محاربة فساد العقائد أولاً
- خطبة بعنوان:محاربة فساد العقائد أولاً.
- ألقاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
- المكان: خطبة في يوم 19 ربيع الثاني 1442هـ في مسجد السعدي بالجهرا.
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
عباد الله:
لقد أمر الله تعالى في كتابه بالإصلاح ونهى عن الفساد والإفساد، قال تعالى: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا)، وقال سبحانه: (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)، وسار على هذا الأنبياء فحاربوا الفساد وأهله فهذا موسى يقول لأخيه: (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)، ويقول شعيب لقومه: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، فمحاربة الفساد بجميع صوره والأمر بالإصلاح من جميع وجوهه من الواجبات العظام على الولاة والرعية كلٌ بحسبه وفق القواعد الشرعية والنصوص المرعية، فالإصلاح لا يكون إلا بتحكيم كتاب الله تعالى والرجوع إلى سنة النبي ﷺ في جميع الأمور، فعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم).
عباد الله:
يغفل كثير ممن يدعو إلى محاربة الفساد إلى أن محاربة الفساد العقائدي هو أهم الأمور وأولاها بالاعتناء، تجد شعاره وكثيرا ما يردد قول شعيب u : (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) ولكنه لا يلقي بالاً لفساد العقائد، ولا يهتم بتصحيح توحيد الناس ومحاربة مظاهر الشرك والإلحاد، همه الدنيا ومكاسبُها، وهذا لا شك تقصير ظاهر، فالفساد العقائدي هو أصل كل فساد ومحاربته مقدمة على محاربة كل فساد، مع وجوب وأهمية محاربة الفساد المالي والإداري بلا شك، ومن تأمل سيرة الأنبياء وجد ذلك ظاهرا جليا، فكان الأنبياء أول ما يدعون إليه يدعون إلى تصحيح الفساد العقائدي، فكلهم كان أول ما يقول لقومه: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) وقال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)، ورسولنا أول ما دعا قومه إلى إفراد الله بالعبادة، (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ)، ولما أرسل معاذا إلى اليمن قال له: (فليكن أول ما تدعوهم إليهم إلى أن يوحدوا الله)، فالاهتمام بالتوحيد والدعوة إليه وتقديمه هو منهج الرسل الكرام وأتباعهم العظام ممن سار على دربهم واقتفى أثرهم.
وتأمل معي قصة شعيب الذي قال: (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ)، إلى ماذا دعا أولا قبل فساد المال والمعاملات، (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) فانظر كيف حارب الفساد العقائدي أولا وأمر بعبادة الله تعالى وحده ثم ثنّى بمحاربة الفساد المالي، وهذا موسى سمى فرعون وقومه بالمفسدين لما تركوا عبادة الله تعالى وكفروا بآيات الله، (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ).
عباد الله:
إن مظاهر فساد العقائد وصوره كثيرة جدا، فالدعوة إلى عبادة القبور والأضرحة والمشاهد والأولياء، والدعوة إلى الإلحاد والشرك المعاصر، والدعوة إلى تأويل صفات الله تعالى وتعطيلها، والدعوة إلى الغلو في الصالحين، والدعوة إلى البدع والمحدثات، والسحر وانتشاره والتمائم والكهانة، فالشرك بالله تعالى في جميع صوره أكبرَ وأصغرَ، سواء كان شركاً في الربوبية أو في الألوهية أو في أسماء الله تعالى وصفاته من أعظم الفساد في الأرض، الذي يجب محاربته والوقوف ضده بالوسائل الشرعية ولاةً ورعيةً.
عباد الله:
يفهم بعض من يدعو إلى الإصلاح أن سبيل الإصلاح الوحيد والأوحد هو في حرب الولاة وإسقاط هيبتهم والخروج عليهم وملأ قلوب الرعية عليهم وبالمظاهرات والاعتصامات ونشر الشائعات والحقيقة أن هذا من أعظم الفساد، وهؤلاء هو المفسدون حقا ولكن لا يشعرون، وليسوا بمصلحين، فلا يكون الإصلاح أبدا فيما يخالف الشرع، وكما قال الإمام مالك رحمه الله: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها).
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ -عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
عباد الله:
إن من أخطر الفساد ومن صوره المنتشرة خصوصا في هذه الأيام: إعطاء الرشوة وقبولها، وهذا مما ابتلينا به من كثير ممن لا يخاف الله ولا يرجوه ولا أمانة له ولا كرامة، فالرشوة حَرَّمَ الْإِسْلَامُ طَلَبَهَا، وَبَذْلَهَا، وَقَبُولَهَا، وَجَعَلَهَا مِنَ السُّحْتِ الْحَرَامِ، وَمِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ وَالْآثَامِ، وَقَدْ تَوَعَّدَ رَسُولُ اللهِ ﷺ الْمُتَعَاطِيَ لِلرِّشْوَةِ وَالْمُتَعَامِلَ بِهَا بِالطَّرْدِ وَالْإِبْعَادِ عَنْ رَحْمَةِ اللهِ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ]، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الآخِذُ فِي وَظِيفَةٍ مِنَ الْوَظَائِفِ الْعَامَّةِ أَوِ الْخَاصَّةِ أَوْ مرشحا يشتري الأصوات أو غَيْرِ ذلك من الصور؛ لِأَنَّهَا أَكْلٌ لِلْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَآكِلُهُ مُتَوَعَّدٌ بِالنَّارِ؛ فَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
وَحَذارِ مِنْ تَسْمِيَةِ الأَشْيَاءِ بِغَيْرِ اسْمِهَا؛ فَإِنَّ الْعِبْرَةَ بِحَقِيقَةِ الأَمْرِ وَمَخْبَرِهِ, وَإِنْ زُيِّنَ فِي شَكْلِهِ وَمَظْهَرِهِ, فَتَسْمِيَةُ الرِّشْوَةِ بِالهَدِيَّةِ أَوِ الْعَطِيَّةِ, أَوِ الْمُسَاعَدَةِ أوِ الإِعَانَةِ, أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَسْمَاءِ: لاَ تَخْفَى عَلَى جَبَّارِ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ, وَعَالِمِ الظَّوَاهِرِ وَالْمَكْنُونَاتِ, وَإنَّ إِغْرَاءَ الْـمُرَشَّحِ لِلنَّاخِبِ بِشَيْءٍ مِنَ الْـمَالِ أَوِ الْـمَنْفَعَةِ مْقَابِلَ إِعْطَائِهِ صَوْتَهُ هُوَ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ الرِّشْوَةِ الْـمَحُرَّمَةِ, فالَـمْرءُ مَسْؤُولٌ عَنْ شَـــــــهَادَتِهِ وَتَزْكِيَتِهِ؛ ]سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْــــــــأَلُونَ( ]وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ(.