فات النصف من رمضان فأدرك ما بقي
فات النصف من رمضان فأدرك ما بقي
  | 1702   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: فات النصف من رمضان فأدرك ما بقي.
  • ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة في يوم 16 رمضان 1444هـ في مسجد السعدي بالجهرا.

 
  • الخطبة الأولى:
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
  • أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ، وشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُها، وكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وكُلَّ ضَلالَةٍ فِي النَّارِ.
  • عباد الله:
ها هو شهر رمضان قد انتَصَف، فمَن منكم حاسبَ نفسه فيه لله وانتصَف، مَن منكم قام في هذا الشهر بحقه الذي عَرف، من منكم عزم قبل غلق أبواب الجنة أن يبني له فيها غرفا من فوقها غرف، ألا إن شهركم قد أخذ في النقص فزيدوا أنتم في العمل فكأنكم به وقد انصرف، فكل شهر فعسى أن يكون منه خَلَف، وأما شهر رمضان فمن أين لكم منه خَلَف.
  • عباد الله:
هذا الشهر شهر العتق من النيران، فهل أقبلت على الله تعالى بتوبة من الذنوب والعصيان، لتكون من أهل الجنان، فاغتنموا ما بقي من الليالي والأيام، فقد تكون فيها من عتقاء الله الكرام، ويا سعادة من عتقه الله من الجحيم، وكان من أهل النعيم المقيم. عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لله عز وجل عند كل فطر عتقاء). [رواه أحمد]، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة - يعني في رمضان - وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة) [رواه أحمد] وإن على صاحب العصيان، وكلنا أهل تقصير في حق الله، أن يستغل هذا الشهر في التوبة والرجوع، فالصيام يكفر الذنوب ويشفع عند الله لصاحبه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر). [رواه مسلم]، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان). [رواه أحمد] ومن أراد أن يكون عند الله من الصديقين والشهداء فعليه بصيام رمضان وقيامه مع بقية أركان الإسلامإان اية ، فعن عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وصليت الصلوات الخمس وأديت الزكاة وصمت رمضان وقمته، فممن أنا؟ قال: (من الصديقين والشهداء). [رواه البزار وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما].
  • عباد الله:
إياك إياك أن يستهوينك الشيطان، فتكون من أتباعه في رمضان، فيضُيّع عليك فرصة العمر في التوبة والرجوع إلى الله في هذا الشهر، صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فلما رقي عتبة، قال: آمين، ثم رقي أخرى فقال: آمين، ثم رقي عتبة ثالثة فقال: آمين، ثم قال: أتاني جبريل عليه السلام فقال: يا محمد من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله، فقلت: آمين. قال: ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار فأبعده الله فقلت: آمين. قال: ومن ذُكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله فقلت: آمين. [رواه ابن حبان في صحيحه]
  • عباد الله:
يا من ضيع عمره في غير الطاعة، يا من فرط في شهره بل في دهره وأضاعه، يا من بضاعته التسويف والتفريط وبئست البضاعة، فرب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، وقائم حظه من قيامه السهر. بل كيف بحال من فرّط في الصيام، ولم يطع الله ذا الجلال والإكرام. عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بينا أنا نائم أتاني رجلان، فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلا وعرا، فقالا: اصعد. فقلت: إني لا أطيقه. فقالا: إنا سنسهله لك. فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل، إذا بأصوات شديدة. قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء أهل النار، ثم انطلق بي، فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دما. قال: قلت: من هؤلاء؟ قالا: الذين يفطرون قبل تحلة صومهم. [رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما]. يعني يفطرون قبل الغروب أو لا يصومون رمضان. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.
  • الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.
  • أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ –عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
  • عباد الله:
إن من أفضل ما ينبغي للمؤمن العناية به مع الصيام في رمضان هو كثرة الصدقة والإحسان إلى الفقراء والمساكين والأيتام، فالجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة، وقد جاء الحث على الجمع بينهما في أكثر من حديث، فعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (نَّ فِي الجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا»، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِمَنْ أَطَابَ الكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ) [رواه الترمذي وحسنه الألباني] وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : (من أصبح منكم اليوم صائما ؟ قال أبو بكر : أنا قال : من تبع منكم اليوم جنازة ؟ قال أبو بكر : أنا قال : من تصدق بصدقة ؟ قال أبو بكر : أنا قال : فمن عاد منكم مريضا ؟ قال أبو بكر : أنا قال : ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة). فالجمع بين الصيام والصدقة أبلغ في تكفير الخطايا واتقاء جهنم والمباعدة عنها وخصوصا إن ضم إلى ذلك قيام الليل، ففي حديث معاذ عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (الصدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار وقيام الرجل من جوف الليل يعني أنه يطفىء الخطيئة) [رواه الترمذي]، وكان أبو الدرداء يقول : صلوا في ظلمة الليل ركعتين لظلمة القبور صوموا يوما شديدا حره لحر يوم النشور تصدقوا بصدقة لشر يوم عسير.