- خطبة بعنوان: أحكام الأضاحي والعيد.
- ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
- المكان: خطبة في يوم 6 ذي الحجة 1442هـ في مسجد السعدي بالجهرا.
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ([آل عمران:102].
- أَمَّا بَعْدُ، فيا عباد الله:
يتقرّب الحجاج إلى الله في يوم النحر بنحر الهدايا، والمسلمون في البلدان يتقرّبون إلى الله جلّ وعلا بنحر وذبح الضحايا، ولأهمية هذه الأضحية وعظم أجرها اختلف العلماء في حكمها فنص بعضهم على وجوبها، ولكن الصحيح هو قول جمهور أهل العلم أنها سنة مؤكدة لا ينبغي على قادر وواجد أن يتركها، فنبينا
ﷺ ضحى سنين عديدة، فعن أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (ضَحَّى النَّبِيُّ
ﷺبِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا) [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]، وتبعه على ذلك المسلمون، واقتفى أثره الصالحون، فَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (كَانَ الرَّجُلُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ
ﷺ، يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ، وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ) [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ]، وإن مما يُؤسف له أن يبخل الإنسان على نفسه بذبح الأضحية لله، لينال الأجر من الله، وهي تمر على المسلم في السنة مرة، فينبغي الحرص عليها وعدم التفريط بها، مع أنه يذبح عشرات الذبائح في السنة ولأقل الأسباب، فما لك لا تضحي للجواد الوهاب.
يبدأ أول وقت الأضحية بعد صلاة العيد، وينتهي وقتها بغروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، والأفضل أن يذبح قبل اليوم الثالث من أيام التشريق لما فيه من الخلاف، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ
ﷺ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]. والذي يُضحى به: بهيمة الأنعام: كالإبل، والبقر، والغنم من ضأن ومعز فقط، لقوله تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ). وتجزئ الواحدة من الغنم عن الشخص الواحد وأهله إذا كان مسكنهم واحد ومأكلهم واحد، ويجزئ سبع البعير أو البقرة عما تجزئ عنه الواحدة من الغنم، ويشترط بلوغ السن المعتبر شرعا في الأضحية، فمن الإبل ما تم له خمس سنين، ومن البقر ما تم له سنتان، ومن الماعز ما تم له سنة، ومن الغنم ما تم له نصف سنة. ويشترط كذلك في الأضحية السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء، فَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «أَرْبَعٌ لَا تُجْزِئُ فِي الْأَضَاحِيِّ: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرَةُ الَّتِي لَا تُنْقِي» [أَيِ: الْهَزِيلَةُ] [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ]. ويستحب في الأضحية تثليثها كما في قول النبي
ﷺ: (كلوا وادخروا وتصدقوا). [رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها]. وقال النبي
ﷺ: ( كلوا وأطعموا وادخروا). [رواه البخاري من حديث سلمة بن الأكوع]، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُضَحِّي أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ؛ ويخطئ من لا يعطي الفقراء منها شيئا، قَالَ تَعَالَى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) [الحج:28]، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُبَاشِرَ ذَبْحَ أُضْحِيَّتِهِ بِنَفْسِهِ إِنِ اسْتَطَاعَ، وَإِلَّا وَكَّلَ مُسْلِمًا فِي الذَّبْحِ، وَيَشْهَدَ ذَبْحَ أُضْحِيَّتِهِ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (ضَحَّى النَّبِيُّ
ﷺ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمًا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا) [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
سيقبل عليكم يوم عظيم، له فضل جليل، يجيب الله فيه الدعوات ويقيل العثرات، فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
ﷺ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]، فحري بالمؤمن أن يحرص على صيامه ليكفر الله له ذنوبه، فَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
ﷺ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]، وأكثروا في هذا اليوم من الدعاء وذكر الله، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي
ﷺ قال: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) [رواه الترمذي وحسنه الألباني].
قال ابن رجب رحمه الله: (من فاته في هذا العام القيام بعرفة، فليقم لله بحقه الذي عَرَفَه، من عجز عن المبيت بمزدلفة فليَبِتْ عزمُه على طاعة الله وقد قربه وأزلَفَه، من لم يمكنه القيام بأرجاء الخِيفِ، فليَقُم لله بحق الرَّجاء والخوف، مَن لم يَقدر على نَحر هديه بمنى، فليذبح هواه هنا وقد بلغ المنا، من لم يصل إلى البيت لأنه منه بعيد، فليقصد رب البيت فإنه أقرب إلى من دعاه ورجاه من حبل الوريد).
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَلِيَّ العَظِيمَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
بَعد يومِ عرفة أيامٌ من أيام الله العِظَام وهي عيد أهل الإسلام، فعن عقبة بن عامر الجهني رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رسول
ﷺ: (إن يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق؛ عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب). [رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح]، ويشرع في يوم النحر ابتداؤه بصلاة العيد في المصلى ثم خطبته، وليس للعيد أذان ولا إقامة، ولا سنة قبلية ولا بعدية، بل يجلس يكبر الله حتى يبدأ الإمام بالصلاة، عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: (أنَّ رسولَ اللهِ
ﷺ خرَجَ يومَ أضْحَى، أو فِطرٍ، فصلَّى ركعتينِ لم يُصلِّ قبلها ولا بعدَها)، [متفق عليه]، ومن سنن العيد: الاغتسال والتطيب ولبس أجمل الثياب: كان ابن عمر رضي الله عنهما: (يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى) [رواه مالك]، كما يُستحبُّ الذَّهابُ لصلاةِ العِيدِ مِن طريقٍ، والرُّجوعُ من طريقٍ آخر، عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: (كان النبيُّ
ﷺ إذا كان يومُ العيدِ خالَفَ الطريقَ) [رواه البخاري]، ويشرع إخراج الأهل والأولاد للصلاة وتعويدهم على ذلك، لكن ينبغي على المرأة أن لا تخرج متزينة متطيبة، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، رضي الله عنها، قَالَتْ: (أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ
ﷺ أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى: الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ. فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاةَ وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِحْدَانَا َلا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ. قَالَ: لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا). [متفق عليه].
اجعلوا يوم العيد يوم طاعة وشكر الله، ولا تجعلوه يوم معصية فتغضبون فيه الله، بالغناء والسفور والاختلاط والفجور، فبالشكر والطاعة تدوم النعم، وبالكفران والعصيان تحل النقم.