من نواقض الإسلام الاستهزاء بالله أو بآياته أو برسله
من نواقض الإسلام الاستهزاء بالله أو بآياته أو برسله
  | 2527   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: من نواقض الإسلام الاستهزاء بالله أو بآياته أو برسله.
  • ألقاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة في يوم 29 جمادى الأولى 1433هـ في مسجد السعدي بالجهرا.

 
  • الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفر، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات اعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك واشهد ان محمداً عبده ورسوله اما بعد. فان اصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ ﷺ ، وشر الامور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالةٍ في النار أما بعد.
  • عباد الله:
إن منة الله على عبده في الإسلام منةً عظيمة لا تعدلها منة، فإنه الدين الذي ضمن الله لصاحبه، السعادة في الدنيا وفي الآخرة، ولكن هذه النعمة قد يخسرها العبد بعد الفوز بها، إنه كما ينهدم البيت بعد بنيانه فكذلك قد ينهدم إسلام العبد فينسلخ من دينه  وإيمانه، وذلك إذا اتى شيئاً من نواقض الإسلام، ونوقض الإسلام أصولها عشرة لكنها لا تنحصر صورها في عددٍ محدود ومن تلك النواقض التي يتساهل فيها كثيرٌ من الناس الاستهزاء بالله أو بآياته أو برسله أو الاستهزاء بسنن رسول الله  ﷺ ، لأن الإيمان يحمل صاحبه ولا بد على تعظيم الله عز وجل وعلى تعظيم آياته وعلى تعظيم رسله وأنبيائه، فإذا استهزأ وسخر بشيءٍ من ذلك فقد وقع في الكفر والعياذ بالله، ولو صدر هذا الاستهزاء بقصد الله والعب والمرح والتسلية، عن ابن عمر، ومحمد بن كعبٍ، وزيد بن أسلم وقتادة، دخل حديث بعضهم في بعض أنّه قال: رجلٌ في غزوة تبوكٍ ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء يعني رسول الله ﷺ وأصحابه القراء فقال له عوف بن مالك: كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله  ﷺ فذهب عوفٌ إلى رسول الله ﷺ ليخبره فوجد القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله ﷺ ، وقد ارتحل وركب ناقته فقال يا رسول الله إنما كنا نخوض نتحدث بحديث الركب نقطع به عنا الطريق، قال ابن عمر كأني أنظر إليه متعلق بلسعة ناقة رسول الله  ﷺ ، وإن الحجارة تنكب رجليه وهو يقول إنما كنا نخوض ونلعب فيقول له رسول الله ﷺ: (أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة 65-66]. ما يلتفت إليه وما يزيد عليه أن يقرأ هذه الآية، في هذا الخبر فوائد عظيمة منها وجوب تعظيم الله، وتوقيره وكذا تعظيم نبيه ﷺ وتوقيره فإن ذلك من لوازم الإيمان، يقول الله عز وجل: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا) [الفتح 8-9] ومنها وجوب تعظيم القرآن الكريم واحترامه لأنه كلام الله سبحانه وتعالى، وقد وصفه الله بالعظمة والكرم وأمر بالإيمان به وتدبره والعمل به وتعظيم ما فيه من الشعائر، ومع ذلك فمن الناس من يتجرأ على كتاب الله كما يفعله السحرة والمشعوذون من إهانة المصحف وتنجيسه عليهم من الله ما يستحقون، ومن الناس من يسخر بما فيه من العقائد والأحكام والآداب ويعدها مصادمةً للحرية وتخلفاً ورجعية ، وكلا الأمرين كفرٌ وردةٌ والعياذ بالله، ومن فوائد هذا الحديث وجوب احترام سنة النبي ﷺ وتعظيمها وتوقيرها فهي وحيٌ من الله، كما قال تعالى عن نبيّه ﷺ: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم 3-4] فمن سخر بشيءٍ من السّنة أو انتقدها أو هزلَ أو أساء بها فقد ارتدّ عن دين الإسلام كمن يستهزئُ باللحية وتقصير الثياب وهو يعلم انها من سنن المصطفى ﷺ ويسخر باللحية بانها سنة، ومن