استغلال الأوقات في عمل الطاعات
استغلال الأوقات في عمل الطاعات
  | 8455   |   طباعة الصفحة


 
  • خطبة بعنوان: اسْتِغْلالُ الأَوْقَاتِ فِي عَمَلِ الطَّاعَاتِ.
  • ألقاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة في يوم 28 رجب 1442هـ في مسجد السعدي بالجهرا.

 
  • الخطبة الأولى:
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [.
  • عِبَادَ اللهِ:
مَنْ تَدَبَّرَ مُرورَ الأَيَّامِ وَالسَّنَواتِ، وَسُرْعَةَ انْقِضَائِهَا وَكَأَنَّها لَحَظاتٌ، عَلِمَ أَنَّهُ كُلَّمَا انْقَضَى مِنْهَا شَيءٌ اقْتَرَبَ العَبْدُ إِلَى أَجَلِهِ وَأَزِفَتْ سَاعَتُهُ وَنَقَصَ عُمُرُهُ، وَهُوَ بَعْدَ ذَلِكَ مَجزِيٌّ عَلَى مَا أَدَّاهُ فِيهَا مِنَ الطَّاعَاتِ، وَمُؤَاخَذٌ عَلَى اقْتِرَافِهِ لِلسَّيِّئَاتِ، قِيلَ لِمُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ رَحِمَهُ اللهُ: كَيفَ أَصْبَحْتَ؟ قَالَ: (مَا ظَنُّكَ بِرَجُلٍ يَرْتَحِلُ كُلَّ يَومٍ مَرْحَلَةً إِلى الآخِرَةِ؟). وَقَالَ الحَسَنُ رَحِمَهُ اللهُ: (إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ مَجْمُوعَةٌ، كُلَّمَا مَضَى يَومٌ مَضَى بَعْضُكَ)، وَاللهُ تَعَالى لمَّا أَقْسَمَ بِالعصْرِ الَّذي هُوَ الدَّهْرُ بَيَّنَ أَنَّ النَّاسَ جَميعًا فِي خَسارَةٍ: ] إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ   [ ، فَالسَّعِيدُ مَنِ اكْتَسَبَ تِلْكَ الأَوْقَاتَ فِي الطَّاعاتِ، وَاغْتَنمَها فِي القُرُباتِ، وَلَمْ يُفرِّطْ فِي اللَّيالِي وَالأيَّامِ فِيمَا يُرْضِي اللهَ ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، وَالخَاسِرُ المَغبونُ مَنْ ضَيَّعَ عُمُرَهُ فِيما لَا يَنْفَعُهُ، وَفَاتَهُ مِنَ الخَيرِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتدْرَاكِهِ، حَتَّى إِذَا حَانَ أَجَلُهُ نَدِمَ عَلَى مَا فَرَّطَ حِينَ لَا يَنْفَعُ النَّدَمُ، ] يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [ [الشعراء:88-89]، وَقَدْ أَمَرَنَا المَولَى سُبْحَانَهُ بِطَاعَتِهِ فِي جَميعِ الأَوْقاتِ، وَالثَّباتِ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى المَمَاتِ، فَقَالَ: ]وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[.
  • أَيُّها المُسْلمُونَ:
لَقَدْ بَيَّنَ نَبيُّنا ﷺ أَهَمِّيَّةَ الوَقْتِ لِلْمُسْلمِ، وَحَثَّ عَلَى اسْتِغْلالِهِ وَاغْتِنَامِهِ، وَحَذَّرَ مِنَ التَّفْرِيطِ فِيهِ وَتَضْييعِهِ، فَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ :«اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَياتَكَ قَبْلَ مَوتِكَ» [رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ]، وَأَخْبَرَ أَنَّ العِبادَ مَسْؤُولُونَ أَمَامَ اللهَ تَعالَى عَمَّا أَفْنَوا فِيهِ أَعْمَارَهُمْ وَقَضَوْا فِيهِ أَوقَاتَهُمْ، فَعَنِ ابْنِ مَسْعودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ ﷺ قَالَ: «لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَومَ القِيامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلاهُ؟ وَمَالِهِ مِنْ أَينَ اكْتَسَبهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ؟» [رَواهُ التِّرْمذيُّ وَحَسَّنَهُ الألبانِيُّ]. عِبَادَ اللهِ: مِنْ عَظِيمِ نِعْمَةِ اللهِ تَعالَى عَلَى العَبْدِ أَنْ يَرْزُقَهُ السَّعَةَ فِي الأَوْقاتِ، وَقِلَّةَ المَشَاغِلِ وَالمُلْهِياتِ، مَعَ صِحَّةٍ وَعَافِيَةٍ، وَإِذَا أَعْطَى اللهُ العَبْدَ هَاتَينِ النِّعْمَتَينِ فَاسْتَغَلَّهُما فِي الخَيرِ، فَهُوَ المُفْلِحُ الرَّابِحُ، وَمَنْ فَرَّطَ فِيها فَهُوَ المَغْبُونُ الخَاسِرُ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ النَّبيُّ ﷺ: «نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ، وَالفَرَاغُ» [رَواهُ البُخاريُّ]، وَهَا نَحْنُ أَيُّها الإِخْوةُ الكِرامُ نَعيشُ أَيَّامًا قَدْ أَمَرَ فِيهَا وَلِيُّ الأَمْرِ بِحَظْرِ الخُرُوجِ فِي سَاعَاتٍ مُحَدَّدَةٍ، فَالمُؤْمِنُ يَعْلَمُ أَنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيرٌ، فَهُوَ يَتَقلَّبُ فِي الطَّاعَاتِ أَينَما كَانَ وَفِي كُلِّ زَمانٍ، فَاسْتَغِلُّوها عِبادَ اللهِ بَينَ قِرَاءَةٍ لِقُرآنٍ، وَتَعَلُّمٍ لِمَا هُوَ مُفيدٌ، وَجُلوسٍ مَعَ الأَولادِ وَأَهْلِ البَيتِ لِمُدَارَسَةِ التَّوحيدِ وَتَعَلُّمِ أَحْكَامِ الطَّهارَةِ وَالصَّلاةِ وَغَيرِهَا مِمَّا يَحْتاجُهُ المُسْلِمُ، فَلَا تُفرِّطُوا فِي النِّعَمِ فَإِنَّكُمْ مُحاسَبُونَ وَمَسْؤُولونَ، يَقُولُ العَلَّامَةُ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: «إِضَاعَةُ الوَقْتِ أَشَدُّ مِنَ المَوتِ؛ لِأَنَّ إِضَاعَةَ الوَقْتِ تَقْطَعُكَ عَنِ اللهِ وَالدَّارِ الآخِرَةِ، وَالمَوتُ يَقْطَعُكَ عَنِ الدُّنْيا وَأَهْلِهَا، الدُّنْيا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا لَا تُساوِي غَمَّ سَاعَةٍ، فَكَيفَ بِغَمِّ العُمُرِ، مَحْبُوبُ اليَومِ يَعْقُبُ المَكْرُوهَ غَدًا، وَمَكْرُوهُ اليَومِ يَعْقُبُ المَحَبْوُبَ غَدًا، أَعْظَمُ الرِّبْحِ فِي الدُّنْيا أَنْ تَشْغَلَ نَفْسَكَ كُلَّ وَقتٍ بِمَا هُوَ أَولَى بِهَا وَأَنْفعُ لَها فِي مَعادِهَا». أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
  • الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
  • أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ- عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ؛ فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
  • عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ حَالَ المُؤْمِنِ فِي هَذِهِ الدُّنْيا كَالغَريبِ المُسافِرِ وَعَابِرِ السَّبِيلِ الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ دَارُ مَمَرٍّ، وَلَيسَت بِدارِ مُسْتَقرٍّ، عَنْ عَبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِمَنْكِبِي فَقَالَ: «كُنْ فِي الدُّنْيا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ»، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّباحَ، وَإِذا أَصْبَحتَ فَلَا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكِ، وَمِنْ حَياتِكَ لِمَوتِكَ. [رَواهُ البُخاريُّ]. وَضَربَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِحَالِهِ مَعَ الدُّنْيَا بِمَثَلٍ عَظِيمٍ فَقَالَ: «مَا لِي وَمَا لِلدُّنيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَها» [رَواهُ التِّرمذيُّ وَقَالَ: حَسنٌ صَحيحٌ]. فَأَحْسِنُوا عِبادَ اللهِ فِيما بَقِيَ مِنْ أَعْمارِكُمْ، وَلَا تُحَقِّرُوا مِنَ المَعْروفِ شَيئًا، فَقَدْ يَكونُ فِيهِ نَجاتُكُمْ، قَالَ الفُضَيلُ بْنُ عِياضٍ لِرَجُلٍ: كَمْ أَتَتْ عَلَيكَ؟ قَالَ: سِتُّونَ سَنَةً، قَالَ: فَأَنْتَ مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً تَسِيرُ إِلَى رَبِّكَ يُوشِكُ أَنْ تَبْلُغَ، فَقالَ الرَّجُلُ: إِنَّا للهِ وإِنَّا إِليهِ رَاجعونَ، فَقالَ الفُضَيلُ: أَتَعْرفُ تَفْسيرَهُ؟ تَقولُ: أَنَا للهِ عَبْدٌ وَإِليهِ رَاجِعٌ، فَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ للهِ عَبْدٌ، وَأَنَّهُ إِلَيهِ رَاجِعٌ، فَليعْلَمْ أَنَّهُ مَوقُوفٌ، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَوقُوفٌ، فَلْيعْلَمْ أَنَّهُ مَسْؤُولٌ، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَسْؤُولٌ، فَليُعِدَّ للسُّؤَالِ جَوابًا، فَقَالَ الرَّجُلُ: فَمَا الحِيلَةُ؟ قَالَ: يَسِيرَةٌ، قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَ: تُحْسِنُ فِيمَا بَقِيَ، يُغْفَرْ لَكَ مَا مَضَى، فَإِنَّكَ إِنْ أَسَأْتَ فِيما بَقِيَ، أُخِذْتَ بِمَا مَضَى وَبِمَا بَقِيَ. أَلَا وَلَا يَفُوتُنا أَنْ نُذكِّرَكُمْ -رَحِمَكُمُ اللهُ- مَعَ زِيادَةِ عَدَدِ الحَالاتِ وَالإِصَابَاتِ بِالأَخْذِ بِأَسبابِ السَّلامَةِ وَالنَّجَاةِ، وَمِنْ أَعْظَمِهَا التَّوبَةُ وَالاسْتِغفارُ، وَالرُّجُوعُ إِلَى الرَّحِيمِ الغَفَّارِ، ثُمَّ الأَخْذُ بِالنَّصَائِحِ وَالتَّوصِياتِ الصِّحِّيَّةِ، وَالتِزامِ الإِجرَاءاتِ الاحْتِرازِيَّةِ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْوَبَاءَ وَالْبَلَاءَ، وَاصْرِفْهُ عَنَّا وَاكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً، دَارَ عَدْلٍ وَإِيمَانٍ، وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْـمُسْلِمِينَ، وَاشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى الْـمُسْلِمِينَ، وَارْحَمْ مَوْتَانَا وَمَوْتَى الْـمُسْلِمِينَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، وَخُذْ بِنَـوَاصِيهِمَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.