مفاسد المظاهرات والثناء على عاصفة الحزم
مفاسد المظاهرات والثناء على عاصفة الحزم
  | , 2312   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: مفاسد المظاهرات، والثناء على عاصفة الحزم.
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • المكان خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 7 جمادى الثانية عام 1436هـ، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.

   
  • الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد.. فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد.. عباد الله، إنكم اليوم لتسمعون وترون، وتعايشون واقعًا مرًا أليمًا، وحالًا بئيسًا نكِدًا يجتاح عددًا من البلاد الإسلامية العزيزة على قلوبنا حيث اجتاحتها أمواج عاتيةٌ من الفتن: - فتنٌ تحرق الدين والعقل والبدن، وفتنٌ أشعلت الحروب، وزادت في الخطوب. - فتنٌ أزالت الأمن والاستقرار، وأضعفت الجيوش وحماة الأوطان، وكثَّرت الأرامل والأيتام. - فتنٌ أضعفت الاقتصاد، وأهدرت الثروات، وزادت الفقر وجوع الناس، وأيقظت أهل الإفساد والإجرام وأعداء الإسلام. أتدرون عباد الله لما أصابنا ذلك؟ وما سبب ما نحن فيه؟ ولماذا حلَّ بنا؟ إنه بسبب مخالفة شرع الله، ودينه البيِّن الواضح القويم في التعامل مع حُكَّامنا وولاة أمورنا إذا حصل منهم جورٌ وظلم، ووقعوا في خللٍ وتقصير، وظهرت منهم أمورٌ تخالف تعاليم الدين، واستأثروا دوننا بشيءٍ من أموال الدنيا الزائلة وأراضيها حيث أمرت الشريعة بالصبر على جورهم وظلمهم واستئثارهم، وبالسمع والطاعة لهم في غير معصية الله -سبحانه-، وأن تكون النصيحة سرًا لا علانية، ونهت عن نزع اليد من طاعتهم، وعن الخروج عليهم بقولٍ أو فعل، بسلاحٍ أو بدون سلاح، وعن سبِّهم وشتمهم وتحريض الرعية عليهم، وتأليبهم عليهم وإهانتهم. «أصبوا حتى تلقوني على الحوض عليهم ما حملوا، وعليكم ما حملتم» إلى غير ذلك من وصايا نبينا -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن هذا السبيل والطريق يقلل الفتن والشرور على الناس وبلادهم، ويضعف المفاسد والخطوب، ويدفع الأضرار ويزيد في الأمن والرخاء، ويحفظ الدين والدنيا والنفوس والأعراض والأموال، وكيف لا يكون كذلك؟ وهو حكم الله شرعه بين الرعية وحاكَّمها، والله –سبحانه وتعالى- هو خير الحاكمين، خالق المحكومين والحاكمين، وأدرى بما يصلح دينهم ودنياهم فشرع لهم هذا التعامل، وأكرمهم بهذه المعاملة والعلاج. ولكن للأسف أبت وتنكبت جموعٌ غفيرة، وأعدادٌ هائلة من شباب الأمة أن تنقاد لهذا الحكم وتعمل به إما جهلًا، أو إتباعًا للنفس والهوى، أو طمعًا في مناصب الدنيا وجاهها ومالها، أو تضليلًا من دعاةٍ لجماعاتٍ دينيةٍ سياسية أو أحزابٍ علمانيةٍ تريد الوصول للحكم عن طريقهم، أو تقليدًا لأهل الغرب من الكفار، أو انخداعًا بالمحللين السياسيين وأقوالهم عبر أجهزة الإعلام وصفحاتها وقنواتها. أبوا أن يعالجوا ما يحصل من حكامهم وولاة