الناس اليوم من يتهاون بالسنة ويُزهد فيها ويسميها قشوراً وينتقد من يعتني بدراستها وتعليمها للناس ويجعلهم محل سخريةٍ وازدراء والعياذ بالله، فهذا مما يخشى معه أن يكون ذلك من السخرية والاستهزاء الذي يخرج به صاحبه من الملة، ومن فوائد الحديث كذلك وجوب احترام أصحاب رسول الله ﷺ وتحريم تنقصهم وسبهم الله فانهم أنصار الله ورسوله وحملة الدين ونقلته فالطعن فيهم وتنقصهم معناه عدم الثقة بالدين كله، والواجب على كل مسلم أن يحذر من كل طاعنٍ في اصحاب رسول الله ﷺ فرداً كان ذلك الطاعن أو جماعة، وإذا ظهر لك من داعيةٍ يزعم أنه إسلامي أو جماعةٌ إسلامية أو قناةٌ إسلامية كما يقال ظهر منه الطعن في واحدٍ من الصحابة أو أكثر فاحذر منها غاية الحذر فانه ينطوي على خبثٍ عظيم وشرٍ كبير، من فوائد الحديث كذلك وجوب تعظيم علماء الشريعة، المستقيمين على السنة الذين عرف عنهم تعظيم الدليل وبذل الوسع في إصابة الحق فتعظيمهم هو من تعظيم الشريعة التي يحملونها ولا يجوز تنقصهم ولا ازدراهم ولا إساءة الظن بهم، وقد ظهر في هذه الأزمان سبُ علماء الشريعة والتهوين من قدرهم ولمزهم بالأوصاف المنفرة حتى وصفوا بالجهل بالواقع والغش للأمة والعمالة للحكام وطلب ما عندهم من الدنيا وغير ذلك من الأوصاف الذميمة التي في كثيرٍ من شباب الأمة فانصرفوا عنهم ثم وقعوا في حبال الأئمة المضلين المبتدعة فحرفوهم عن الصراط المستقيم والمنهج السلفي القويم، ومن فوائد الخبر أنك إذا نظرت فيه وجدت المتكلم في ذلك المجلس كان واحداً ولكن الله عمم الحكم فقال كنتم تستهزئون، فعدهم كلهم مستهزئين. والسبب في ذلك أنهم لم ينكروا بل سكتوا فصاروا شركاء، وسلم ذلك الشاب وبرئ من الاثم لأنه أنكر، فالواجب على المسلم أن يقوم من المجالس التي يسخر فيها بدين الله عز وجل كما قال سبحانه: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) [الأنعام - 68]. وقال عز وجل (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) [النساء - 140] بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني واياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
  • الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد.
  • عباد الله:
لقد تبين مما تقدم أن الاستهزاء بالله وآياته وبرسوله ردة مخرجةٌ عن دين الإسلام، ولو صدرت من باب المزح والتسلية وإضحاك الجلساء، أو من باب التمثيل لإضحاك المشاهدين، وهذا يوجب على المسلم ان يحذر كل الحذر من السخرية بجميع صورها واشكالها، وأن يملأ قلبه تعظيما وتوقيراً ومحبة لربه ولرسوله ﷺ ولصحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، كما على المسلم أن يسعى في إنكار هذا المنكر بما يقدر عليه بيده ان كان صاحب أمرٍ وسلطان وبلسانه وقلمه، إن كان صاحب علمٍ وبيان أو يكتفي بالإنكار بقلبه إذا عجز عن كل ما سبق، ولكن الانكار يجب أن يكون مبنياً على العلم والعمل، لأن من الناس من يفهم من التكفير العام أنه تكفير للمعين فيكفره بعينه دون مراعاةٍ لضوابط تفكيرِ المعين، فإنزال حكم التكفير على شخصٍ معينٍ باسمه يحتاج إلى رجوعٍ من أهل العلم، وليس من كل أحدٍ بل إن الخوض في التكفير من الجهال هو سبب لوقوع الفتن والبلاء في الأمة كما يفعله الخوارج في القديم والحديث، فيكفرون أهل الذنوب والمعاصي ويكفرون كل من وقع بكفرٍ من غير تفصيلٍ ومن غير نظرٍ في الشروط والموانع، ويكفرون كل من حكم بغير ما أنزل الله من غير تفصيلٍ الذي بينه أهل العلم فكل أمرٍ عندهم من هذا القبيل فهو كفرٌ بالله، بل كفروا حتى المجاهرين بالمعاصي، وهذا كله مصادمٌ لعقيدة أهل السنة والجماعة، ومما خالفوا فيه الحق والسنة. اللهم ثبتنا على السنة...