- خطبة الجمعة بعنوان : بلدك أمانة في عنقك.
- القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
- المكان: خطبة جمعة في يوم 21 من شهر صفر - عام 1439هـ في مسجد السعيدي بالجهراء ونقلت عبر إذاعة موقع ميراث الأنبياء الرئيسية.
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لّا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102]
، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النساء:1]
، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب: 70-71]
.
أمَّا بعد..
فإنَّ خير الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم-، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلّ ضلالةٍ في النّار.
أمَّا بعد..
عباد الله:
إنّ كلّ ما يؤدّي إلى ائتلاف القلوب ومودّتها، واجتماع النّفوس وتآلفها ومحبّتها، مطلبٌ شرعيٌّ ضروريٌّ، كما أنّ كلّ ما يسبّب تباعد القلوب وتنافرها، واختلاف الكلمة وتفرّقها، وشقّ الصّفوف وتمزّقها، أمرٌ محرّمٌ في دين الله-جلّ في علاه-، قال تعالى:
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾[آل عمران:103]
.
فالواجب على كلّ فردٍ منّا أن يغذّي ما يزيد في المحبّة والإخاء، ويجمع الشّعوب على كلمةٍ سواءٍ، وأن ينأى بنفسه عن كلّ ما يجلب العداوة والبغضاء، والنّزاع والشّحناء، وأن يعمل على تقوية أواصر التّآزر والتّعاون والتّناصر، ويبتعد عن أسباب الفتنة والتّناحر والتّهاجر، وأن لا يخوض المرء في أمورٍ لا تعنيه، وحقائق قد تغيب عن عقله وناظريه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول اللّه -صلّى الله عليه وسلّم-: «
لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعضٍ، وكونوا عباد اللّه إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التّقوى هاهنا» - ويشير النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى صدره ثلاث مرّاتٍ- «بحسب امرئٍ من الشّرّ أن يحقر أخاه المسلم، كلّ المسلم على المسلم حرامٌ: دمه، وماله، وعرضه» رواه مسلمٌ.
عباد الله:
لا يخفى عليكم التّطوّرات الخطيرة والمتسارعة الّتي تشهدها منطقتنا، ولا شكّ أنّ ما يحدث حولنا لم يعد بمنأًى عنّا؛ بل نحن على تماسٍّ مباشرٍ به؛ لذا علينا أن نعلم جميعًا أنّ بلدنا أمانةٌ في أعناقنا، واجبٌ علينا حفظ أمنها واستقرارها، والتّكاتف والتّعاضد ضدّ كلّ ما يهدّد سلمها وإسلامها، والتّواصي بتغليب مصلحتها على مصالحنا، وعدم الانصياع إلى الدّعوات الّتي قد تكون سببًا في النّيل من استقرارنا أو من النّعم الّتي ننعم بها، مع نبذ المذاهب البدعية والنّعرات الطّائفيّة
فكلّ واحدٍ منّا – عباد الله- مسؤولٌ عن حفظ بيضة هذه الدّيار، ومطالبٌ أن يقيم على أرضه التوحيد، ويبتعد عن المعاصي والبدع والشرك والتمديد، وأن يضع يده في أيدي الصّادقين الأبرار، سامعًا طائعًا لولاة أمره بالمعروف، وإيّاك ثمّ إيّاك أن يؤتى الوطن من قبلك، فطوبى لكم إن شكرتم الله تعالى على ما أنتم فيه من النّعم، وكنتم يدًا واحدةً في حفظه ودفع ما يتربّص به من النّقم، ومن كفر بهذه النّعمة المسداة؛ وجحد وأنكر هذه المنّة المهداة، فستزول عنه وعنّا هذه النعم، وسيصير بعد العزّة والمنعة إلى الذّلّ والخضوع،
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾[النحل:112].
فاتّقوا الله -عزَّ وجلَّ- في هذا الوطن أيّها المؤمنون، وراقبوا مصالحه فيما تسرّون وفيما تعلنون، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وتذهب ريحكم،
﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[الأنفال:46]
.
عباد الله:
يريد لنا الإسلام أن نكون أمّةً واحدةً، في ظلّ راية حقٍّ واحدةٍ، لا عصبيّة تفرّقنا، ولا عنصريّة تمزّقنا، ولا أهواء تزيغ بنا، ولا اختلافات تذهب بقوّتنا، نستلهم من كتاب ربّنا ومن سنّة نبيّنا -صلى الله عليه وسلم- أسّ الوحدة وصدق الانتماء، ومن سيرة سلفنا نستضيء دروب العزّة والإخاء، وفي ظلّ راية الدّين نعيش التّوحيد والإيمان، ففي الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام-أنه قال: «
المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً» وشبّك بين أصابعه»، فالمسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى بعضه اشتكى كلّه، قال -عليه الصلاة والسلام-: «
مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى».