أمورهم إلا بطريق المظاهرات والمسيرات، والاحتجاجات والاعتصامات فجَرَّهم هذا التعامل، وهذه الطريقة إلى المواجهة مع حكامهم والثورة عليهم فكان ما ترونه الآن من فتنٍ وشرور، وتصلونه من حروبٍ وكروب وتمنون أنه لم يكن ولم تروه. جاءت فتاوى أكابر أهل العلم من أئمة أهل السنة والحديث كالإمام ابن بازٍ، والألباني، والعُثيمين –رحم الله الجميع- وغيرهم من علماء الأمة بأن هذه الأمور لا تجوز شرعًا، وأنها ستجر عليهم وعلى العباد والبلاد شرورًا أكبر، ومفاسد أعظم، وستجلب الحروب وتزيل الأمن. وبينوا لهم أدلة ذلك من القرآن والسنة، وأقوال الصحابة وكتب اعتقاد السلف الصالح وأكدوا ذلك بذكر صورٍ من التاريخ بعيدةٍ وقريبة، والعديدة من الآثار لهذه الثورات والخروج على الحكام عبر التاريخ، وأنها مُرَّةٌ وأليمة؛ لعلَّهم يتعظون ويعتبرون فيرجعوا عن ذلك، ولكن لا فائدة في القوم، ولا جدوى منهم إن نصحت فكأنما تشاهد عقولًا قد سُلبت، وفطرًا قد مسخت. وهذا الإمام الكبير الذي فاق أهل زمانه علمًا، ومعرفةً ودراية ـ"ابن تيمية" -رحمه الله تعالى- قد استقرأ وسبر لنا تاريخ هذه الثورات على الولاة وما نجم عنها، فقال –رحمه الله تعالى-: "وقلَّ من خرج على إمامٍ ذي سلطان إلا كان ما تَوَلَّد على فعله من الشر أعظمَ مما تولَّد من الخير"، وقال أيضًا: "ولعلَّه لا يكاد يُعرف طائفةً خرجت على ذي سلطانٍ إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظمُ من الفساد الذي أزالته". ويا لله! كم للصومال وهي تحترق بسبب مثل ذلك، بل انقسمت إلى دويلاتٍ وحكومات، وكم لأفغانستان وهي تنزف؟ وكم لليبيا وهي تتوجع وإلى كم انقسمت؟ وكم لسوريا وهي تصرخ، وكيف تقسمت؟ وكم لليمن وهي تتقلب، وكيف أصبحت؟ وكم لمصر وهي تعاني؟ وكم في بلاد المسلمين من فتنٍ ونكباتٍ وبلايا، وإلى أي حالٍ وصل ضعف المسلمين، وهوانهم على الناس؟ يا من دعوتم إلى المظاهرات والمسيرات، والاعتصامات والاحتجاجات حتى قامت بسببها الثورات، والحروب المهلكة المفزعة إنكم ستُسألون يوم القيامة، وتتحملون وزرًا وإثمًا؛ بسبب ما دعوتم له، وبسبب ما أريق من دماء، وما سُلب ونُهب وأُتلف ودُمِّر وأُحرق من أموال، وما حصل من فسادٍ؛ لأن خروجكم هو سبب وجودها وحصولها ولو لم تخرجوا لما وُجدت، ولكان الناس والبلاد في عافيةٍ منها وسلامة. كيف يطيب لكم عيشٌ ومظاهراتكم قد تسببت في سفك دماء نفوسٍ مسلمة؟ كيف تهنأ لكم حياةٌ ومظاهراتكم قد تسببت في ترميل نساءٍ وتيتيم أطفالٍ كُثر؟ كيف يرتاح لكم قلبٌ ومظاهراتكم قد تسببت في دخول الحزن، والكرب والمصاب على بيوتٍ قُتل أبوها أو أخوها أو ابنها الذي يرعاها وينفق عليها؟ هذه هي ثمراتهم السيئة، وهذه نتيجة أعمالهم التي سيتحملونها عند الله –سبحانه وتعالى- وهم في قصورهم وبين أولادهم. أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن ينفعني وإياكم بما سمعتم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروا إن هو الغفور رحيم.
  • الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداه أما بعد.. عباد الله، فلقد كانت بلاد اليمن آمنةً مطمأنة حتى وصلت هذه الثورات فركبها الحوثيون فنشروا مذهبهم وكفرهم، وإسرافهم في القتل والخطف، وتجاوزوا في التعذيب والتفجير، ومصادرتهم ممتلكات أهلها فأذلوا أهل السنة، وتقربوا بدمائهم، وطال ذلك على الضعفاء والمساكين من أهل اليمن. وإن من الحسنات الطيبة الجليلة التي لابد من ذكرها لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -سلَّمه الله ورعاه- التي لن ينساها الناس أو تُغفل عندهم، وسيحفظها التاريخ دومًا له، وتُسطِّر له فيه مجدًا سبقه وحكومته، ومن ساندهم من قادة الدول الإسلامية بما فيها دولتنا حفظ الله ولاتنا في هذه الأيام: إلى وقف زحف وامتداد الحوثة وملَّتهم، وأشياعهم عن بلاد اليمن عامة بإعلانهم الحرب عليهم في عاصفة الحزم؛ حتى لا تكون لهم الشوكة والدولة في اليمن فينشروا الكفر، ويستبيحوا الدماء، ويفتحوا الباب للأعداء. وحتى يُبطلوا مخططاتهم وتوسعاتهم، وتعدياتهم المستقبلية في بلاد أهل السنة، وأماكن تواجد أهل السنة، وحتى ينكَّفوا عن تقتيل أهل السنة من اليمن، وإرهابهم وتخويفهم وسجنهم، وتعذيبهم والاعتداء على مساجدهم ومدارسهم، وظلمهم بأخذ ديارهم وخيراتهم فإنهم في كربٍ شديد، وضيقٍ عظيم فمد ولاتنا يد العون بهذا الجهاد الحقيقي الذي قام على رايةٍ واضحةٍ، وتحت ولاة أمورنا. وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «مَنْ كَانَ في حَاجَة أخيه، كَانَ اللهُ في حَاجَته، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَومِ القِيَامَة». وهنا وصايا ينبغي الانتباه لها في مثل هذه الأحداث ومثل هذه الحروب: الأول: الإكثار من الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى؛ لينصر العباد ويغيث الجيش والبلاد، ويكسر شوكة الأعداء، ويثبت الأقدام والقلوب. والثاني: إحسان الظن بالله والعلم اليقين أن الله محققٌ وعده بالنصر لمن نصر الله وكتابه ونبيه ودينه ﴿إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ﴾ [محمد:7]. والثالث: كمال تعلق القلب بالله، وأن الأمر كله بيد الله، وما معنا من العتاد والعدَّة والأعوان إنما هي أسبابٌ ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [آل عمران:126]. الرابع: احتساب الأجر في هذا الجهاد لإعلاء كلمة الله وهو من أفضل الأعمال، وذروة سلام الإسلام إذا كان في سبيل الله وتحت راية ولاة الأمر. الخامس: وتذكير جنودنا بالأجر والثواب، والاحتساب والثناء عليهم بالخير والتواصي بذلك، وذكر أحاديث الجهاد والمرابطة وأجور ذلك. السادس: والحرص على عدم نشر الشائعات أو الأخبار الزائفات فقد تكون سببًا في إضعاف النفوس، وتهبيط الهمم فلنكن دعاة خيرٍ لا أبواق أخبار. السابع: وذكر فساد عقائد الحوثيين، وبيان حالهم للناس؛ حتى يعرفوا حقيقة أمرهم، وخطرهم على اﻹسلام والمسلمين. ثامنًا: وكذلك الرجوع إلى الله وترك المعاصي، والإكثار من الطاعات في أوقات الفتن والمزلَّات فالتوحيد والطاعة من أعظم أسباب النصر. تاسعًا: وكذلك قراءة سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وغزواته وأخباره، وأخبار خلفائه الراشدين وجهادهم ففيها أعظم حافزٍ إلى الصبر والمصابرة، وبيان أسباب النصر وعوامل التمكين. عاشرًا: وكذلك وهو الأخير ذكر محاسن ولاة أمورنا، وتذكير الرعية بالولاء والطاعة بالمعروف فجهادهم حجةٌ لأهل الحق، غصةٌ لأهل الباطل. اللهم أمدهم بالعون والنصرة يا رب العالمين، اللهم أمدهم بالعون والنصرة يا رب العالمين، اللهم اكتب لهم التوفيق والسداد، واكلأهم بالحفظ والسلامة، وارفع لهم الدرجات، وأكرمهم بالجنة ونعيمها الذي لا ينقطع، اللهم قاتل النصيريين والحوثيين ومن عاونهم وساندهم، واشدد وطأتك عليهم يا رب العالمين، اللهم أنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم مزقهم في الأرض كل مُمَزق، ولا تجعل لهم على السنة وبلادها وأهلها سبيلًا، واخذلهم في العالمين، اللهم من جاهدهم فأعزه، ومن مات في جهادهم فاقبله شهيدًا، ومن ساندهم بقولٍ أو مقالٍ أو إعلام فاخذله وامكر به واكشف تلبيسه يا سميع الدعاء، و﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات:180-182].