- خطبة بعنوان: أعدّوا لشهر رمضان العدة ففيه تفتح أبواب الجنة.
- ألقاها لشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى.
- المكان: خطبة في يوم 22 شعبان 1443هـ في مسجد السعدي بالجهرا.
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ
ﷺ، وشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُها، وكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وكُلَّ ضَلالَةٍ فِي النَّارِ.
تمضى الأيام والساعات، وتسير الشهور والسنوات، والناس بين مستغلٍ لها في الطاعات، وبين منشغلٍ في الشهوات والملذات، وها قد أقبل علينا شهر رمضان، وما فيه من الأجور والحسنات، والخير والبركات، ولقد أمرنا الله تعالى بالمسارعة إلى الخيرات، والمسابقة إلى الطاعات، لنكون من أهل جنةٍ عرضها الأرض والسموات، قال تعالى: ]
وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ[، والمسارعة إلى المغفرة والجنة تكون ببذل الإحسان وتقوى الرحمن، ]
سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ[، ولذلك أثنى الله على أهل المسابقة والمسارعة إلى الخيرات، وجعل منزلتهم في أعالي الجنات، فقال: ]
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ[، فأعدوا العدّة للاجتهاد، فالصبر على الطاعات من أعظم أبواب الجهاد.
قَدْ بَيَّنَ نَبيُّنا
ﷺ أَهَمِّيَّةَ الوَقْتِ لأهل الإيمان، وَحَثَّ عَلَى اسْتِغْلالِهِ وَاغْتِنَامِهِ في طاعة الرحمن، وَحَذَّرَ مِنَ التَّفْرِيطِ فِيهِ وَتَضْييعِهِ بالعصيان، فَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
ﷺ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ :«
اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَياتَكَ قَبْلَ مَوتِكَ» [رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ]، وَأَخْبَرَ أَنَّ العِبادَ مَسْؤُولُونَ أَمَامَ اللهَ تَعالَى عَمَّا أَفْنَوا فِيهِ أَعْمَارَهُمْ، وَقَضَوْا فِيهِ أَوقَاتَهُمْ، فكيف إذا كان وقتًا فاضلًا وزمنًا شريفًا كرمضان، فَعَنِ ابْنِ مَسْعودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ
ﷺ قَالَ: «
لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَومَ القِيامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلاهُ؟ وَمَالِهِ مِنْ أَينَ اكْتَسَبهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ؟» [رَواهُ التِّرْمذيُّ وَحَسَّنَهُ الألبانِيُّ].
لاشك أن قلوب المسلمين فرحة مستبشرة بمقدم شهر رمضان، وحق لنا أن نفرح به ونستبشر، فقد أعد الله فيه من الفضل والأجور، ما ليس في غيره من الشهور، فهو شهر الصيام الذي يمثل ركنًا من أركان الإسلام، فمن صامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، هو شهر القيام فمن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، فيه ليلة خير من ألف شهر، هي ليلة القدر التي أُنزل فيها القرآن، من قامها إيماًنا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.
هو شهر القرآن فيه أنزل، وفيه يشرع للمسلم أن يجتهد في قراءته وتلاوته وتدبره ما لا يجتهد في غيره، هو شهر البر والجود والبذل والعطاء، فقد كان رسول الله أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان. قال النبي
ﷺ: » أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم« [رواه أحمد والنسائي وصححه الألباني].
إن شهراً بهذه المثابة وموسماً بهذا القدر حَرِيٌّ بأن نستعد له أحسن استعداد، ومن خير ما يَستعد به المسلم لهذا الشهر بتعلم أحكام الصيام والقيام، والتفقه فيها، وكذا تعلم أحكام الاعتكاف والاعتمار لمن أراد شيئاً منهما في هذا الشهر، واحرص على السؤال عما يشكل عليك من أحكام الصيام، فإن العبادة لا ينتفع بها صاحبها إلا إذا كانت خالصة لوجه الله وكانت موافقة لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عباد الله: من كان عليه شيء من رمضان الفائت ولم يقضه فليبادر إلى القضاء قبل دخول رمضان عليه، فإن لم يفعل لغير عذر أثم، وعليه بعد أن يصوم رمضان الحاضر أن يقضي ما فاته وأن يطعم عن كل يوم مسكيناً.
واعلموا أنه لا يصوم المسلمون إلا إذا ثبت دخول الشهر بأحد طريقين لا ثالث لهما، وهما: رؤية هلال رمضان، فإن لم يُرَ فبإتمام شعبان ثلاثين يوماً، ولا عبرة بالحساب الفلكي، واعلموا كذلك أنه لا يجوز تقدم رمضان بصيام يوم أو يومين إلا لمن كان له عادة في الصيام، أما الصيام قبله بيوم للاحتياط فهذا لا يجوز، ففي الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ).
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.
فَأُوصِيكُمْ –عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
دعا جبريل عليه السلام وأمّن رسول الله
ﷺ على من أدركه هذا الشهر ولم يغفر له، فيا أيها المقصرون! ويا أيها المذنبون! وكلنا أهل تقصير وذنوب، اجعلوا هذا الشهر باب خير لكم في عودتكم إلى ربكم، والتخلص من جميع الذنوب والآثام، فالسعيد من حاسب نفسه وتاب، قبل أن يُقبل على الله يوم الحساب، (وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون).
فالسعيد من اغتنم أيامه ولياليه بالطاعات، واجتهد في إحسان الصيام والقيام، وصان جوارحه عن الخطايا والآثام، ورجع إلى ربه ذي الجلال والإكرام. ويا حسرة المفرطين!، ويا ندامتهم يوم الدين!، اللهم اجعلنا من أهل الطاعات ولا تجعلنا من أهل العصيان والمنكرات.