إخوة الإيمان:
ولا يمكن لبلدٍ في الأرض أن يقوم بدوره في الحياة، ويسير في ركب الأمم في النّهوض والبناء، إلّا إذا كانت وحدة شعبه قائمةً، وصفوفه متلاحمةً، ألا وإنّ من أهمّ ما يحفظ القوّة، ويبقي الوحدة: التّمسّك بدين الله -عزّ وجلّ-، كتابًا وسنّةً، علمًا وعملاً، فهمًا وسلوكًا، آدابًا وأخلاقًا، والتّعاون على البرّ والتّقوى والإيمان، ونبذ التّعاون على الإثم والمعصية والعدوان؛ يقول المولى -عزَّ وجلَّ-: ﴿
وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[المائدة:2].
وذلك يكون بإيثار المحبّة والرّحمة، والطّاعة والنّصرة بين الحاكم والمحكومين على أساسٍ من طاعةٍ الله -تبارك وتعالى-، وطاعة رسوله -صلّى الله عليه وسلّم-، وقيام الرّاعي بحقوق الرّعيّة والسّهر عليها، وقيام الرّعيّة بالسّمع والطّاعة لوليّ أمرها، والالتفاف حوله، وأداء حقوقه في التّوقير والاحترام والسّمع والطّاعة، والنّصح له والذّبّ عنه؛ قال -سبحانه وتعالى- :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾[النساء:59].
عباد الله:
فلنكن على قدر المسؤوليّة، ولنحفظ أنفسنا عمّا لا يليق ولا علم لنا به؛ ولنقف سدًّا منيعًا أمام الإشاعات والأراجيف، ولنحافظ على حرمة ديننا وبلادنا وأنفسنا وإخوتنا في الإسلام والعروبة، ولا نلق بأسماعنا وقلوبنا إلى كلّ افتراءٍ وزيفٍ، ولا إلى كل مبتدعٍ وصاحب بدعةٍ وزيف؛ فإنّ الله تعالى يقول:
﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾[الإسراء:36]
.
اللّهمّ اجمع كلمتنا على الحق، واجعل في طاعتك قوّتنا، وألّف بين قلوبنا، وسدّد ألسنتنا.
أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرّحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أمَّا بعد..
عباد الله:
إنّ النّفوس تبذل لأوطانها الغالي والنّفيس، وخاصّةً إذا ما حباها الله تعالى بوطنٍ آمنٍ مطمئنٍّ مستقرٍّ، نسأل الله -عزَّ وجلَّ- أن يديم علينا النعم، فتذكّروا نعمة الله تعالى عليكم أيّها المؤمنون،
﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[الأنفال:26]
، واعلموا -رحمكم الله- أنّ إثارة الفتن والعصبيّات، وإذكاء نار الفرقة والانقسامات، من أخطر المكايد والمؤامرات، ولا سبيل يحفظكم من الدّسائس وإثارة النّعرات، إلّا أن تحفظوا وحدتكم الإيمانيّة، وتتمسّكوا بأخوّتكم الإسلاميّة على التوحيد والسُنّة، قال نبيّنا -صلّى الله عليه وسلّم-: «
إنّ الله يرضى لكم ثلاثاً: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرّقوا، وأن تناصحوا من ولّاه الله أمركم»
فالزم - يا عبد الله- غرزك، وامسك عليك نفسك، واحذر أن تكون أداةً طيّعةً ينقل من خلالها أخبارٌ كاذبةٌ، ودعاياتٌ مغرضةٌ، وقصصٌ مفتراةٌ، وفتنٌ وإشاعاتٌ، وكن أداة إصلاحٍ وتأليفٍ بين القلوب، ولا تكن وسيلة تخريبٍ وإفسادٍ، عن عقبة بن عامرٍ -رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله ما النّجاة؟ قال: «
امسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك»
فلنكن –يا عباد الله- مفاتيح للخير مغاليق للشّرّ، مع كلّ خيرٍ وحقٍّ ومعروفٍ؛ يعزّز اللّحمة ويرسّخ الوحدة، ويحفظ الأمن والإيمان، وضدّ كلّ شرٍّ وباطلٍ ومنكرٍ؛ يفرّق وحدتنا أو يمزّق لحمتنا، أو يذهب بأمننا وإيماننا، فإنّما نحن جميعًا في مركبٍ واحدٍ، إن نجا نجونا جميعًا، وإن غرق هلكنا جميعًا، والله يتولّى عباده المؤمنين.
اللهم إنَّا نسألك الأمن والأمان، اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين يا رب العالمين، اللهم إنَّا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقية رحمة لا سقية عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرق، اللهم ارحم ضعفنا اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم إنَّا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.