احذر أن تكون ممن لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.
احذر أن تكون ممن لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.
  | 8516   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: احذر أن تكون ممن لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.
  • ألقاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة في يوم 9 جمادي الثاني 1442هـ في مسجد السعدي بالجهرا.

  • الخطبة الأولى:
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
  • عباد الله:
لقد حذرنا الله تعالى في كتابه ونبينا ﷺ في سنته من أن نكون من أقوام لا ينظر الله تعالى إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولا يطهرهم ولهم عذاب أليم، فما أعظم خسارتهم! وما أشد عقوبتهم!، فيوم القيامة لشدة خطبه وهول موقفه يوم كان مقداره خمسين ألف سنة يتمنى العبد من الله تعالى فيه أن ينظر إليه ويرحمه ويخفف عنه العذاب وييسر له الحساب، فاحذر أيها المسلم غاية الحذر من أفعالهم، ولا تكن من هؤلاء فقد خابوا وخسروا ورب الكعبة!.
  • عباد الله:
يقول تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾، أي: إن الذين يشترون الدنيا بالدين، فيختارون الحطام القليل من الدنيا، ويتوسلون إليها بالأيمان الكاذبة، والعهود المنكوثة، فهؤلاء استغلوا الدين لركوب الدنيا، وحلفوا بالله لأجل أن يأخذوا حقوق الناس ويظلموهم، فكل من حلف بالله تعالى لنيل ما ليس له من الدنيا فله نصيب من هذه الآية ومن هذا العقاب. وعكسهم من يكتمون الحق وبيان السنة من البدعة ولا ينكرون منكرا ولا يعرفون معروفا، بل يؤيدون الشرك والبدع والظلم لأجل المال والجاه وحطام الدنيا، قال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.
  • عباد الله:
ومن هؤلاء الخاسرون المبعدون المحرومون من تساهل بالحلف بالله تعالى وجعل الحلف وسيلة لبيعه وشرائه، فيحلف بالله أنه اشتراها بقيمة كذا وهو كاذب، أو يحلف أنه يبيعك بخسارة أو أنه لم يربح فيها من شيء وهو كاذب ومخادع يريد الربح والدنيا، فجعل حلفه بالله كاذبا بضاعته بها يبيع وبها يشتري. وآخر يحلف بالله تعالى ويشهد بالزور ليأخذ حقوق الناس ويظلمهم أو يعتدي عليهم في مالهم أو أرضهم أو يظلم في الميراث فيأخذ من الميراث ما ليس له، وغيرها من صور ظلم الآخرين والاعتداء على أموالهم. وآخر مرّ عليه من يحتاج الماء وسأله الشراب أن كان لديه فائض من الماء في أرضه ومزرعته ومنع منه المحتاج والمسكين وابن السبيل. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ :«ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ : رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى وَهُوَ كَاذِبٌ ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ ، وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ ، فَيَقُولُ اللَّهُ : الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ» [رواه البخاري] ومنهم من إذا أعطي من الدنيا بايع إمامه وولي أمره وأطاعه وإذا ولاه المناصب مدحه، وإذا قصر ولي الأمر في حقه أو لم يعطه ما أعطى غيره، صاح وخرج على الولاة وسعى في تأليب الرعية عليه ونشر الشائعات ضده وحرّك الشارع بالمظاهرات والاعتصامات، ويظهر بمظهر المصلح المحارب للفساد وحقيقة الأمر يريد الدنيا والجاه، وأما أهل السنة والجماعة فهم يطيعون ولاتهم بالمعروف طاعة لله تعالى عدلوا أم جاروا، أعطوا أم منعوا، فعلى الولاة العدل وعلى الرعية الوفاء والطاعة بالمعروف. فعن أبي هريرة رضي الله عنه: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ :«ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ يَمْنَعُ ابْنَ السَّبِيلِ مِنْهُ ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لِدُنْيَا ، إِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَّى لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ لَمْ يَفِ لَهُ ، وَرَجُلٌ سَاوَمَ رَجُلا عَلَى سِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ ، فَحَلَفَ لَهُ بِاللَّهِ لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا كَذَا وَكَذَا ، فَصَدَّقَهُ الآخَرُ» [متفق عليه].
  • عباد الله:
ومن هذه الأصناف الخاسرة من لا يتق الله في ثيابه فتراه يسبلها ولا يرفعها فوق الكعبين، ما الذي يضرك يا عبدالله أن تجعل ثوبك فوق كعبيك ولو قليلا فهو أنقى لثوبك وأتقى لربك، ومنهم من إذا أعطى منّ على عباد الله بعطائه وإحسانه فلا يترك مجلسا إلا قال أعطيت فلان وعملت لفلان وشفعت لفلان وتوسطت لفلان، الخير يا عبدالله اكتمه لتجعله خالصا لوجه الله الكريم فتنال ثوابه كاملا، فإن المنّ بالعطاء يحبط الأجر والثواب. فعَنْ أَبِى ذَرٍّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ ﷺ قَالَ: « ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ » قَالَ فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثَلاَثَ مِرَارٍ. قَالَ أَبُو ذَرٍّ خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ». [رواه مسلم]. فإياك إياك أيها المسلم أن تكون من هؤلاء فتكون ممن لا ينظر الله إليك يوم القيامة ولا يطهرك من ذنوبك ولك العذاب الأليم، اللهم اجعلنا من الطائعين وجنبنا دروب الهالكين، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
  • الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ.
  • أَمَّا بَعْدُ:
فيا عباد الله: كلّما قلّ الدافع إلى ارتكاب المعاصي فتساهل العبد في ركوبها، كلما كان إثمه أعظم وجرمه أكبر، فالشيخ أي الكبير في السن قلّ داعي الشهوة عنده ثم يركب أمواج الشهوات ويرتكب الزنا والفواحش فإن إثمه أعظم من غيره، والـمَلِك الذي كل الرعية دونه وتحت إمرته ثم تراه يكذب عليهم، والفقير الذي لا يملك دواعي التكبر ثم تراه متكبرا على المسلمين في لباسه وكلامه وأفعاله، كل هؤلاء قلّ داعي المعصية عندهم ومع هذا يفعلونها فإثمهم أعظم من غيرهم، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ وَمَلِكٌ كَذَّابٌ وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ ». [رواه مسلم]. واحذر من عقوق الوالدين ومن التشبه بالنساء أو تشبه المرأة بالرجال وحافظ على عرضك، ولا ترضى بالسوء على أهلك وبيتك، وإياك وإدمان الخمر والمسكرات والمخدرات، حتى تسلم من الدخول في سلك هؤلاء الخاسرين، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « ثَلاَثٌ لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْعَاقُّ وَالِدَيْهِ وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ الْمُتَشَبِّهَةُ بِالرِّجَالِ وَالدَّيُّوثُ. وَثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْعَاقُّ وَالِدَيْهِ وَالْمُدْمِنُ الْخَمْرَ وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى » [رواه أحمد والنسائي وصححه الألباني].