- خطبة بعنوان: من أشراط الساعة كثرة القتل وانتشاره.
- ألقاها لشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى.
- المكان: خطبة في يوم 18 شعبان 1443هـ في مسجد السعدي بالجهرا.
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( [آل عمران:102].
لقد أكرم الله تعالى المؤمنين وحرّم الاعتداء عليهم بجميع أنواع الاعتداء في دينه ونفسه وعرضه وماله، فحرمة المسلم عظيمة، ومكانته عند الله كبيرة، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
ﷺ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ: لَا يَخُونُهُ، وَلَا يَكْذِبُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: عِرْضُهُ وَمَالُهُ وَدَمُهُ، التَّقْوَى هَا هُنَا، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْتَقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ]، وأكد هذه الحرمة وبين هذه المكانة في يوم ومكان عظيم وفي مجمع كبير من المسلمين، فَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ
ﷺ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ أَيَّ يَوْمٍ هَذَا ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: أَلَيْسَ بِيَوْمِ النَّحْرِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ بِذِي الْحِجَّةِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ بِالْبَلَدِ الْحَرَامِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
إن من أعظم الذنوب والبلايا وأكبر السيئات والخطايا سفك الدم المعصوم الحرام، وقد جاءت الأدلة الكثيرة من القرآن والسنة على حرمة ذلك وخطورته، قال تَعَالَى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ)، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى فِي آخِرِ الآيَةِ: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ)، بل توعّد الله تعالى القاتل المتعمد للمؤمنين بالوعيد الشديد، قال تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93]، وأن القتل من أسباب مضاعفة العذاب له يوم القيامة، وقرنه بالشرك بالله والزنا، إلا أن يتوب، قَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الفرقان:68-70]، وهو من الموبقات العظام المهلكات الجسام التي يجب على المسلم البعد عنها والحذر منها، قَالَ النَّبِيُّ
ﷺ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، وَذَكَرَ مِنْهَا: قَتْلَ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ» [متفق عليه مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ].
لقد أخبر
ﷺ عن كثرة القتل وانتشاره وأنه من علامات الساعة مما يدفعنا للتحذير من أسباب انتشاره ودواعي وقوعه، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
ﷺ قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْهَرْجُ، قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْقَتْلُ الْقَتْلُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاللَّفْظُ لَهُ]، وإن من أعظم أسبابه سرعة الغضب وخصوصا عندما يعرض للمسلم بعض الجهلاء ويفعلون أو يقولون من الحماقات ما لا يصدر من صاحب عقل سوي، فعند ذلك على العاقل المسلم أن يعاملهم بالإعراض، (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما)، فمجاراتهم ليست من الحكمة والرد عليهم ليس من الرجولة، بل الشديد من يملك نفسه عند الغضب.
ومن أسباب انتشاره وقوع العبد في بلايا المخدرات وذهاب العقل بالمسكرات، فيصل به الأمر إلى قتل أبيه وأمه وولده وأهله، فكم سمعنا من تلك الحوادث التي لا يمكن أن تصدر من مسلم سوي له شيء من العقل والرحمة، فهنا يجب على الشاب أن يبتعد عن رفقة السوء، ويحذر من التساهل معهم فيوردوه المهالك، ويوقعوه في شباك المخدرات، فتكون نتيجته إلى الهلاك، ولأهله التعب والشقاء، حتى يصل به إلى القتل والإيذاء للمسلمين والمسلمات، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
ﷺ: «لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ في فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا» [رواه البخاري]، فما أعظمها من ورطة وما أشده من ذنب، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ إِنَّ مِنْ وَرْطَاتِ الأُمُورِ الَّتِى لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا ، سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ. [رواه البخاري].
والقتل لشدة أمره وإن تاب فاعله فيبقى حق القاتل يأخذه منه يوم القيامة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ
ﷺ قَالَ: «يَجِيءُ الْمَقْتُولُ بِالْقَاتِلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاصِيَتُهُ وَرَأْسُهُ بِيَدِهِ، وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا، يَقُولُ: يَا رَبِّ هَذَا قَتَلَنِي حَتَّى يُدْنِيَهُ مِنَ الْعَرْشِ، قَالَ: فَذَكَرُوا لِابْنِ عَبَّاسٍ التَّوْبَةَ فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ) [النساء:93]، قَالَ : مَا نُسِخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَا بُدِّلَتْ، وَأَنَّى لَهُ التَّوْبَةُ؟!» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ].
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
كما أن الاعتداء على الغير محرما، فكذلك حرم الله ورسوله قتل المسلم نفسه بيده، وهو الانتحار، وجعل جزاء ذلك العذاب الأليم، مهما كانت الظروف، ومهما اشتد الأحوال، فالواجب على المسلم الصبر على القضاء، ويستحب له الرضى بحكم الله وأمره، وأن يعلم أن كل شيء بقضاء الله تعالى وقدره، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وما أصابه لم يكن ليخطئه، قَالَ تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا )[النساء:29- 30]. وَعَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ
ﷺ قَالَ: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
إن من بلايا العصر هوس بعض الناس بتصوير الحوادث والجرائم والحرص على نشرها في وسائل وقنوات التواصل، بل قد يقدم ذلك على مساعدة المحتاج وهو بهذا الفعل يكون سببا في زيادة مصيبة أهله حين يشاهدون ما تم تصويره ، وهو سبب لدعاء أهله على المصورين، فلا حرمة الميت قدروا، ولا أهله راعوا احترموا.