كن رفيق النبي ﷺ في الجنة.
كن رفيق النبي ﷺ في الجنة.
  | , 8944   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: كن رفيق النبي في الجنة.
  • ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة في يوم 18 جمادي الثاني 1443هـ في مسجد السعدي بالجهرا.

 
  • الخطبة الأولى:
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران: 102]، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا( [النساء:1]، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب:70-71]. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ، وشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُها، وكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
  • عباد الله: 
إن دخول الجنة غاية كل مؤمن ومؤمنة، ومطلب كل مسلم ومسلمة، وذلك هو الفلاح المبين، والفوز العظيم، قال الله تبارك وتعالى: (أصحاب الجنة هم الفائزون). تلك الجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، (فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ). وللجنة -يا عباد الله- درجات، فأهل الإيمان فيها متفاوتون، كل بحسب عمله في الخير واجتهاده في الطاعة في هذه الحياة الدنيا، عن أبي هريرة t عن النبي قال: « إِنَّ في الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ في سَبِيلِهِ ، كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ»، [رواه البخاريُّ] بل إن أهل الجنة لينظرون إلى أهل المنازل العالية كما ينظر أهل الأرض إلى النجوم علوا وارتفاعا، فعن أبي سعيدٍ t عن النبيَّ قال: (إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَونَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَونَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ في الأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ؟، قَالَ: «بَلَى وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ » [متفق عليه]. وأعلى الناس منزلة في الجنة الأنبياء والمرسلون عليهم السلام، وأولهم سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه في أعلى درجات الجنة، قال : (سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ في الْجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ) [رواه مسلم]. وصحبة النبي في الجنة أعظم صحبة، ومرافقته فيها أعلى رتبة، إليها يسعى المجتهدون، ولأجلها يعمل العاملون، فكيف نكون من رفقاء نبينا محمد  في الجنة ؟ إن من أهم أسباب مرافقة النبي ومجالسته في الجنة: تعزيز محبته في القلب، وتقديم محبته على محبة النفس والوالد والولد والناس أجمعين، عَنْ أَنَسٍ t أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا». قَالَ: لاَ شَيءَ إِلاَّ أَنِّى أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» . قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِي : «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ». قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِي وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ. [متفق عليه]. والمحبة الصادقة لرسول الله هي التي تدفع لطاعته، ولزوم أخلاقه وهديه، وتعظيم مقامه وقدره، والعمل بما جاء به، وترك البدع والمحدثات، وطرق أهل الأهواء والضلالات، عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء رجل إلى النبي فقال: يا رسول الله، والله إنك لأحب إلي من نفسي، وإنك لأحب إلي من أهلي، وأحب إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت، فأذكرك، فما أصبر حتى آتيك، فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك، عرفت أنك إذا دخلت الجنة، رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة، خشيت أن لا أراك، فلم يرد عليه النبي حتى نزل جبريل بهذه الآية: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين } الآية . [رواه الطبراني في الأوسط وحسنه الألباني]
  • عباد الله: 
ومن أسباب مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة: الاعتناء التام، بتحقيق أركان الإسلام، فعن عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ شَهِدْتُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ وَصَلَّيْتُ الْخَمْسَ وَأَدَّيْتُ زَكَاةَ مَالِي وَصُمْتُ شَهْرَ رَمَضَانَ فَقَالَ النَّبِيُّ مَنْ مَاتَ عَلَى هَذَا كَانَ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَكَذَا وَنَصَبَ إِصْبَعَيْهِ مَا لَمْ يَعُقَّ وَالِدَيْهِ). [رواه أحمد وصححه الألباني]. فمن أدى ما أوجبه الله تعالى عليه، وكان بارا بوالديه؛ نال مرافقة النبي في الجنة، فالحذر الحذر من عقوق الوالدين واجتهد في برهما في حياتهما وبعد موتهما. والصلاة من أعظم أركان الإسلام، فمن حافظ على فرائضها، وأكثر من نوافلها؛ كان من رفقاء النبي في الجنة، فعن رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الأَسْلَمِىُّ قَالَ كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لي: «سَلْ». فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الْجَنَّةِ. قَالَ « أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ ». قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: «فَأَعِنِّى عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ». [رواه مسلم]. فاحرص على صلاتك بشروطها وأركانها، وحافظ عليها حيث ينادى بها وأكملها بالنوافل والرواتب لكي تحوز هذه المنزلة العظيمة والمكانة الرفيعة في جنات الخلد. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
  • الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.
  • أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ –عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
  • عباد الله:
إن المرء إذا تحلى بمكارم الأخلاق، وتخلق بأحاسنها؛ كان من أحب الناس إلى رسول الله ، وأقربهم منه مجلسا في الجنة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنه سمع النبي يقول: (ألاَ أخْبِرُكُمْ بِأحَبِّكُمْ، إلي وأَقْرَبِكُمْ مني مجْلِساً يوم الْقِيامَةِ). فسَكَتَ الْقوْمُ، فأَعَادَهَا مرَّتَيْنِ أو ثلاَثاً، قال الْقوْمُ: نعم يا رسُولَ اللّهِ. قال: (أحْسَنُكُمْ خلُقاً). [رواه أحمد وحسنه الألباني]. ومن أسباب مرافقة النبي في الجنة: العناية بالبنات، والإحسان إلى الأخوات، فعن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r: (من عالَ ابنَتَيْنِ أو ثلاَثَ بنَاتٍ أو أُخْتيْنِ أو ثلاَثَ أخَوَاتٍ حتى يمُتْنَ أو يمُوتَ عنْهُنَّ، كنت أنا وهو كهَاتَيْنِ، وأَشَارَ بِأُصْبُعيْهِ السّبَّابَةِ والْوُسْطَى). [رواه أحمد وصححه الألباني]. وعند مسلم من حديث أنَسِ بن مَالكٍ t قال: قال رسول اللّهِ : (من عالَ جَاريَتَيْنِ حتى تبْلُغَا جاء يوم الْقيَامَةِ أنا وهو وضَمَّ أَصَابعَهُ). أي: من قام على شؤونهن بالنفقة والتربية ونحوهما؛ جاء يوم القيامة مع الرسول في الجنة. فإياك -أخي المسلم- من إهمال البنات وترك الأخوات، اجتهد في تربيتهن وتعليمهن، وكن لهن خير معين وناصح. ومن أوسع أبواب الخير، وأعظم أنواع التكافل، وأسمى مراتب التعاون التي ينال بها المرء مرافقة النبي في الجنة: كفالة اليتيم، وتكون بالقيام بأمره، ورعاية مصالحه، والحفاظ على أمواله، فعن سهْلَ بن سعْدٍ t عن النبي قال: (أنا وَكَافلُ الْيَتيمِ في الْجنَّةِ هكذا، وقال بإِصْبَعَيْهِ السّبَّابَةِ والْوُسْطَى). [رواه البخاري].
  • عباد الله:
إن المؤمن يجتهد في الأعمال التي ينال بها مرافقة النبي في الجنة، ثم يسأل الله تعالى أن يبلغه هذه المنزلة العظيمة؛ اقتداء بأصحاب رسول الله ، فعن عبد الله بن مسعود t: أنه قام يصلي ويدعو، فقال له النبي : اسأل تعطه. اسأل تعطه. فجاءه أبو بكر وبشره بذلك، وقال له: ما سألت الله البارحة؟ قال: قلت: اللهم إني أسألك إيمانا لا يرتد، ونعيما لا ينفد، ومرافقة محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى جنة الخلد. [رواه أحمد وحسنه الألباني]. فاستغلوا -عباد الله- الأوقات في فعل الطاعات، واجتهدوا في اجتناب المنكرات، فالدنيا دار العمل وعن قريب زوالها، والآخرة دار الجزاء فاعملوا لاجتناب أهوالها، فالمصير إما إلى جنة عظيم نعيمها، وإما إلى نار مهول عقابها، جعلنا الله وإياكم من أهل الفردوس الأعلى....