطان، فتجرؤوا على الله وعلى رسوله وعلى الدين فتحدثوا باسم الدين، فأفتوا بغير علم فضلوا في أنفسهم وأضلوا الناس معهم.
عن عبد اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ قال سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ من الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حتى إذا لم يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ الناس رؤوسا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا. متفق عليه.
ولأجل هذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم يخاف على أمته من دعاة الفتن، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان) رواه أحمد وصححه الألباني. وأخبر صلى الله عليه وسلم أن دعاة الفتن والتماس العلم منهم من أشراط الساعة، فعن أبي أمية الجمحي، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن من أشراط الساعة ثلاثًا: إحداهن أن يلتمس العلم عند الأصاغر". قيل لابن المبارك: من الأصاغر؟ قال: الذين يقولون برأيهم. أو أهل البدع والأهواء. فأخذ العلم والفتوى عن أهل الضلال والجهل سبب عظيم للولوج في الفتن والهلاك. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: (لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم، فإذا أخذوه من أصاغرهم وشرارهم هلكوا).
فاحذروا عباد الله: كل من يفتي في أمور الدين وهو ليس من أهل العلم المعروفين بالسنة واتباعها، والمشهود لهم بالخير والعلم، بل عليكم بأهل العلم الكبار خذوا بفتاويهم واجتهدوا في سؤالهم. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
فَأُوصِيكُمْ -عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ؛ فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
إن المبتدعة والابتداع داء خطير في الأمة سبب لها كثيراً من الفتن والبلاء، وكان مصدراً لتفريقها وتشتيتها حتى كانت ثلاثاً وسبعين فرقة منها واحدة ناجية فقط، ولهذا اهتم السلف بالتحذير من دعاة الفتن والبدع، واجتهد وولاة أمور المسلمين في صرف شرهم عن الناس، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما جاءه صبيغ وكان يتتبع المتشابهات ضربه وسجنه ونفاه وأمر المسلمين بهجره سنة كاملة حتى تاب ورجع، وهذا ابن عمر حين سئل عن القدرية قال: (فإذا لقيت أولئك فاخبرهم أني برئ منهم وأنهم براء مني) ، ويقول ابن عباس : (لا تجالسوا أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلوب) وقال أبو قلابة: (لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم ما تعرفون) ويقول الإمام أحمد: (أهل البدع ما ينبغي لأحد أن يجالسهم ولا يخالطهم ولا يأنس بهم) وسار السلف على ذلك والآثار عنهم كثيرة في التحذير من البدع والتحذير من أهلها على حد سواء.
إن خطر البدع وأهلها عظيم على الإسلام والمسلمين وسبب كبير لتفريق الأمة. ولا زال أهل البدع موجودين وفرقهم كثيرة ومعلومة للعارفين ومن قصرها على الفرق القديمة فهو من الجاهلين بل هي تتعدد وتتغير أسماؤها وأشكالها فينبغي عباد الله الحذر والتحذير منهم، فهم خطر على شبابنا وأبنائنا.
اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن .....